مع انشغال الحكومة والرأى العام فى مصر بالمواجهة العنيفة مع جماعات مسلحة ترفع راية الإسلام السياسي، تراجع الاهتمام بقضايا إقليمية يمكن أن تحدث انقلابا فى نمط التحالفات الدولية فى الشرق الأوسط، وعلى وجه التحديد فى الخريطة السياسية للإقليم ،بعد احتمال إبرام اتفاق نووى بين مجموعة الدول الخمس دائمة العضوية فى مجلس الأمن وألمانيا بالقيادة الفعلية للولايات المتحدةالأمريكية. صحيح أن الوصول إلى اتفاق وشيك هو أمر غير محتمل الفشل فى الوصول إلى اتفاق هذا الأسبوع لا يعنى توقف المفاوضات، حيث جرى تحديد موعد جديد لإنهائها خلال ستة أشهر. الأطراف السبعة مهتمة بالوصول إلى اتفاق، وخطوطه العريضة معروفة: وقف تخصيب اليورانيوم فى إيران عند حد لايسمح لها بامتلاك القدرة على صنع أسلحة نووية، وهو ماتقبل به إيران ،فى مقابل رفع العقوبات الاقتصادية عليها، وإخضاع برنامجها النووى للرقابة الدولية. وما على المفاوضين فى فيينا وربما فى جنيف بعد ذلك هو الاتفاق على تفاصيل هذه النقاط الثلاث. والوصول إلى هذا الإتفاق يحقق مصلحة كل أطرافه. تجنى إيران من ورائه رفعا للعقوبات التى أثرت بكل تأكيد على اقتصادها، وتدخل فى علاقات طبيعية مع الدول الغربية، وتكسب اعترافا بمكانتها كقوة إقليمية كبرى فى الشرق الأوسط، وتجنى الدول الغربية نفاذا إلى السوق الإيرانية الضخمة وتأمينا لوارداتها من النفط توازن به تأثيرا كامنا للدول العربية الخليجية وفى مقدمتها السعودية، كما تضمن مشاركة إيرانية فعالة فى الحرب ضد داعش والتنظيمات العديدة المرتبطة بالقاعدة. هذه التطورات تثير ثلاثة أسئلة مهمة: أولها هل تقدم إيران تنازلات جوهرية بالوصول إلى اتفاق حول الأسس المذكورة سالفا؟ وماهى الآثار الإقليمية لمثل هذا الاتفاق؟ وما هو الموقف الذى يجب أن تتخذه مصر؟ الجواب على السؤال الأول هو بالنفي. لاتتنازل إيران عن موقفها المبدئى وهو تطوير قدرتها على تخصيب اليورانيوم لاستخدامه فى توليد الطاقة التى يحتاجها اقتصادها إما فى حالة نضوب مخزونها من النفط أو لإطالة فترة بقاء هذا المخزون. الموقف الإيرانى هو الوقوف على عتبة صنع القنبلة الذرية، وتجاوز العتبة عندما يكون الوقت مناسبا. ولذلك سوف تحاول الدول الغربية إطالة فترة الوصول إلى العتبة. أهم الآثار الإقليمية لمثل هذا الاتفاق هو التغير فى نمط العلاقة التى تربط إيران بدول الأطلنطى فى الشرق الأوسط. سوف تصبح إيران صديقة للغرب بدلا من أن تكون عدوا له. وأكثر الدول قلقا من هذا التطور هو كل من إسرائيل ودول الخليج العربية وفى مقدمتها المملكة العربية السعودية. إسرائيل تريد أن تنفرد بأن تكون القوة النووية الوحيدة فى الشرق الأوسط حتى يبقى لسلاحها النووي، وهو أكبر سر علنى فى الإقليم، قدرته على ردع كل دول الإقليم الأخرى التى تناصب جميعها إسرائيل العداء، وتخشى المملكة العربية السعودية ودول الخليج العربية الأخرى امتلاك إيران قدرة نووية بسبب ما قد يؤدى إليه ذلك من تشجيع المواطنين الشيعة فى هذه الدول على تصعيد المطالبة بحقوقهم، وبعضها ينكر عليهم ، وعلى غيرهم، حقوقهم فى المساواة فى المواطنة، كما تخشى خصوصا أن تستخدم إيران نفوذها المتزايد فى حث أحزاب الشيعة وتنظيماتهم على استخدام النضال المسلح لتغيير أنظمة الحكم فى بلادهم أو امتلاك حق الفيتو فى مواجهة الأحزاب والقوى التى تمثل المواطنين الآخرين ، كما هو حال الحوثيين فى اليمن وحزب الله فى لبنان. ماذا نحن فاعلون فى مصر فى مواجهة هذه التطورات؟. لم يطرأ جديد على العلاقات المصرية الإيرانية فى الواقع منذ ثورة يناير. لا فى ظل المجلس الأعلى للقوات المسلحة أو حكومة الإخوان ولا فيما بعد 30 يونيو 2013. وعلى الرغم من الزيارة التى قام بها الرئيس محمد مرسى لطهران فى سنة 2012 لحضور قمة منظمة المؤتمر الإسلامي، إلا أنه أنهى عهده بمناصبة إيران العداء بالدعوة للنضال المسلح ضد نظام بشار ألأسد فى سوريا الذى تؤيده إيران. ولم تحدث لقاءات رسمية وعلنية بين المسئولين فى مصر وإيران منذ تولى الرئيس عبد الفتاح السيسى منصب الرئاسة فى يونيو الماضي. هناك اعتبارات متناقضة تحكم الموقف المصري، بعضها يحبذ استمرار الوضع القائم على ماهو عليه، والبعض الآخر يدعو إلى إعادة النظر فى هذا الوضع أملا فى الإستفادة من وضع جديد لهذه العلاقات. هناك أولا شكوك الأجهزة الأمنية التى لم تثبث صحتها حول تورط أجهزة الدولة الإيرانية فى مساندة أنشطة الجماعات المسلحة داخل مصر. وقد ترددت هذه الادعاءات كثيرا فى ظل حكم الرئيس الأسبق حسنى مبارك. واللافت للنظر أن مثل هذه الاتهامات أصبحت تتركز فى الآونة الأخيرة ضد حماس فى غزةوتركيا وقطر، ولا تذكر إيران على الإطلاق. وهناك ثانيا الخشية أن يؤدى استئناف العلاقات الدبلوماسية الكاملة مع إيران إلى غضب دول الخليج التى تقدم لمصر معونات ضرورية وذات قيمة كبرى فى مواجهة أوضاع اقتصادية صعبة ،ومن المأمول أن تمكن مصر من تجاوز هذه الأوضاع، علما بأن كل دول الخليج العربية بما فى ذلك دولة الإمارات التى تحتل إيران ثلاثا من جزرها تتبادل العلاقات الدبلوماسية الكاملة والزيارات مع إيران، بل وتمثل منفذا لتجارة إيران الخارجية. وهناك ثالثا الإدعاء بأن الحكومة الإيرانية حريصة على نشر المذهب الشيعى فى مصر. ليس من المعروف صحة هذا الادعاء، ولكن وجود الشيعة فى مصر حقيقة ثابتة، ولم يترتب على وجودهم فى الماضى أو الحاضر انتشار التشيع فى مصر، كما أنه ليس من المتصور أن يتحول المصريون المسلمون السنة عن مذهبهم الذى توارثوه منذ قرون لمجرد وجود بعض مطبوعات عن المذهب الشيعى هذاإذا ما صحت هذه الإدعاءات. ولكن هل هناك ما تكسبه مصر من نمط جديد فى علاقاتها مع إيران؟ أولا: إن إقامة علاقات دبلوماسية كاملة مع إيران ومعاملتها كدولة مهمة فى الشرق الأوسط يفتح الباب لمناقشة القضايا الخلافية معها وربما لتعديل سلوكها إذا كانت تنشد علاقات ودية مع الدول العربية بحسب ما تقوله حكومتها. وليس من المفهوم أن تكون لنا علاقات دبلوماسية كاملة مع إسرائيل رغم سلوكها العدوانى ولاتكون لنا علاقات كاملة مع إيران التى لاتمثل تهديدا مباشرا لمصالح مصر. ثانيا: إن إقامة مثل هذه العلاقات سيعود على مصر بمكاسب هائلة فيما يتعلق بمكانتها الإقليمية. سوف يعزز مكانة مصر فى مواجهة تركيا تحت قيادة أردوجان الذى يصر على انتقاد الحكومة المصرية فى جميع المحافل، وكذلك فى مواجهة إسرائيل التى تناصب إيران العداء. ويمكن إقناع دول الخليج العربية بأن مثل هذه الخطوة تدعم موقفها فى مطالبة إيران بالالتزام بقواعد حسن الجوار فى علاقتها بسائر دول الإقليم. بل ويجب أن تكون هذه العلاقات بالتنسيق مع هذه الدول. وثالثا: هناك المكاسب الاقتصادية والعلمية التى يمكن أن تعود على مصر من الإنفتاح على إيران، من تعاون علمى وتكنولوجى مفيد للطرفين، ومن تدفق السياحة الإيرانية على مصر، والتى يتطلع إيرانيون كثيرون لزيارتها. التطورات القادمة على مسرح التحالفات الإقليمية هائلة، وسوف نخسر ببقائنا خارج دائرة تشكيل هذه التطورات. لمزيد من مقالات د.مصطفى كامل السيد