إيران..من الحلم الفارسى إلى المشروع النووى

ستظل ‬إيران ‬إحدي ‬القوي ‬المؤثرة ‬في ‬محيطها ‬الإقليمي، ‬ولاعبا ‬له ‬دور ‬علي ‬المسرح ‬الدولي، ‬ودائما ‬مادار ‬الصراع ‬والتنافس ‬علي ‬المستويين ‬الدولي ‬والاقليمي ‬حول ‬قوة ‬التأثير ‬ومساحته ‬وطبيعة ‬هذا ‬الدور، ‬واذا ‬كانت ‬العوامل ‬الجغرافية ‬قد ‬لعبت ‬دورا ‬في ‬تاريخ ‬ايران ‬السياسي ‬فإن ‬التاريخ ‬لم ‬يكن ‬غائبا.. ‬وكيف ‬يغيب.. ‬وله ‬كل ‬هذا ‬التأثير ‬في ‬الذاكرة ‬الإيرانية ‬وهذه ‬السطوة ‬علي ‬تطلعات ‬وطموحات ‬الشعب ‬الايراني؟
في ‬سياق ‬الكلام ‬عن ‬ايران، ‬تأتي ‬تلك ‬الدراسة ‬العلمية ‬الشافية ‬التي ‬أعدها ‬الكاتب ‬والمفكر ‬عبده ‬مباشر، ‬وضمها ‬كتابه ‬الذي ‬حمل ‬عنوان » ‬ايران.. ‬تاريخ ‬من ‬احلام ‬العظمة‮» ‬.. ‬ويحكي ‬فيه- ‬عبر ‬فصوله ‬الاثني ‬عشر - ‬تدرجات ‬الحلم ‬الايراني، ‬الذي ‬تطلع ‬فيه ‬الشاه ‬محمد ‬رضا ‬بهلوي ‬إلي ‬الارتقاء ‬بايران ‬إلي ‬مصاف ‬القوي ‬العظمي ‬الاقليمية.. ‬ويطرق ‬باب ‬النصر ‬النووي ‬طامعا ‬في ‬نيل ‬عضوية ‬النادي ‬الذري.. ‬ليتمكن ‬من ‬تحقيق ‬هدفه ‬الكبير »‬ايران ‬العظمي‮»‬.. ‬إلا ‬أن ‬هذا ‬الطموح ‬قاده ‬إلي ‬نهايته.. ‬وكان ‬الهدف ‬أكثر ‬مما ‬تسمح ‬به ‬ظروف ‬الجانبين، ‬الدولي ‬والاقليمي، ‬وحقائق ‬توازن ‬القوي ‬وحركة ‬الصراع.‬
وفي ‬لمحة ‬تاريخية، ‬يشيرالكاتب ‬إلى أن ‬إيران ‬كانت ‬منذ ‬الفتح ‬الاسلامي ‬في ‬سنة ‬1501م ‬تعتنق ‬غالبيتها ‬الساحقة ‬المذهب ‬السني، ‬ومن ‬هنا ‬كان ‬من ‬الخطأ ‬الربط ‬بين ‬المذهب ‬الشيعي ‬والمذهب ‬الفارسي، ‬بل ‬إن ‬الدولة ‬الصفوية ‬التي ‬فرضت ‬المذهب ‬الشيعي ‬مذهبا ‬رسميا ‬في ‬ايران ‬كانت ‬في ‬الأصل ‬فرقة ‬صوفية ‬سنية ‬المذهب، ‬وتحولت ‬تدريجيا ‬الي ‬المذهب ‬الشيعي ‬تحت ‬تأثير ‬الخصومة ‬العنيفة ‬بينها ‬وبين ‬الدولة ‬العثمانية، ‬التي ‬كانت ‬تحمل ‬لواء ‬المذهب ‬السني ‬في ‬الشرق ‬الأوسط.‬
ويذهب ‬الكاتب ‬في ‬تحليله ‬إلي ‬ان ‬الشيعة ‬في ‬ايران ‬كانت ‬ ‬منذ ‬الفتح ‬الاسلامي ‬حتي ‬استيلاء ‬الصفويين ‬علي ‬الحكم ‬في ‬ايران ‬سنة ‬1501 ‬م ‬بزعامة ‬شاه ‬اسماعيل ‬ ‬أقلية ‬ضئيلة ‬ربما ‬لاتتجاوز ‬العشرة ‬في ‬المائة، ‬ولم ‬يكونوا ‬جماعة ‬متجانسة، ‬بل ‬كانوا ‬فرقا ‬شتي .‬ثم ‬يشير ‬إلي ‬أن ‬الذي ‬جلب ‬المذهب ‬الشيعي ‬إلي ‬إيران ‬في ‬القرن ‬الثالث ‬الهجري» ‬التاسع ‬الميلادي« ‬هم ‬بعض ‬العرب ‬الوافدين ‬من ‬جنوبي ‬العراق ‬العربي، ‬الذين ‬استقروا ‬في ‬‮«الجبال‮»‬، ‬وكانت ‬مدينة» ‬قم‮» ‬‬هي ‬أكبر ‬مركز ‬روحي ‬لهؤلاء ‬الشيعة، ‬وحولها ‬كانت ‬اكبر ‬تجمعاتهم ‬البشرية.‬
ثم.. ‬تتهيأ ‬الفرصة ‬لنجاح ‬الثورة ‬الايرانية ‬عام ‬1979 ‬ويصل ‬اية ‬الله ‬الخميني ‬إلي ‬قمة ‬السلطة، ‬ويتغير ‬كل ‬شئ ‬في ‬إيران ‬إلا ‬حلم ‬ايران ‬قوة ‬اقليمية ‬عظمي.. ‬ويتوافق ‬ذلك ‬مع ‬تطلعات ‬الثورة ‬لتصدير ‬مبادئها ‬إلي ‬محيطها ‬الاقليمي ‬والتوسع ‬في ‬نشر ‬المذهب ‬الشيعي.‬
ويمضي ‬الكاتب ‬‬موضحا ‬أن ‬السعي ‬المتواصل ‬من ‬أجل ‬التحول ‬إلي ‬قوة ‬عظمي ‬يعني ‬أن ‬تكون ‬لها ‬كلمة ‬نافذة ‬في ‬سياسات ‬المنطقة، ‬وأن ‬يصبح ‬لها ‬صوت ‬مسموع ‬علي ‬المسرح ‬الدولي، ‬عند ‬تخطيط ‬سياسات ‬المنطقة، ‬سواء ‬من ‬أجل ‬زيادة ‬حجم ‬المصالح ‬الايرانية، ‬أو ‬من ‬أجل ‬حمايتها . ‬ومثل ‬هذا ‬الوضع ‬لايمكن ‬أن ‬يتحقق ‬إلا ‬بمباركة ‬القوي ‬العالمية ‬خاصة ‬الولايات ‬المتحدة. ‬وبالرغم ‬من ‬كل ‬مظاهر ‬الاختلاف ‬بين ‬البلدين ‬فإن ‬هناك ‬دائما ‬مساحة ‬للاتفاق ‬بينهما.‬
ويري ‬الكاتب ‬أن ‬هذا ‬الدور ‬لن ‬يتحقق ‬الاعلي ‬حساب ‬قوي ‬عربية ‬مؤثرة، ‬خاصة ‬في ‬منطقة ‬شبه ‬الجزيرة ‬العربية؛ ‬وفي ‬مقدمتها ‬السعودية ‬والإمارات ‬والبحرين. ‬ومن ‬أجل ‬تحقيق ‬هذا ‬الهدف، ‬تبني ‬ايران ‬قوة ‬عسكرية ‬هائلة ‬وتتوسع ‬في ‬مجال ‬الصناعات ‬الحربية، ‬ولكن ‬الأهم ‬هو ‬التركيز ‬علي ‬المشروع ‬النووي.‬
ويوضح ‬عبده ‬مباشر ‬أن ‬المسئولين ‬الإيرانيين ‬أدركوا ‬أن ‬صناعة ‬القنبلة ‬النووية ‬هي ‬الانجاز ‬الذي ‬سيحمي ‬دولة ‬‮ «‬الملالي‮» ‬‬أولا، ‬ثم ‬هو ‬الذي ‬سيدفع ‬أمريكا ‬وباقي ‬القوي ‬العالمية ‬إلي ‬القبول ‬بإيران ‬كقوة ‬اقليمية ‬عظمي.‬
ومن ‬نافلة ‬القول، ‬الإشارة ‬إلي ‬أن ‬إيران ‬تتبني ‬سياسة‬‮ «‬كسب ‬الوقت‮» ‬ ‬إلي ‬أن ‬تتمكن ‬من ‬تحقيق ‬ماتصبو ‬إليه. ‬وفي ‬هذا ‬الاطار ‬تمكنت ‬ايران- ‬وتحديدا ‬بعد ‬الاحتلال ‬الامريكي ‬للعراق ‬عام‬2003، ‬من ‬انشاء ‬حزام ‬شيعي ‬يمتد ‬من ‬ايران ‬عبر ‬العراق )‬خاصة ‬المناطق ‬الشيعية ‬بالجنوب( ‬وصولا ‬إلي ‬سوريا ‬التي ‬تهيمن ‬علي ‬السلطة ‬فيها ‬أقلية ‬شيعية ‬علوية ‬برئاسة ‬بشار ‬الأسد، ‬و ‬كذلك ‬وصولا ‬إلي ‬حزب ‬الله ‬في ‬لبنان.‬. أي ‬أن ‬ايران ‬تمددت ‬بنفوذها ‬إلي ‬ساحل ‬البحر ‬المتوسط.. ‬وفي ‬الوقت ‬نفسه ‬حاول ‬ابعاد ‬مصر ‬عن ‬منطقة ‬الخليج، ‬أو ‬تحييدها ‬علي ‬الأقل، ‬فمصر ‬بثقلها ‬تقف ‬عقبة ‬أمام ‬الطموحات ‬الايرانية، ‬ولن ‬تستطيع ‬ايران ‬ان ‬تنفرد ‬بالنفوذ ‬إلا ‬علي ‬حساب ‬مصر.‬
يعد ‬كتاب »‬ايران.. ‬تاريخ ‬من ‬احلام ‬العظمة‮» ‬‬مرجعا ‬رئيسيا ‬لكل ‬من ‬يحاول ‬فهم ‬أو ‬قراءة ‬أو ‬تفسير ‬المشهد ‬الايراني، ‬خاصة ‬لصنّاع ‬السياسة ‬في ‬العالمين ‬العربي ‬والإسلامي. ‬

الكتاب: ‬إيران.. ‬تاريخ ‬من ‬أحلام ‬العظمة ‬
المؤلف : ‬عبده ‬مباشر
الناشر: ‬دار ‬المعارف
‮صفحة ‬436 ‬