يمثل التعليم العالي قاطرة تقدم لا يمكن تحقيق نهضة وتنمية متواصلة ومتصاعدة وعادلة دون أن يكون له دور أساسي فيها. وقد قامت في مصر مؤخرا ثورتان ضد السياسات التي أدت إلى إفقار وتهميش شرائح واسعة من المجتمع إقتصاديا واجتماعيا وسياسيا مقترنة بتراجع التنمية وضعف التقدم في أغلب المجالات الحيوية ومنها التعليم. وقد كان للتعليم العالي نصيب وافر من الضعف والتراجع خلال العقود الثلاثة الأخيرة. فبعد أن كانت الجامعات المصرية تحظى بسمعة ومكانة متميزة خلال الخمسينيات والستينيات والسبعينيات من القرن الماضي على المستوى الدولي والإقليمي، فقد فقدت هذه السمعة والمكانة، بل وتقدمت عليها الكثير من الجامعات العربية التي كان للأساتذة المصريين الفضل في مرحلة تأسيسها ووضع برامجها والإسهام في تنميتها وتطويرها. وكان انهيار وتراجع مؤسسات التعليم العالي نتاجا لعدم إدراك النظام الذي حكم مصر عبر العقود الثلاثة الأخيرة، وربما سوء نيته، في عدم إيلاء الاهتمام والأولوية لبناء وتنمية البشر. مسار الانهيار وصل معدل الانهيار في التعليم العالي إلى ذروته خلال العقدين الأخيرين. ويتضح هذا من خلال التراجع في المؤشرات الدولية الخاصة بالتعليم العالي والتنمية البشرية عموما.وكان هذا بفعل استشراء الفساد وتغلغله في مؤسساته لغياب المساءلة عن الأداء والنتائج على كافة المستويات في مؤسسات هذا القطاع، وبفعل الضعف المتزايد لإرادة الإصلاح مع تزايد عجز موازنات الجامعات وفتح الباب دون رقابة للبرامج الخاصة المدرة للدخل لسد هذا العجز. بدأ الأمر ببرامج التعليم المفتوح ثم انتقل إلى برامج تقدم بلغات أجنبية في المرحلة الجامعية الأولى، ثم توسع إلى برامج الدراسات العليا للماجستير والدكتوراه. ونتيجة لعجز الدولة عن الوفاء بالطلب المتزايد على التعليم العالي فتح الباب على مصراعيه للقطاع الخاص لإنشاء جامعات ومعاهد عليا خاصة. وصارت الأخيرة في أغلبها مرتعا لممارسات تجارية فجة هدفها الأوحد هو تحقيق الربح. وقد أنفق ما يقارب مليارين من الجنيهات خلال السنوات العشر الأخيرة على مشروعات ومبادرات وصناديق تطوير التعليم العالي،ناهيك عن موازنات الجامعات الحكومية ذاتها،دون أن يتحقق على أرض الواقع نتائج أو آثار جوهرية ملموسة توازي هذه المبالغ الضخمة. بل على العكس، فقد تسارع الانهيار والتدهور في كل مخرجات التعليم العالي خلال تلك الفترة. غياب البوصلة وتزييف الإصلاح والتطوير أحد الأسباب الجوهرية التي تفسر هذه المفارقة، يتمثل في أن هذا الحراك لم ينبع من استراتيجية تنموية تضع التعليم العالي بكل مراحله ومجالاته ومخرجاته في الموقع والأولوية والتوجه الصحيح لخدمة أهداف تنموية لقطاعات مقصودة، بتخريج كوادر متخصصة في مجالات معينة بأعداد ومواصفات محددة تتطلبها تلك القطاعات، أو للتوافق مع الاتجاهات العالمية بشأن مضامين البرامج التعليمية، أو لإنتاج المعرفة والبحوث والتطويرات التكنولوجية اللازمة لتقدم ودعم قدرات وتنافسية قطاعات إنتاجية مختارة. وبعبارة أخرى لم تكن هناك بوصلة توجه الجهود والموارد التي خصصت للتطوير الذي لم يكن في حقيقته ومآله سوى تبديد وهدر منظم للموارد والفرص. وقد ساهم في بعض هذه المبادرات والمشروعات مؤسسات دولية مثل البنك الدولي ومنظمة التعاون الاقتصادي والتنميةOECD. وقد اطلعت عن كثب على المشروعات والتقارير الصادرة بشأن هذه المبادرات والمشروعات، فوجدتها مليئة بالإحصاءات والتحليلات والنماذج، التي تمثل صورة شبه مكررة مما يقدم عادة للدول النامية التي تلجأ لطلب المساعدة من هذه المنظمات، لكنها لا تشخص ولا تنفذ إلى الأسباب الحقيقية للمشكلات العميقة التي تعاني منها قطاعات التعليم العالي ومؤسساته. بالتالي لا تقدم الحلول والعلاجات المناسبة للحالة المصرية، ولا تربط بوصلة التعليم العالي بالتنمية. اضطراب الفترة الانتقالية بعد الثورتين وقد كانت الفترة الانتقالية بعد ثورة 25 يناير وكذلك ثورة 30 يونيو فترة مضطربة ومشحونة لكنها كاشفة للكثير من الفجوات والاختلالات التي أصابت منظومة التعليم العالي خلال العقود الثلاثة الأخيرة. وشكلت الزيادة التي حدثت خلالها في رخاوة الدولة والضعف الذي وصل مداه في منظومتها ومؤسساتها الرقابية بيئة مواتية لاستفحال وتبجح الفساد في مختلف مؤسسات التعليم العالي الحكومي والخاص على السواء. وشغلت مظاهرات الطلاب والحراك السياسي لهم داخل الجامعات الحكومية إهتمام الوزراء العديدين الذين تولوا حقيبة التعليم العالي وكذلك كبار المسئولين في هذا القطاع وصرفتهم عن إيلاء اهتمام لاتخاذ مبادرات إصلاح حقيقية. وبذلك ترك الفساد ينمو ويرتع ويتوسع ويتحدى متبجحا أية سلطة رقابية. وزاد الطين بلة إدخال نظام انتخاب القيادات الجامعية. فأصبح الفساد محتميا بأرضية من المشروعية القانونية والمؤسسية تحتوي علاقات تبادل منافع وعقد اجتماعي غير مكتوب بين قواعد ومجمعات الناخبين وبين القيادات المنتخبة حول دور هذه القيادات في تعظيم منافع قواعد الناخبين ومجمعاتهم، وتحتوي علي تفاهم ضمني بتقليص سلطات هذه القيادات تجاه أعضاء هيئة التدريس ومجمعاتهم الانتخابية. وخلال ذات الفترة المشبعة بالقلاقل والاضطراب في الجامعات الحكومية صدر حكم قضائي بإلغاء نظام الحرس الجامعي، وكان نظاما سيىء السمعة حيث كان يقوم بمهام أخرى استخباراتية وتدخل في الشأن الجامعي لخدمة النظام تحت ستاردوره الأصلي لحماية أمن الجامعات. صارت الجامعات بلا حماية أمنية خلال السنوات الأخيرة بعد صدور ذلك الحكم. ولم تكن الحكومات المتعاقبة ولا وزراء التعليم العالي العديدين الذين تولوا المسئولية خلال السنوات التالية لثورة 25 يناير ثم ثورة 30 يونيو قادرين على تبين الاختلالات والفجوات التي أصابت التعليم العالي والجامعات عبر عقود ولا البدء في خطوات إصلاح حقيقي في هذه المؤسسات ولا إدخال بديل متطور وفعال ومناسب لمرحلة ما بعد ثورتين للحفاظ على أمن الجامعات. الثورة التي طال انتظارها .. مقومات وعناصر الثورة المطلوبة في التعليم العالي لا تمثل ترفا فكريا أو طموحا غير واقعي، في المرحلة التي تمر بها مصر الآن. وفيما يلي الركائز والمحاور الأساسية للتغيير المطلوب إدخاله علي منظومة ومؤسسات التعليم العالي ليتوافق مع الثورتين اللتين قامتا في مصر. أولا: التحديد والتشخيص الصحيح للفجوات والمشكلات القائمة، حيث يتوقف عليه الفاعلية المرتقبة لخطط وسياسات الإصلاح. وهناك مشكلة عميقة حاليا هي مقاومة القيادات الحالية والسابقة للخروج بتحليل وتشخيص حقيقي لهذه الفجوات والمشكلات لأنه سيظهر تقصيرها وعدم فاعلية السياسات والمبادرات التي انتهجتها في الماضي خاصة خلال حكم الرئيس مبارك. لذلك هناك ضرورة أن يقوم بهذا العمل فريق متخصص مشهود له بالخبرة المتميزة والحيادية المهنية والنزاهة. ومن هذه الفجوات مثلا تقادم الهياكل التعليمية وعدم اتساق البرامج القائمة مع التطورات والاتجاهات العالمية المعاصرة ولا مع احتياجات قطاعات التنمية وسوق العمل سواء المحلي أو الإقليمي. ومنها أيضا فجوة الإتاحية لبرامج التعليم العالي للفئة العمرية (18-22) التي تزايدت خلال السنوات الأخيرة وبذلك زادت الفجوة بالمقارنة مع العالم ومع دول نظيرة، وكذلك فجوة العدالة في توزيع فرص التعليم العالي عبر محافظات مصر وبين ريفها وحضرها وكذلك بين الطبقات الاجتماعية الاقتصادية. وهناك أيضا الخلل الرهيب في موجهات عمل مؤسسات التعليم العالي نتاجا لعدم وجود أولويات وأهداف قومية في هذا المجال، والأكثر فداحة الغياب الكامل للمساءلة عن الأداء والنتائج وعن التطوير في كل المستويات بدءا من قيادة الوزارة إلى وظيفة عضو هيئة التدريس والمعيد. ومثال رابع يتمثل في تقادم وعدم مرونة الهياكل . ثانيا: تحديدوتنفيذ مخطط ومبادرات ومحاور الإصلاح الشامل والتحول المنظومي الذي يعالج الأسباب الحقيقية للفجوات والمشكلات التي تم تحديدها وتشخيصها. ومن المهم تحديد الأهداف والنتائج المنشودة واختيار المحاور والمراحل ومجالات التغيير التي يتم البدء بها والتي تحدث نقلة نوعية كبرىفي كل مرحلة بما يمثل تغييرا أساسيا في المنظومة في جوانبها التعليمية والبحثية والخدمات المجتمعية والمهنية، وينعكس بالضرورة على مخرجات ونواتج قطاعات مختارة من التعليم العالي تعطى أولوية في كل مرحلة من المراحل التي يتناولها المخطط. ويتحقق هذا إذا توافر أربعة عناصر: (1) توافر إرادة حقيقية لإصلاح وتطوير للتعليم العالي ودعم سياسي كامل له؛(3)منهجية علمية يحددها متخصصون مخلصون ويقوم بتنفيذها قيادات لمختلف مؤسسات ومستويات التعليم العالي تختار بعناية وتكون قيادات إصلاح وتطوير وتعطى صلاحيات لإضافة مبادرات إبداعية في مجالها؛ (3)أن يتابع ويقيم التنفيذ ونتائجه دوريا من قبل ليس فقط المستوى القيادي الأعلى في الوزارة وإنما من قبل الحكومة ككل ومن قبل الأطراف المجتمعية المعنية؛ (4)وجود جهة قومية عليا تمثل الأطراف المجتمعية المعنية والمستفيدة من إصلاح التعليم العالي تناقش مقترحات ومحاور ومضامين المخطط وتعتمده وتتابع تنفيذه. ويقترح في هذا الخصوص إنشاء مجلس قومي للتعليم العالي يمثل الأطراف والمصالح المجتمعية لضمان أن يمثل المخطط المصالح العليا للمجتمع وليس مصالح مؤسسات القطاع أو المجالس العليا الراهنة لأنها تتشكل من قيادات تنفيذية لا تمثل القطاعات التنموية أو المصالح القومية العليا. ويعمل المجلس القومي المقترح ويكون بمثابة مجلس أمناء قومي للتعليم العالي ككل. ويمثل العنصر الأخير ركيزة أساسية لجدية المخطط وضمانة لتوافقه مع متطلبات القطاعات التنموية. ثالثا: أهمية تحقيق تكامل التطوير والإصلاح واستهدافه تحقيق تغيير منظومي استراتيجي شامل.هناك حاجة لأن تستهدف التغييرات المطلوب إدخالها في التعليم العالي إحداث نقلة نوعية في منظومته وأن تنبثق من الأهداف الاستراتيجية المطلوب تحقيقها، وأن يتم التعامل مع هذه التغييرات على نحو يؤكد ويحقق تضافرها وتكاملها في تحقيق النتائج المنشودة، فهذا التكامل هو الضمان لتحقيق والتعجيل بالنتائج.ولم يشهد التعليم العالي نقلة منظومية كبرى خلال العقود الأخيرة لأن المبادرات والمشروعات التطويرية التي تم تبنيها لم تمثل تغييرات استراتيجية في المنظومة ككل، وكانت تمثل جزرا منعزلة تفتقر إلى التضافر والتكامل. لذلك لم يتحقق منها نتائج وآثار قابلة للإستمرار أو التوسع. ولا عجب في ذلك فلم تكن هناك خطة استراتيجية مدروسة لا على مستوى التعليم العالي ككل ولا على مستوى الجامعات والمؤسسات الأخرى التابعة للقطاع. رابعا: محاور استراتيجية مختارة لإحداث النقلة النوعية: تعتبر الحاجة ماسة الآن لتناول المحاور التي تمكن من تحقيق التغيير الشامل والنقلة النوعية المستهدفة. وفيما يلي مجموعة المحاور المقترحة لتحقيق التغيير المنظومي المنشود: (1) أن تصاغ منظومة جديدة للأهداف الاستراتيجية للتعليم العالي ومؤسساته يقابلها نظام لمؤشرات الأداء والنتائج والمساءلة علي كل المستويات، بحيث تلبي الأهداف إحتياجات تصحيح هياكل الإتاحية وزيادتها من خلال التوسع في إنشاء جامعات ومؤسسات تعليم عال جديدة، وتقسيم القائم منها للقضاء على تضخمها المفرط الذي يتنافي مع الجودة، وتحقيق العدالة في فرص التعليم والإتاحية لمختلف المناطق والطبقات، وبحيث تعطي قوة دفع لتطوير البرامج في قطاعات نوعية مختارة للتعليم العالي (وفق أولويات واحتياجات تنموية)، وكذلك برامج التعليم العالي الخاص (الذي غلبت علي الكثير من برامجه ومؤسساته في السنوات الأخيرة النزعة التجارية الصرفة)، وضبط ممارساتها وتحسين مخرجاتها، خاصة تلك التي غاب عنها التطوير والمساءلةلعقود مثل دراسات الأعمال Business والقانون والتربية، وكذلك وبصفة هامة قطاع التعليم الفني. (2) إعادة بناء شاملة لمنظومة الدراسات العليا (خاصة الماجستير والدكتوراه) والبحوث العلمية والتطبيقية والإطار المؤسسي الحاكم لها حيث أصابها تراجع شديد خلال العقود الأخيرة، فهذه المنظومة ينبغي أن تتصدر أولويات تطوير البرامج؛ وذلك بإنشاء جامعات للدراسات العليا والبحوث تقوم على نظم قريبة من النظم العالمية، وتستقطب كوادر أكاديمية متميزة من داخل مصر ومن خارجها وتعمل بنظام التعاقد وبهياكل تعويضات مناظرة للسائد عالميا، وتعمل بنظم البرامج والمشروعات البحثية، وتستقطب طلابها من داخل مصر ومن خارجها. (3) استعادة المصداقية وتقوية النزاهة في مؤسسات التعليم العالي والتصدي للفساد الذي استشرى فيها. (4) بناء إطار مؤسسي جديد ومعاصر بما في ذلك قانون جديد للتعليم العالي وإدخال آليات ديموقراطية في الهياكل الجامعية والمؤسسية وبما يعالج الاختلالات والفجوات القائمة في هذه الهياكل وعلى النحو الذي يوفر المرونة ويوازن بين الاستقلالية من ناحية وبين الربط مع الأهدافالتنموية القومية والمحلية وكذلك المساءلة عن النتائج من ناحية ثانية. (5)وضع نظام جديد للقيادات الجامعية (لاستجلاب قيادات جديدة تملك القدرة على إدارة سياسات الإصلاح وتتصف بالنزاهة الفائقة ويمكن أن تؤتمن على تولى مهام النهوض السريع بمؤسسات القطاع وبرامجه) ولوظائف أعضاء الهيئة الأكاديمية (شاملا نظام التوظف وتقييم الأداء والتنمية الوظيفية والترقيات وهيكلا جديدا للأجور) يأخذ بالاتجاهات المعاصرة في العالم ويكون محفزا على الإجادة والتميز ويتضمن آليات للمساءلة عن الأداء والنتائج في مختلف جوانب العمل الأكاديمي. (6) بناء نظام متطور ومعاصر لمصادر التمويل وكذلك نظام الموازنة بحيث يتم التحول إلى موازنة الأهداف والأداء والنتائج لمواكبة التحول إلى نظام الإدارة والرقابة بالنتائج، هذا مع فتح المجال للتوسع في نظام الوقف الذي يستخدم بتوسع في أغلب الجامعات العالمية المرموقة وفي مصادر التمويل الأخري غير التقليدية (مثل تأجير الأصول Leasing بدلا من شرائها، واستخدام نظام BOT الذى يقوم على المشاركة في الإنشاءات والتشغيل تمهيدا لانتقال الملكية للمؤسسة في النهاية، ومثل التوسع في الأنشطة المهنية المدرة للدخل، وتنمية الدخل من المرافق والتسهيلات المادية التي تملكها الجامعات وغير ذلك). (7) إدخال النظم الإلكترونية المعاصرة في العمل المؤسسي الأكاديمي والمالي والإداري، وعلى نحو ينعكس على سرعة وكفاءة وعدالة وشفافية الخدمات والمعاملات التي تقوم بها هذه المؤسسات. (8) تنمية وتشجيع البعد الدولي لمؤسسات التعليم العالي المصرية وذلك من خلال مضاعفة خطة البعثات للجامعات المصرية بشرط أن تكون لجامعات أجنبية متميزة . (9) أن تتحول مؤسسات التعليم العالي إلى منارة للتنوير والإبداع وتقوية قيم النزاهة والإتقان وغرس المنهج العلمي ليكون أسلوب حياة وممارسة الحوار والحرية الفكرية المسئولة والملتزمة باحترام الآخر بما في ذلك المشاركة والمواطنة المؤسسية؛ ولا يكون هذا ممكنا إلا إذا تغلغلت هذه الأهداف والقيمفي كل أنظمة وممارسات هذه المؤسسات وتحولت إلى ثقافة مؤسسية. (10) مأسسة عملية الإصلاح والتطوير وتوطينها داخل المؤسسات وبحيث تكون عملية مستمرة ولها آلياتها المؤسسية وبحيث لا ترتبط بشخص القيادة العليا في الوزارة وتغيرها. التعليم العالي وصناعة مستقبل مصر يمثل التعليم العالي أحدى الآليات الرئيسية لصناعة مستقبل الأمم. والثورة المطلوبة فيه في مصر لا تحتمل التأجيل أو التراخي، حيث يمثل تأجيلها أو التراخي في إصلاحها تعطيلا لمسيرة التقدم والتنمية والعدالة التي كافح المصريون وقاموا بثورتين من أجل تحقيقها، فضلا عن كون الشباب الذين تضمهم مؤسسات التعليم العالي هم من كانوا في طليعة الثورتين. ويمكن لمصر أن تسترشد بخبرات دول مثل سنغافورة وكوريا وماليزيا وبولندا في كيفية إدخال تحولات شاملة وكبرى في التعليم العالي، وكيفية ربطها بالمخطط القومي للنهضة والتنمية. لكن يبقي مطلوبا للتعجيل بالبدء في الإصلاح الشامل المطلوب وإعطائه قوة الدفع اللازمة، دعم القيادة السياسية العليا. وتعتبر الإرادة السياسية العليا الركيزة الأهم للبدء في الثورة المطلوبة في التعليم العالي وفي بلورة الرؤية والاستراتجية القومية للنهوض بالتعليم ككل. ويعتبر خطاب الرئيس السيسي الأخير في جامعة القاهرة لتكريم الطلاب المتميزين بما احتواه من إشارات بادرة اهتمام مبشرة بالإصلاح والثورة المطلوب تحقيقها في منظومة التعليم العالي. لمزيد من مقالات د.أحمد صقر عاشور