وفد قومي حقوق الإنسان يشارك في الاجتماع السنوي المؤسسات الوطنية بالأمم المتحدة    أسامة كمال يتلقى رسائل خاصة من أهالي سيناء وإشادة بدور الشيخ إبراهيم العرجاني    محافظ بني سويف يناقش تقرير المشاركة في احتفالية "صوت الطفل"    قطع المياه لمدة 8 ساعات عن بعض مناطق الجيزة، الجمعة    انفجارات كبيرة في سماء إيلات، وفصائل عراقية تعلن استهداف موقع إسرائيلي    هيئة البث الإسرائيلية: انفجار كبير في سماء إيلات    ضياء رشوان: إسرائيل لن تضيع 46 سنة سلام مع مصر من أجل أشياء غير مؤكدة    الأمن يوافق رسميا على زيادة الجماهير في المباريات المحلية والأفريقية    مشاجرة بين شخصين تنتهي بجروح وقطع في الأذن بسبب أولوية المرور بالقليوبية    7 فئات لأسعار تذاكر أحدث حفلات المطرب العراقي كاظم الساهر    حسن الرداد: احرص على تنوع أعمالي الفنية وشخصيتي قريبة للكوميدي    الحوار الوطنى: ندعم مؤسسات وقرارات الدولة لحماية أمننا القومى ومصالح أهل فلسطين    في يوم الربو العالمي.. هل تشكل الحيوانات الأليفة خطرا على المصابين به؟    هتوصل للقلب بسرعة.. أجمل كلمات تهنئة بمناسبة عيد الأضحى المبارك 2024    الصين وفرنسا تؤكدان ضرورة حماية المدنيين في قطاع غزة    النفط يتراجع مع استئناف الحكومة الأمريكية شراء النفط لاحتياطيها الاستراتيجي    أثارت الجدل بإطلالتها.. مطربة شهيرة تظهر بفوطة حمام في حفل Met Gala    بالفيديو.. أسامة الحديدي: سيدنا النبي اعتمر 4 مرات فى ذى القعدة لهذا السبب    القيادة المركزية الأمريكية والمارينز ينضمان إلى قوات خليجية في المناورات العسكرية البحرية "الغضب العارم 24"    الشعب الجمهوري بالشرقية يكرم النماذج المتميزة في صناعة وزراعة البردي    انعقاد ثالث المجالس الحديثية بالمحافظات.. السبت المقبل 11 مايو    تحديد موعد انطلاق مهرجان أجيال السينمائي    زراعة عين شمس تستضيف الملتقى التعريفي لتحالف مشاريع البيوتكنولوجي    «عبدالمنعم» يتمسك بالإحتراف.. وإدارة الأهلي تنوي رفع قيمة عقده    تخفيض الحد الأدنى للفاتورة الإلكترونية إلى 25 ألف جنيها من أغسطس    بالفيديو.. خالد الجندي: الحكمة تقتضى علم المرء حدود قدراته وأبعاد أى قرار فى حياته    نائب رئيس جامعة الأزهر السابق: تعليم وتعلم اللغات أمر شرعي    أماني ضرغام: تكريمي اليوم اهديه لكل إمراة مصرية| فيديو    مراقبة الأغذية بالدقهلية تكثف حملاتها بالمرور على 174 منشأة خلال أسبوع    وصفة تايلاندية.. طريقة عمل سلطة الباذنجان    البورصات الخليجية تغلق على تراجع شبه جماعي مع تصاعد التوتر بالشرق الأوسط    إصابة 4 أشخاص في حادث سقوط سيارة داخل ترعة في قنا    وفد النادي الدولي للإعلام الرياضي يزور معهد الصحافة والعلوم الإخبارية في تونس    محافظ أسوان: تقديم الرعاية العلاجية ل 1140 مواطنا بنصر النوبة    البرلمان العربي: الهجوم الإسرائيلي على رفح الفلسطينية يقوض جهود التوصل لهدنة    وضع حجر الأساس لنادي النيابة الإدارية في بيانكي غرب الإسكندرية (صور)    وائل كفوري ونوال الزغبي يحييان حفلًا غنائيًا بأمريكا في هذا الموعد (تفاصيل)    بدء تطبيق نظام رقمنة أعمال شهادات الإيداع الدولية «GDR»    الرئاسة الفلسطينية تحمل واشنطن تبعات الاجتياح الإسرائيلي لرفح    9 أيام إجازة متواصلة.. موعد عيد الأضحى 2024    ضبط متهم بالاستيلاء على بيانات بطاقات الدفع الإلكتروني الخاصة بأهالي المنيا    انطلاق الأعمال التحضيرية للدورة ال32 من اللجنة العليا المشتركة المصرية الأردنية    نصائح مهمة لطلاب ثانوي قبل دخول الامتحان.. «التابلت مش هيفصل أبدا»    المشاكل بيونايتد كبيرة.. تن هاج يعلق على مستوى فريقه بعد الهزيمة القاسية بالدوري    بعد الإنجاز الأخير.. سام مرسي يتحدث عن مستقبله مع منتخب مصر    9 عروض مسرحية مجانية لقصور الثقافة بالغربية والبحيرة    الأمم المتحدة: العمليات العسكرية المكثفة ستجلب مزيدا من الموت واليأس ل 700 ألف امرأة وفتاة في رفح    3 ظواهر جوية تضرب البلاد.. الأرصاد تكشف حالة الطقس على المحافظات    بكتيريا وتسمم ونزلة معوية حادة.. «الصحة» تحذر من أضرار الفسيخ والرنجة وتوجه رسالة مهمة للمواطنين (تفاصيل)    ضبط نصف طن أسماك مملحة ولحوم ودواجن فاسدة بالمنيا    الجدول الزمني لانتخابات مجالس إدارات وعموميات الصحف القومية    عادات وتقاليد.. أهل الطفلة جانيت يكشفون سر طباعة صورتها على تيشرتات (فيديو)    تفاصيل نارية.. تدخل الكبار لحل أزمة أفشة ومارسيل كولر    عبد الجليل: استمرارية الانتصارات مهمة للزمالك في الموسم الحالي    زعيم المعارضة الإسرائيلي: على نتنياهو إنجاز صفقة التبادل.. وسأضمن له منع انهيار حكومته    أجمل دعاء تبدأ به يومك .. واظب عليه قبل مغادرة المنزل    هجوم ناري من الزمالك ضد التحكيم بسبب مباراة سموحة    شكر خاص.. حسين لبيب يوجه رسالة للاعبات الطائرة بعد حصد بطولة أفريقيا    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الحزن الجسور: والألم النبيل
نشر في الأهرام اليومي يوم 06 - 11 - 2014

زاد إلحاح بناتى وأبنائى من الإعلاميين وهم يطرحون سؤالا تكرر مئات المرات عن «ماذا حدث للمصريين» «ماذا حدث للمصريين»؟ وبالذات عن ما أصابهم مما يسمى الاكتئاب، ذلك اللفظ الذى حل محل الحزن بغير وجه حق، ولم يعجبهم ولا يعجبهن أبدا ردى بالدفاع عن حقنا فى الحزن ما دام هناك ما يُحزن، وأن وصف شعب بأكمله بصفة مرضية، هو شىء غير علمى، وغير مسئول، وأن المطلوب ليس هو أن نتخلص من الحزن، وإنما أن نستوعب طاقته لننطلق منه إلى الحياة الزاخرة بالحزن الشريف المولد للابداع والحمد. وغيره طول الوقت.
نعم: حل لفظ «الاكتئاب» محل لفظ الحزن بلا وجه حق، ظاهرة الحزن هى أعمق وأرسخ وأقدم وأدق من كل مترادفة حاولتْ أن تحتويها، تتخلق الكلمة من وعى ناسها، والذين أبدعوا اللغة العربية – وهى حضارة قائمة بذاتها بغض النظر عما أل إليه أهلها- لا بد قد استوعبوا نوعا نبيلا قويا من الآلام النفسية، حتى تخلقت من وعيهم كلمة «الحزن» هكذا، بكل عنفوانها وزخمها، ولكن حين تسلل لفظ «الاكتئاب» زحفا على نبضها خَنَقَها أو كاد، فقد تضخم هذا اللفظ (الاكتئاب) وألح (بالعلم السهل والإعلام معا، وحماس الزملاء النفسيين)، حتى كاد يجمِّد المسيرة البشرية لحساب رفاهية مزعومة مستوردة كأنها غاية المراد.
نبدأ بإلقاء نظرة سريعة على ما يقال له «اكتئاب» كما تجمد داخل المصطلح العلمى أولا، فنجد أنه «الإحساس بالحزن وسوء المزاج»، أو أنه «صعوبة فى التفكير.. وكساد فى القوى الحيوية وهبوط فى النشاط الوظيفى» أو أنه «الشعور بالعجز واليأس وعدم الكفاءة»، ليكن، وليكن هذا كله صحيحا بدرجة ما، ولكن للحزن شأن آخر، جدير بنا أن نقبل اقتراح المرحوم أستاذنا د.عبد العزيز القوصى ونسمى الاكتئاب المرضى، والحزن السلبى، باسم آخر، وقد اقترح رحمه الله اسم «الانهباط» الذى يكاد يكون عكس جسارة وقوة ما هو حزن، ثم إن فى كلمة «حزن» بتشكيل آخر (بتسكين الزاى أو كسرها) تتضمن غير قليل من إيحاءات الجدية والقوة، فالحزن أيضا - ضد السهل المنبسط، حزن المكان حزنا: خشن وغلُظ، والحزن فيه مواجهة وعناد ولقاء وشدة: «شيخُ إذا ما لَبَِس الدرع حَرَنْ سهلٌ لمن ساهَلَ حزْنٌ للحزِنْ»، الشعر، باعتباره إحياء للغة وتخليق التشكيلات المعنى من جديد، هو القادر على إعادة الحياة للحزن الشريف القوى العنيد، ولعل صلاح عبد الصبور حين قال «يأتى من بعدى من يعطى الألفاظ معانيها» فى»ليلى والمجنون»، كان يعنى نفسه، فراح يعلمنا تشكيلات أخرى من الحزن الجميل والمؤلم معا، وهو يميزه عن الحزن الكئيب الانهباطى، وذلك فى قصيدته «أغنية إلى الله»، ومع أننى اعترفت مرارا أن الشعر لا يُنْقَد إلا شعرا، إلا أنى مضطر أن أعقِّب لعل زملائى يتراجعون إلى ما علّمنا صلاح فنكف عن استسهال وصف شعبنا الجميل بما لا يستحقه، يقول صلاح عبد الصبور فى «أغنيته إلى الله» وكأنه يعطينا نحن النفسيين درسا أساسيا:
(1) حزنى غريب الأبوين، لأنه تكوّن ابن لحظة مفاجئة، ما مخضته بطن
أراه فجأة إذ يمتد وسط ضحكتى
فهو ييدأ بأن يكتشف فى الحزن قدرته على ذلك الحضور المفاجئ بلا سبب، وهو لا ينفى تراكما سابقا صامتا، وهو أيضا فى هذا المقطع يعارض ذلك الاستقطاب المعجمى الذى يضع الحزن والفرح على أقصى طرفين متباعدين متضادين: فهو يمتد وسط ضحكته، ثم يمضى إلى بقية تشكيلات الحزن:
(2) لقد بلوت الحزن حين يزحم الهواء بالدخان، فيوقظ الحنين
وهذا حزن قادر موقظ، ليس فقط للهمم، ولكنه أيضا: «يوقظ الحنين»
(3) ثم بلوت الحزن حين يلتوى كأفعوان، فيعصر الفؤاد ثم يخنقه، وبعد لحظة الإسار يعتقه
هذا حزن آخر يمارس عنفوانه بقسوة يتباهى بها وهو يخنق ويُطلق، وهذه بعض صفاته وقدراته،
(4) ثم بلوت الحزن حينما يفيض جدولا من اللهيب
ثم ها هو ذا يتجلى نارا «تَضْرى إذا ضرّيْتمُوهَا فتضرمِ»
(5) لكن هذا الحزنَ مَسخٌ غامضٌ، مستوحشٌ، غريبْ
ثم ها هو لا ينسى ذلك الحزن السلبى الوحيد، وهو الوحيد الذى يستحق لفظ الاكتئاب، وصلاح يعتبره غريبا.
وبعد
بنظرة متأنية فاحصة لجدل الشاعر مع لفظ الحزن وهو يعايش الظاهرة المحتمل أن يحتويها، نجد أنه نجح أن يعيد تخليق التراكيب اللغوية المتضفرة، والمتآلفة، والمتناقضة، والمتعاقبة، والمتبادلة، بأمانة مغامرة
ولعل هذا هو ما وصلنى وأنا أمارس مهنتى، وبما أن الشعر لا ينقد إلا شعرا، فقد حضرنى بعض ذلك فى قصيدة الريح والأحزان حين قلت:
.....
يتحفز حزنٌ أبلج
حزنٌ أرحب من دائرة الأشياء المنثورةُ، الأشياء العاصيةِ النافرةِ الهَيْجَى
حزنٌ أقوى من ثورة تشكيل الكلمات
حزنٌ يصرخ بكَما، يُشرق ألما،
حزنٌ يستوعب أبناء الحيرة
يجمع أطراف الفكرهْ
يوقد نار الأحرف والأفعالْ
حزنٌ يحنو، يُدمى، يلهب، يصرخُ،
يُحيِى روحا ميّتةً ضجرهْ.
حزنٌ أسلس من ماء الدمعة،
أعتى من لفح الجمره.
حزنٌ يحنو، يُدمى، يُلهم، يَصرخ ُيُحيى روحا ميّتةً ضجرهْْ.
لكن يبدو أن ذلك لم يستوعب آلام الرؤية، الناتجة عن البصيرة النافذة: حين ينكشف الداخل والخارج على ما لا نحتمله، وفى نفس الوقت نشعر بكل المسئولية ونحن نحتفظ بالتفاؤل ونمضى نبنى ونحن حزانى، ما وصلنى من هذه العيون التى أبلغتنى هذه الرسالة كان ملتهبا مخترقا «والقلم استعجلْ، ما لْحقْشِى يترجِمْ، لَتْفُوتُهْ أيُّها هَمْسَةْ، أو لمْسَةْ، أو فتفوتِةْ حس» فجاء الشعر هذه المرة «بالعامية» فى قصيدة «الدمعة الحيرانة» من ديوانى «أغوار النفس» وانا أقرأ هذه العيون هكذا:
والعين الواعية الصاحية المليانة حُزْن.
(1)
عمركشِى شفتِ بقرة واقفةْ لوًحْديهَا، مربوطة فْ شجرة توتْ، جنب الساقية،
وعْنِيهَا الصاحية تحتيها دمعةْْ،......لا بتنزلْ ولا بتجفْ؟
عمّالة تْبُصّ لزميلتْهَا المربوطهْ فى النَّافْ، والغُمَى محبوكْ عالراسْ،
والحافِر يُحْفُرْ فى الأرضِ السكةْ اللِّى مالهاشْ أوّل ولا آخِرْ؟
(2)
والبقرة الواقفة تقول:
أنا كنت بالِفْْ ومشْ دَاريَْةْ كان لازْمِتُهْ إيه؟
بتشيلُوا الغُمَا من عَلَى عينِى وتْفكُّونىِ ليهْ؟
عَلَشانْ أرْتَاحْ؟..... هِيَّا دى راحَهْ إنى أشُوفْ ده؟
لو حتى لْبِسْت الغُمَى تانى مانَا برضه حاشُوفْ.
وساعتها يا ناس: مش حاقْدر ألفّ.
.... ما هو لازمِ الواحدْ ما يشوفشِى، لو كانْ حايلِفْ.
(3)
الله يسامحكمْ، دلوقتى:
لا انا قادرهْْ ارتاحْ،
ولا قادره ألفْ.
لا الدِّمْعَهْ بْتِنْزلْ،
ولا راضيةْ تْجِفْ.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.