من المعروف أن العقاد لم يؤلِّف كتاباً مستقلاً عن الإمام أبي حامد الغزالي، لكنه نوى أن يكتب عنه، وظلَّ يبحث ويقرأ عنه ما شاء له أن يقرأ. ولا عجب فى أن يرى العقاد في الغزالي أعظم شخصية إسلامية، بعد نبي الإسلام محمد صلى الله عليه وسلم. وفي عام 1960م ألقى العقاد محاضرة طويلة في رحاب الجامع الأزهر الشريف، عن فلسفة الغزالي وهي محاضرة عميقة غاية العمق في طرحها وأسلوبها، كشف فيها العقاد عن مدى إعجابه بشخصية الإمام الباحثة عن نور الحق، المتجردة لطلب العلم والمعرفة، واليقين الحق، ولا شيء سواه. ونظرا لأهمية هذه المحاضرة ، التى لمْ تُطبع في كتاب من قبل، أو تتداولها أيدي الباحثين والقُرّاء، إلاَّ مرَّة واحدة، فقد رأى الباحث صلاح حسن رشيد أن من الخير جمعها وتنسيقها والعمل على نشرها. ومن خلال قراءاته الكثيرة لمؤلفات العقاد، وجده يتحدث عن الغزالي كثيراً، في مختلف القضايا الفلسفية والدينية؛ فجمع كتاباته المتناثرة عن الغزالي، وضمها إلى محاضرته لأهميتها وأخرج لنا هذا الكتاب الجديد، الغزالي في مرآة العقاد بقلم عباس محمود العقاد (1889م- 1964م) الذي يمر هذا العام نصف قرن على وفاته. عكف رشيد على جمع مادة الكتاب ثلاث سنوات، حتى جمع فيه خلاصة آراء العقاد في الغزالي وفلسفته وتصوفه، وهو ما يتجلى من خلال النقد والتحليل والتفلسف والنقاش العلمي حول قضايا: الذات الإلهية، والخلق، والحدوث، والعدم، والسببية، والبعث، والتصوف، والمنطق .. تلك القضايا التي حار فيها الجميع، وانكشف الغطاء عن تهافت المفكرين، وزيغ الفلاسفة، وعلماء اللاهوت، والناسوت! لقد كان أبو حامد الغزالي -كما يرى العقاد- الرجل الذي تمكن بملكته النادرة بين أصحاب الفلسفة، وأصحاب التصوف أن يواجه المعضلات التي حيّرت جمهرة الفلاسفة؛ فلم تطل حيرته فيها، ولم يلبث أن وضعها في موضعها الصحيح من التفكير الإنساني؛ لأنه وجد (الممكن) حيث غمَّ الأمر على سواه؛ فلم يجدوا ثمَّة غير المستحيل. فالغزالي هو العالم الوحيد- في الشرق والغرب كما يقول العقاد- الذي ما تخلّى يوماً عن المنهجية والعقلانية في مناقشاته ومحاوراته ومؤلفاته:والواقع أن حُجَّة الإسلام لم تكمل له أداةٌ قط، كما كملت له أداة الفلسفة؛ فهو عالِمٌ، وفقيهٌ، ومُتكلِّمٌ، وصُوفيٌّ لا مِراء. وتبدو حيرة الفلاسفة واضحةً وجليةً منذ الإغريق حتى اليوم .. لكنَّ التصوفَ أسعف عقل الغزالي حيث تتعثر العقول الكبار، ومنها عقل أرسطو الذي يندر مثاله بين عقول الإنسان.. ونحسب أن طبيعة التصوف هوَّنتْ على الغزالي هذه المعضلة التي غاص فيها جبروت أرسطو؛ فلم ينتهِ منها إلى قرار! ويُعلِّل العقاد أسباب تفوق (الغزالي) على أقرانه من الفلاسفة والمتكلمين من الإغريق، ومن المسلمين، إلى أنهم في قضاياهم الكبرى حول الله، والكون، والإنسان كانوا يخلطون بين عدم العالم وبين العدم المطلق. فعدم العالم ليس بالعدم المطلق، كما يقول حجة الإسلام، بل هو عدم العالم وكفى ! وينقسم الكتاب إلى قسمين: القسم الأول؛ عرض فيه الباحث جانباً من حياة الإمام الغزالي .. نشأته، ورحلته العلمية، وظروف عصره، وقصة تحوله من الفلسفة إلى التصوف، إلى جانب تجربته الروحية.. كما عرض فيه بعض آرائه حول قضايا: العقل، والنفس، والتربية، والأخلاق، والسعادة.. بالإضافة إلى شهادات شيوخه، وتلاميذه وكثير من شهادات العلماء والمفكرين الإسلاميين، بل المستشرقين والفلاسفة الغربيين.. ونقل فتوى نادرة للإمام الغزالي تكشف عن مدى علمه الغزير، وموقفه من المتكلمين والزنادقة.. كما أورد قائمة بأشهر مؤلفات الإمام المعلوم منها والمجهول. أمّا القسم الثاني: فهو كتاب (فلسفة الغزالي) للعقاد، وبعض مقالاته النادرة التي كتبها عن الغزالي في مناسبات مختلفة والكتاب الصادر ضمن احتفالية الشارقة عاصمة الثقافة الإسلامية لهذا العام، هو احتفاء بهذين العالمين الجليلين وبفكرهما وإخلاصهما من أجل الحق والخير والمعرفة.
اسم الكتاب :الغزالي في مرآة العقاد إعداد :صلاح حسن رشيد الناشر :دائرة الثقافة والإعلام الشارقة