برسوم تدفع مرة واحدة، تسلا تستعد لإطلاق برنامج القيادة الذاتية الكاملة في الصين    اعتقال 22 محتجا خلال تظاهرة داعمة للفلسطينيين في متحف بروكلين بنيويورك    «خبرة كبيرة جدًا».. عمرو السولية: الأهلي يحتاج التعاقد مع هذا اللاعب    11 تصريحا من وزير التعليم بشأن امتحانات الثانوية العامة.. ماذا قال؟    انقسامات داخلية حادة تهز إسرائيل حول خطة بايدن لإنهاء الحرب    براتب 50 ألف جنيه شهريا.. الإعلان عن فرص عمل للمصريين في الإمارات    أنشيلوتي: لست مغرورًا.. وحققنا لقب دوري الأبطال هذا الموسم بسهولة    شيكابالا أسطورة ومباراة السوبر الإفريقي صعبة.. أبرز تصريحات عمرو السولية مع إبراهيم فايق    احمد مجاهد: انا مؤهل لقيادة اتحاد الكرة وهاني أبوريدة الوحيد اللي منزلش قدامه    أحمد موسى: الدولة تتحمل 105 قروش في الرغيف حتى بعد الزيادة الأخيرة    مدحت شلبي يكشف 3 صفقات سوبر على أعتاب الأهلي    القسام تنشر مقطع فيديو جديدا يوثق عملية استدراج جنود إسرائيليين داخل نفق في جباليا    وفاة طفل غرقاً في حمام سباحة مدرسة خاصة بكفر الزيات    جريحان جراء غارات إسرائيلية عنيفة على عدة بلدات لبنانية    أستاذ اقتصاد: «فيه بوابين دخلهم 30 ألف جنيه» ويجب تحويل الدعم من عيني لنقدي (فيديو)    عمرو أدهم يكشف آخر تطورات قضايا "بوطيب وساسي وباتشيكو".. وموقف الزمالك من إيقاف القيد    بشرى سارة للمواطنين.. زيادة الدعم المقدم للمواطن على بطاقة التموين    تشيلي تنضم إلى جنوب أفريقيا في دعواها ضد إسرائيل    متغيبة من 3 أيام...العثور على جثة طفلة غارقة داخل ترعة في قنا    الصحة تكشف حقيقة رفع الدعم عن المستشفيات الحكومية    أمير الكويت يصدر أمرا بتزكية الشيخ صباح خالد الحمد المبارك الصباح وليا للعهد    حميميم: القوات الجوية الروسية تقصف قاعدتين للمسلحين في سوريا    عيار 21 بالمصنعية بكام الآن؟.. أسعار الذهب اليوم الأحد 2 يونيو 2024 بالصاغة بعد الانخفاض الجديد    بعد حديث «حجازي» عن ملامح تطوير الثانوية العامة الجديدة.. المميزات والعيوب؟    17 جمعية عربية تعلن انضمامها لاتحاد القبائل وتأييدها لموقف القيادة السياسية الرافض للتهجير    إجراء جديد من محمد الشيبي بعد عقوبة اتحاد الكرة    حريق في عقار بمصر الجديدة.. والحماية المدنية تُسيطر عليه    بالصور.. البابا تواضروس يشهد احتفالية «أم الدنيا» في عيد دخول المسيح أرض مصر    من شوارع هولندا.. أحمد حلمي يدعم القضية الفلسطينية على طريقته الخاصة (صور)    الشرقية تحتفل بمرور العائلة المقدسة من تل بسطا فى الزقازيق.. فيديو    زاهي حواس يعلق على عرض جماجم مصرية أثرية للبيع في متحف إنجليزي    الزمالك يكشف حقيقة التفاوض مع أشرف بن شرقي    دراسة حديثة تحذر.. "الوشم" يعزز الإصابة بهذا النوع من السرطان    باستخدام البلسم.. طريقة سحرية لكي الملابس دون الحاجة «للمكواه»    طبيب مصري أجرى عملية بغزة: سفري للقطاع شبيه بالسفر لأداء الحج    تعليق من رئيس خطة النواب السابق على الشراكات الدولية لحل المشكلات المتواجدة    قصواء الخلالي: التساؤلات لا تنتهى بعد وقف وزارة الإسكان «التخصيص بالدولار من الخارج»    عضو أمناء الحوار الوطني: السياسة الخارجية من أهم مؤشرات نجاح الدولة المصرية    وزير الخارجية السابق ل قصواء الخلالي: أزمة قطاع غزة جزء من الصراع العربي الإسرائيلي وهي ليست الأولى وبدون حل جذري لن تكون الأخيرة    ضبط 4 متهمين بحوزتهم 12 كيلو حشيش وسلاحين ناريين بكفر الشيخ    السفير نبيل فهمى: حرب أكتوبر كانت ورقة ضغط على إسرائيل أجبرتهم على التفاوض    حظك اليوم برج السرطان الأحد 2-6-2024 على الصعيدين المهني والعاطفي    المستشار محمود فوزي: نرحب بطلب رئيس الوزراء إدراج مناقشة مقترحات تحويل الدعم العيني لنقدي    الفنان أحمد عبد القوي يقدم استئناف على حبسه بقضية مخدرات    مصرع سيدة وإصابة آخر في تصادم مركبتي توك توك بقنا    موازنة النواب: الديون المحلية والأجنبية 16 تريليون جنيه    سعر الموز والعنب والفاكهة بالأسواق اليوم الأحد 2 يونيو 2024    صحة الإسماعيلية: بدء تشغيل حضانات الأطفال بمستشفى التل الكبير    أخبار × 24 ساعة.. أكثر من 6000 ساحة لصلاة عيد الأضحى بالإضافة للمساجد    مجلس حكماء المسلمين: بر الوالدين من أحب الأعمال وأكثرها تقربا إلى الله    مصر تشارك في مؤتمر العمل الدولي بجنيف    تكريم الحاصل على المركز الرابع في مسابقة الأزهر لحفظ القرآن بكفر الشيخ    رئيس جامعة أسيوط يتفقد اختبارات المعهد الفني للتمريض    تعرف على صفة إحرام الرجل والمرأة في الحج    «مفيهاش علمي ولا أدبي».. وزير التعليم يكشف ملامح الثانوية العامة الجديدة    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم السبت 1-6-2024 في المنيا    شروط ورابط وأوراق التقديم، كل ما تريد معرفته عن مسابقة الأزهر للإيفاد الخارجي 2024    قبل الحج.. تعرف على الطريقة الصحيحة للطواف حول الكعبة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



مع فريدة وزوربا.. والراقصة الصغيرة

أن تنطلق من وحدتك وأن تتفاعل مع الحياة وأن تعيش وتتعايش بكل ما هو حي ونابض من ألوان البشر وأنغام الموسيقي هذا هو الرقص. وأن تقفز خارجا من ملاجئ التعقل والتعود وأن تحلحل ما قمت بربطه من قبل هذا هو الرقص أيضا.
ولندع ألف جسد يتفتح تحت هذا العنوان أقيمت مؤخرا حلقة نقاش في اطار مهرجان فاس الدولي للرقص التعبيري. ولا شك أن الرقص يعد تحررا للروح وانطلاقا للتعبير المكنون بداخل الانسان وأيضا تجردا من الجسد وقيوده. كما أن الرقص نجده عبادة وتصوفا وتوحدا وذوبانا في الصدق والحق والجمال لدي أطياف الشعوب المختلفة والحضارات القديمة الممتدة عبر القارات.. ومن هنا ولد ايضا توصيف الرقص بأنه صلاة الجسد.
في مهرجان القاهرة السينمائي عرض الأسبوع الماضي فيلم اسمه الرقص مع ماريا نجد فيه تفاصيل عشق الرقص والحياة وخطوات رقص العشق والحياة من خلال ماريا فوكس الراقصة الأرجنتينية. وماريا تجاوزت التسعين من عمرها( من مواليد2 يناير1922) وهي مصممة رقصات وأيضا صاحبة استديو/ مدرسة رقص في بيونس ايريس استقبلت فيها عبر السنين كل من يريد أن يعبر عن نفسه ويرقص وأن يحرك جسده وينطلق بروحه حتي لو كان لديه عائق جسدي يثنيه أو يبعده عن التعبير عن نفسه بالرقص وايقاع الجسد. وتقول ماريا وهي تشرح البداية وحكمتها في الرقص والحياة:في خريف1942 كنت أنظر لشجرة فرأيت ورقة تسقط منها.. فقررت أن أرقص تلك الرقصة, ولكن عندما حاولت أن أجد الموسيقي المناسبة لم أنجح فسألت ورقة الخريف هل أنت في حاجة الي موسيقي لكي تتحركي؟ فأجابت ورقة الشجر وقالت: لا, أنا في حاجة الي الريح. فبدأت أبحث عن الأنغام بداخلي كي أجد القوة التي أحرك بها جسدي وأرقص بها رقصتي.
أما حديث عشاق الفنون في الوقت الحالي بالعاصمة الأمريكية واشنطن منصب علي الراقصة الصغيرة. تمثال نادر للرسام الفرنسي العالمي الشهير ادجار ديجا يعرض في المتحف الوطني للفنون في واشنطن ومسرحية استعراضية مستوحاة من حياة الفنان وحكايته مع هذه الفتاة.. راقصة الباليه ذات14 ربيعا التي تجسدت وخلدت في هذا التمثال الصغير. وهذا العمل الفني يعرض في مركز كيندي للفنون أيضا في العاصمة الأمريكية. وتمثال راقصة صغيرة عمرها14 يحتل مكانا متميزا في أعمال ادجار ديجا(1834-1917) لأنه كان ضمن أكثر من مائة تمثال وأعمال نحتية أبدعها الفنان الفرنسي من الشمع والطين ومواد أخري الا أنه التمثال الوحيد الذي اختار الفنان أن يتم عرضه بجانب رسوماته ولوحاته الفنية والعديد منها تشمل راقصات الباليه. ديجا ظل مبهورا بباليه أوبرا باريس لأربعة عقود وبما شهده من خلال عروضه المتميزة من رقصات وراقصات وديكورات وموسيقي وجمهور متذوق للفنون وما تابعه ديجا بتعمق في فهم وتذوق تفاصيل الحركة لدي الانسان. وهذه الفتاة الصغيرة كانت تدعي ماري جينيفييف فان جوتيم وهي برقصتها ووقفتها ونظرتها أوحت بالكثير لديجا وتجسيده للتمثال الصغير نحو متر تقريبا. والتمثال أثار العديد من النقاشات عن حكايته وحكاية ديجا معه ومع الرقص بشكل عام. وكيف أن المهتمين بالفنون في تلك الأيام ثار غضبهم تجاه الفنان الكبير لأنه اهتم بالراقصة الصغيرة البسيطة الغلبانة لكي يخلدها.. والأخطر كيف أن التمثال كان من الشمع والطين وقطع القماش وشعر الانسان وليس من الرخام والبرونز كما جرت العادة.
وبينما كنت أتابع ديجا وتفاصيل انبهاره بالحركة في الجسد البشري وفي قاعة دروس الرقص وعلي خشبة المسرح وجدت اعلانا لفيلم فلامنكو فلامنكو للمخرج الأسباني الشهير كارلوس ساورا وبأنه سيعرض قريبا في دور العرض السينمائي في أمريكا. وكارلوس ساورا( من مواليد1932) أخرج من قبل أفلاما متميزة مثل كارمن وعرس الدم الحوار فيها رقصة والمواقف الدرامية فيها خطوات راقصة وحركات جسدية تعبر عن الفرحة أو الحزن أو الغضب أو العشق. وبما أن الموسيقي لغة عالمية والرقص تعبيرا انسانيا فلا نجد ولا يجب أن نجد عائقا أو حاجزا أمام فهمنا وانبهارنا واستمتاعنا بعالم ساورا الذي هو عالمنا أيضا.
والروائية العراقية انعام كجه جي وهي تسترجع مؤخرا ذكرياتها عن الاستمتاع بعروض الرقص في بلداننا في أوائل السبعينات كتبت:جاءتنا فرقة رضا للفنون الشعبية من القاهرة وسحرتنا برشاقة محمود رضا وفريدة فهمي وبقية الطيور المحلقة. هذا فن راق يختلف عن هز البطن. هكذا قلنا لأنفسنا رغم أن سهير زكي كانت زعيمة الزمان. وعندما رأينا رقصة البمبوطية للفرقة القومية المصرية, مع عايدة رياض ومشيرة إسماعيل وبحارة الميناء, تحولت بيوتنا إلي حلقات يرقص فيها الأولاد ويغنون: وعيونك شط وشمسية... تعالي جنبي... تعالي جنبي
وبالطبع فرقة رضا وفريدة فهمي أعطوا لنا فنا راقيا ومحترما.. وارتفعوا بتذوقنا وتقديرنا لما هو رقص ولما هو شعبي. فريدة وهي تتحدث عن تجربتها المميزة في حوار مع أمل فوزي بمجلة صباح الخيرذكرت في أول عرض وافتتاح للفرقة كان المسرح كله من الرجال لا توجد سيدة واحدة. في الحفلة الثانية امتلأ المسرح بالعائلات. وعن نشأة فرقة رضا قالت: فرقة رضا نشأت من حلم والحلم أصبح فكرة. فكرة كانت في زمن تشابهت فيه كل عناصر تكوين الحلم.. ناس مبدعون اجتمعوا بنفس الروح والارادة والمعافرة والرغبة في تجاوز كل الصعوبات.واجتمعوا في وقت كان الظرف الثقافي مستعدا لاحتواء هذا المشروع الابداعي. ولم تفت فريدة في حوارها الصريح التفاتها لما حدث للرقص وكيف أنه أصبح كلمة سيئة السمعة عند البعض ولوضع المرأة المصرية وعن مدي قوتها وارادتها, وكيف أن قوتها داخلية لا تظهر في تعبيرها الجسدي الذي يبدو أحيانا وكأنها مكسورة أو مهزومة!!
والرقص يعد ضرورة حيوية عند الروائي الياباني هاروكي موراكامي ففي روايته رقص رقص رقص يكتب: ارقص.. يجب أن ترقص.. مادامت الموسيقي تعزف, يجب أن ترقص, لا تفكر حتي في السبب, إذا شرعت في التفكير فسوف تتوقف قدماك. إذا توقفت قدماك فسوف نتعطل نحن, فسوف تتعطل أنت/ لذا لا تفكر في شيء مهما بدا ذلك حمقا, يجب أن تواصل الخطي.. يجب أن تمرن جسمك, يجب أن تحلحل ما قمت بربطه, يجب أن تستخدم كل ما لديك, نعلم أنك متعب, متعب وخائف, هذا ما يحدث لكل شخص.. حسنا, فقط لا تدع قدميك تتوقفان
وبالطبع لا يمكن أن نحتفي بالرقص في حياتنا دون أن نلجأ الي حكيم الرقص وفيلسوف الحياة اليكسيس زوربا. بطل الرواية الشهيرة المعروفة بزوربا اليوناني للكاتب اليوناني نيكوس كازانتزاكيس والصادرة عام.1946 وقد تحولت الرواية الي فيلم بنفس الاسم في عام1964 وقام أنتوني كوين بدور زوربا. كازانتزاكيس في سيرته الذاتية المتميزة والممتعة تقرير الي غريكو( ترجمها ممدوح عدوان) يتحدث في فصل كامل عن زوربا الانسان الذي التقاه في حياته ليعلمه الكثير والكثير من فنون الحياة ورقصاته. ويكتب الكاتب اليوناني لقد كانت أحلامي وأسفاري هي أهم الأمور المفيدة في حياتي. لم يساعدني في كفاحي الا القلة من الناس(الأحياء والأموات). ولو أنني حاولت أن أحدد الناس الذين تركوا آثاراعميقة في نفسي, لحددت هوميروس وبوذا ونيتشه وبيرغسون وزوربا وبما أنه يحدد دور وبصمة كل اسم منهم في حياته يقول عن زوربا:هو الذي علمني أن أحب الحياة, وأن لا أخاف من الموت.والكاتب الكبير وهو يصف لحظة علمه بنبأ موت زوربا يكتب:أغمضت عيني, وأحسست بالدموع تتدحرج بطيئة ودافئة علي خدي.مات.. مات ورحت أتمتم لنفسي:راح زوربا. راح الي الأبد. ماتت الضحكة. وانقطعت الأغنية. وتحطم السانتير. وتوقفت الرقصة علي حصي الشاطئ. والفم الذي كان لا يهدأ عن طرح الأسئلة أصبح الآن مليئا بالتراب. ولن توجد أبدا بعد اليوم يد تلاطف الحجارة والبحر والخبز والنساء ويذكر كازانتزاكيس كيف أن زوربا كان يؤمن بأن الحياة بل والموت نفسه رقصة.. يجب أن نحوله لرقصة. لكي ننطلق ولكي نتحرك ونحرك معها قدمينا وجسدنا وروحنا. كنت أرقب زوربا يرقص ويصهل في أعماق الليل. أسمعه يدعوني أن أقفز بدوري خارجا من من ملاجئ التعقل والتعود وأن أرحل معه عبر سفر عظيم لا عودة منه. زوربا في ذاكرة الكاتب بقي المحارب والراقص في الحياة صاحب النفس العظيمة والجسد المتمكن والنداء المنطلق الذي لم أر, ولم أعرف, له شبيها في حياتي كلها كما كتب كازانتزاكيس
إنها مظاهرة رقص شاهدناها أمامنا بأعيننا وشاركنا فيها بخيالنا وقدرتنا علي استحضار الذاكرة وتجسيد الحلم. كانت أكثر من رقصة جميلة ومبهرة وموحية شاركت فيها فرقة رضا وفريدة فهمي وأيضا ماريا الأرجنتينية والراقصة الصغيرة لديجا المبدع. ولم يتردد في مشاركتنا كارلوس ساورا وكازانتزاكيس وموراكامي وطبعا.. فيلسوفنا في الحياة والرقص معا زوربا. واذا كان جوته له قوله الشهير:كن رجلا ولا تتبع خطواتي.. تأتي في بالي ونحن نحتفي بقيمة الرقص في وجودنا العبارة التالية: ارقص رقصتك.. ولا تتبع خطواتي..


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.