مع الفوز الكاسح الذى حققه الجمهوريون فى انتخابات التجديد النصفى للكونجرس الأمريكى فى الأيام القليلة الماضية يعن لنا أن نتساءل هل ستتغير السياسات الأمريكية فى المنطقة العربية أم لا؟.. المؤكد أن الخطوط الفاصلة أيديولوجيا بين الجمهوريين والديمقراطيين ليست عريضة بالشكل الذى قد يتوقعه البعض، ذلك أن المظلة البراجماتية المعتادة للسياسات الأمريكية، تظل هى حاكمة المشهد أبدا ودوما، ورغم ذلك فإن المعالجات لعدة قضايا ربما تختلف بين الفريقين. عدة قضايا شرق أوسطية مثيرة للجدل فى مقدمتها مواجهة الدولة الإسلامية فى العراق والشام (داعش) سيتحتم على الجمهوريين ، أن يطرحوا فيها رؤى وتوجهات مخالفة حتما لما مضى فيه باراك أوباما. فعلى سبيل المثال لعب الجمهوريون فى الانتخابات الأخيرة على وتر الإرهاب، فى محاولة لاستقطاب المواطن الأمريكى إلى زمن دولة الأمن، وإمبراطورية الخوف، التى أرسى قواعدها بوش الابن، ويبدو أن هؤلاء قد نجحوا بالفعل، فى ملء فجوات عقول الأمريكيين، غير المؤدلجين أو المثقفين، وهم يتجاوزون نسبة ال 90% من الشعب الأمريكي، ولهذا جاء التصويت كالتسونامى لصالحهم، والآن ينتظر الأمريكيون جوابا عن سؤال هل سيعلن الكونجرس حرباً برية على داعش؟.. حجر عثرة يقف حائلا بين أوباما وبين الكونجرس الآن، وتتشابك وتتقاطع مع أطراف شرق أوسطية متباينة المصالح ومتضاربة المشارب مثل طهران وتل أبيب، ونقصد بها قضية البرنامج النووى الإيراني، فقد جاءت سيطرة الجمهوريين على الكونجرس بمجلسيه قبل خمسة أيام من لقاء جواد ظريفى مع جون كيرى وكاثرين أشتون، وقبل ثلاثة أسابيع من انتهاء المهلة التى تم تخصيصها للمفاوضات بين إيران والدول الست. إشكالية قضية البرنامج الإيراني، تتصل بالرئيس الأمريكى خالى الوفاض من أى إنجازات سياسية خارجية يمكن لها أن تسهل مهمته فى دخول كتاب القياصرة الأمريكيين. لكن الجمهوريين المتشددين سيكونون له بالمرصاد، ناهيك عن أن رئيس وزراء إسرائيل بنيامين نيتانياهو قد بدأ بالفعل هجوما لتحريض الكونجرس الجديد ضد أى صفقة مستقبلية مع إيران، فالمسألة بالنسبة له هى حياة أو موت، ولذلك بدأ مبعوثون فى واشنطن تجهيز بيانات مستعجلة يطلبون فيها من المشرعين الأمريكيين العمل بسرعة لصالح أصدقائهم فى تل أبيب، وسريعا جدا بدأ الفاعلون داخل الإيباك، التوجه إلى مكاتب النواب والشيوخ وهم يحملون فى أيديهم توصيات نيتانياهو. ومن بين القضايا المعلقة، والتى يبدو أوباما فيها حائرا، ما يتصل بالأزمة السورية، التى تمثل جرحا غائرا فى الشرق الأوسط فلا رؤية يمتلك، ولا مقدرة على اتخاذ قرار بالهجوم الشامل، حيث القضية مرتبطة بكيانات دولية كبري، عطفا على الخوف من المجهول الأشد هولا، حال غياب الأسد الذى معه أو بدونه لن تستقيم الأمور فى تقدير الرئيس أوباما، ولهذا سنشهد حتما نزاعا حاداً بين الكونجرس الجديد وبين البيت الأبيض، وبخاصة فى ضوء اتساع الفجوة بين البنتاجون والبيت الأبيض حول مصير الأسد، فمنذ أسبوعين قدم وزير الدفاع تشاك هيجل مذكرة من صفحتين إلى مستشار الأمن القومي، سوزان رايس، قال فيها متهما أوباما من طرف خفى إن عدم الوضوح يعقد جهود الولاياتالمتحدة لمكافحة جماعة الدولة الإسلامية فى العراق وبلاد الشام، ولهذا تضحى تسريبات البيت الأبيض للنيويورك تايمز، حول نية أوباما إقالة هيجل وكيرى دفعة واحدة أمرا طبيعيا. ملف آخر محتقن، وإن كان البعض يواريه أو بدارية فى واشنطن يتصل بالعلاقات الأمريكية الخليجية عامة، والسعودية خاصة، إذ ليس سراً أن هناك حالة من ضعف الثقة بدرجة أو بأخرى بين عدد من العواصم الخليجية وبين واشنطن، جاءت بها المقادير بعد زمن الربيع العربى المغشوش الذى دعمته أمريكا سرا وجهراً، وتسببت فيها كذلك المناورات والمداورات الأمريكيةالإيرانية من ناحية أخري. هل لنا أن ننسى مصر المحروسة؟ بالطبع لا، فربما تكون العلاقات المصرية الأمريكية أفضل حالا فى ظل كونجرس جمهوري، فالجمهوريون بدرجة أو بأخري، رفض غالبيتهم، دعم أوباما وإدارته المخترقة لتيار الإسلام السياسي، والعلاقة مع الإخوان المسلمين، وما كتبه مارك سيفر مؤخرا عن رؤية العالم للرئيس السيسي، ربما يعد بادرة إيجابية لعلاقة نوعية متميزة، يتحتم على الجمهوريين إنقاذها من وهدة الأوبامية الفاشلة داخليا وخارجيا. هل سيتحول أوباما فى العامين المقبلين إلى بطة عرجاء؟ ربما سيضحى بطة مشلولة قولا وفعلاً. لمزيد من مقالات إميل أمين