رغم تجاوز ميزانية الدفاع ستة مليارات دولارسنوياً إلا أن نيجيريا تواجه أزمة طاحنة فى شراء أسلحة هجومية لقطع دابر جماعة بوكوحرام الإرهابية على أراضيها وذلك بعد تفاقم الأوضاع هناك حتى بدأ الإرهاب يطل برأسه على الدول المجاورة. وهنا يكتنف الغموض موقف دول العالم من مساعدة نيجيريا لنتساءل ما هى دوافع رفضهم إمدادها بهذا النوع من الأسلحة الفتاكة ؟! وهل هناك حسابات شخصية أم هى مصالح عامة أم هناك أسباب أخري؟! مؤخرا ، خرج أديبوال أديفوى سفير نيجيريا فى واشنطن عن صمته وفتح نيران الانتقادات على الولاياتالمتحدة بسبب رفضها مراراً بيع معدات وأسلحة متطورة لنيجيريا على الرغم من إدراك واشنطن جيدا ، حسب قوله، بأن هذه الأسلحة ستمكن أبوجا فى غضون فترة قصيرة من القضاء على جماعة بوكو حرام ، كما اتهم الولاياتالمتحدة بأنها خذلت حليفا قديما لها فى وقت هى فى أمس الحاجة إليه ولإمداداته العسكرية حتى صارت الدولة وكأنها فى عزلة عن العالم أجمع. ورغم عدم إدلاء أى مسئول أمريكى بأى تصريح يوضح السبب إلا أن الدافع وراء رفضها هو ادعاءات بشأن تورط السلطات النيجيرية فى انتهاكات حقوق الإنسان بحق مدنيين ومعتقلين فى السجون، ووفقاً لقواعد بيع السلاح فى الولاياتالمتحدة وهو ما ينص عليه القانون الأمريكى ، يحظر عقد صفقات أسلحة مع أى دولة يرتكب فيها الجيش أى انتهاكات. وكان أول دليل على هذه المزاعم شريط فيديو بثته وسائل الإعلام العام الماضى كشفت فيه عن صور لعمليات تعذيب مارسها الجيش ضد معتقلين من جماعة بوكوحرام، وقد اعترفت نيجيريا بهذه الواقعة وتعهد الرئيس جودلاك جوناثان حينذاك بمعاقبة مرتكبى الحادث.كما كشفت تحقيقات أجرتها وكالة "أسوشييتد برس" الأمريكية عن تورط القوات النيجيرية فى قتل آلاف المعتقلين منذ إعلان حالة الطوارئ فى البلاد فى مايو 2013، بينما اتهمت منظمة "هيومان رايتس ووتش" وجماعات حقوقية أخرى حكومة أبوجا بقتل عدد كبير من المدنيين منذ بدء الرد على هجمات بوكوحرام عام 2009. و باعتبارها دولة ديمقراطية ، انضمت جنوب إفريقيا إلى الولاياتالمتحدة فى اتخاذ نفس المسار ولكن بشكل آخر حيث صادرت أموالاً ضخمة تبين أنها قيمة صفقات أسلحة بين أبوجا وإحدى شركات السلاح فى جنوب إفريقيا وصفقة أخرى مع إسرائيل تمت عبر سماسرة سلاح من بريتوريا.وكان الدافع وراء تعليق الصفقات هو أن هذه الأموال فى حكم قوانين جنوب إفريقيا تعتبر أموالاً مهربة، حيث يحظر القانون هناك مغادرة المسافرين وبحوزتهم مبالغ مالية تزيد عن 2300 دولار أمريكي.وكانت واقعة الضبط الأولى للأموال النيجيرية التى بلغت 9،7 مليون دولار أمريكى فى سبتمبر الماضى على متن طائرة .وذكرت تقارير حينها أنها كانت مخصصة لشراء أسلحة من السوق السوداء.وقد اعترفت الحكومة النيجيرية لاحقا بعلمها عن الصفقة مبررة ذلك بأن الأسلحة كانت ضرورية لمواجهة عناصر الإرهاب على أراضيها.أما بالنسبة إلى واقعة الضبط الثانية كانت بين شركة نيجيرية تتخذ من أبوجا مقرا لها وشركة وساطة فى تجارة السلاح فى كيب تاون كانت قد تلقت فى حسابها نحو 5،7 مليار دولار أمريكى ولكن نظراً لأن الشركة مسجلة فى قوائم لجنة مراقبة تجارة الأسلحة الصغيرة تم مصادرة الأموال باعتبارها أموالاً مهربة بطريقة غير شرعية.كما علقت جنوب إفريقيا إتمام صفقة أسلحة ثالثة بين أبوجا وإسرائيل الشهر الماضى وهو ما أثار ردود أفعال سلبية فى نيجيريا . وفى تعليق على الموقف الأمريكى والأفريقى من قضية تسليح الحكومة النيجيرية، أكد جون ستوبارت رئيس تحرير مجلة الدفاع الأفريقى والكاتب فى صحيفة "مافريك" اليومية فى جنوب إفريقيا أن القوات النيجيرية لديها سجل سييء فى التعامل مع سكان المناطق التى سيطرت عليها جماعة بوكوحرام ويتضمن ذلك استخدام القوة المفرطة فى التعامل مع المشتبه فى انتمائهم للجماعة الإرهابية أو دعمهم لها وحرق المنازل والاعتداءات الجسدية وعمليات القتل خارج نطاق القانون إلى جانب حملات الاعتقال ، لذا يؤكد ستوبارت أن الولاياتالمتحدةوجنوب إفريقيا لن يسمحان ببيع أسلحة لدولة مسئولة عن انتهاك جميع المعايير الدولية لحقوق الإنسان سواء كان ذلك بدون قصد أو بمنح ضمانات. وفى كلا الحالتين، فإن عملية بيع الأسلحة بهذه الطريقة تتعارض مع سياسات الحد من التسلح الخاصة المنصوص عليها فى لجنة مراقبة الأسلحة التقليدية الوطنية فى جنوب إفريقيا ، كما أن الولاياتالمتحدة لديها ضوابط أكثر صرامة من الملتزمة بها جنوب إفريقيا. ورغم انتهاك نيجيريا للقوانين الدولية، لم تقف واشنطن وغيرها من الدول الأخرى وفى مقدمتهم بريطانيا مكتوفة الأيدى أمام الإرهاب الكاسر على الأراضى النيجيرية، بل تبنوا استراتيجية من أجل مساعدة الحكومة من ناحية ولحماية مصالحهم من ناحية أخرى تحسباً لأن تمتد أصابع بوكوحرام إلى الدول الإفريقية المجاورة بعد أن طالت حدود الكاميرون.فقد أرسلت واشنطن بعثات عسكرية وخبراء وطائرات تجسس بدون طيار لتتبع معاقل الجماعة الإرهابية فى نيجيريا وللبحث عن التلميذات المخطوفات منذ عدة أشهر . جانب آخر كشف عنه خبراء فى الشأن النيجيرى وهو أن الفساد وسوء التنظيم يفسران النقص المزمن فى معدات وأسلحة القوات النيجيرية فى أقوى دولة على الصعيد الاقتصادى فى إفريقيا وليس نقص الموارد. ويوضح الخبراء أن الفساد يتخلل جميع أجهزة الدولة فتمد بعض أفرادها جماعة بوكو حرام بالسلاح ، فى الوقت الذى يوفر فيه شيوخ القبائل السلاح أيضا للجماعة ، مما يعطى الجماعة الفرصة فى إحراز المزيد من التقدم وإلحاق الهزيمة بالحكومة والسيطرة على العديد من البلدات. ومن هنا، نستخلص أن نيجيريا تعيش فى دائرة مغلقة لن تنتهى بعد إلا باحترام المعايير الدولية وتنفيذها لكسب ثقة الدول الأخرى من أجل الحصول على الأسلحة اللازمة للقضاء على جماعة بوكوحرام وإلا ستظل مكبلة اليدين أمام شبح الإرهاب الذى يطاردها.