الدكتور سمير غطاس الخبير فى شئون الأمن القومي، قضى أكثر من 25 عاماً من عمره، فى خدمة القضية الفلسطينية، وعاش طوال هذه السنوات، باسم حركى يدعى محمد حمزه لسنوات طويلة، وتولى رئاسة مكتب حركات التحرر فى بيروت، وتولى مهمة تدريب معظم أفراد الحركات الثورية فى مختلف دول العالم.. كما تولى ملف تدريب الفدائيين الفلسطينيين. وأصبح غطاس بحكم تراكم خبراته العملية، ودراسته العلمية- كنزا للمعلومات والأسرار!.. من هنا حاورناه، وفتحنا معه ملف الإرهاب.. سألناه فى العملية الإرهابية الأخيرة التى وقعت على أرض سيناء.. اقتحمنا معه ملف الأنفاق على الحدود بين مصر وغزة .. سألناه عن أعوان حماس من الإرهابيين والتكفيريين فى سيناء.. ووقفنا معه على التحديات التى تواجه الأمن القومى المصري، وسبل تأمين الحدود، وآليات مكافحة الإرهاب فى سيناء.. فإلى الحوار: تناول العديد من الخبراء والمحللين الحادث الإرهابى الأخير فى سيناء من زوايا مختلفة.. فكيف تراه أنت كخبير فى الأمن القومي؟ العملية الإرهابية الأخيرة نوعية.. ليس فقط من حيث الخسائر التى وقعت فى أرواح جنودنا الأبرار، ولكن أيضاً فى تكتيك تنفيذها، وهو فى تقديرى تكتيك مركب لم يسبق أن قامت به هذه الجماعات الإرهابية منذ عام 2011 على الأقل، حيث تم خلالها إطلاق قذيفة هاون فى بداية الهجوم على موقع فى منطقة كرم القواديس وهى منطقة مفترق طرق،، وفيها 3 كمائن قريبة من بعضها، مما يشير إلى أن منفذى العملية أكثر احترافيه، وأعلى تدريباً، وربما جاءوا من غزة، أو تسللوا عبر الحدود مع ليبيا، وهو نفس التكتيك الذى اتبعه الإرهابيون فى العملية التى نفذوها فى رفح فى 5 أغسطس 2012، وأطلق عليها مذبحة رفح الأولي.
والحديث لايزال متواصلا عن العملية الإرهابية الأخيرة، فقد أطلقت قذيفة هاون كما ذكرت، تبعها اقتحام سيارة نصف نقل محملة بما لا يقل عن 100 كيلو من المواد المتفجرة مثل ال c4، و مادة الإنفو شديدة الانفجار، للكمين، وسط مدرعتين، مما أحدث خسائر مضاعفة فى الكمين، وهربت المجموعة المنفذة عبر أشجار الزيتون المنتشرة على جانبى الطريق، ولاذوا بالفرار إلى غزه على الأرجح، ومن ثم، فالعملية مركبة كما ذكرت واستغرق التخطيط والتدريب على تنفيذها وقتا طويلا، واستخدمت فيها أسلحة متطورة.
هل تعتقد أن يكون تنظيم «داعش» وراء تنفيذ العملية؟
لا .. فأنا لا أرى أى بصمات لتنظيم داعش الإرهابى فى الحادث، وإنما هناك بصمات تشير إلى أن منفذيها إما ينتمون لجماعات فلسطينية مسلحة فى غزة، أو مجموعات إرهابية تسللت عبر الحدود مع ليبيا، خاصة جماعة أنصار الشريعة.
هل تتوقع عملية إرهابية جديدة فى سيناء.. وكيف يمكن تجنب وقوع حوادث إرهابية أخري؟
الموجة الإرهابية الحالية، تختلف كثيرا عن تلك الموجة التى تشهدها مصر بين الحين والآخر، فى السابق، كانت الجماعات الإرهابية ذات تسليح محدود، ولم يكن لهذه الجماعات امتدادات إقليمية ولا دولية، كما شأنها لم تكن محترفة، ولا مدربة على تنفيذ العمليات النوعية التى تحدث فى الوقت الحالي، بينما تمتلك تلك الجماعات أسلحة متطورة، ودعما ماليا غير محدود، ودعما إقليميا من تركيا وقطر، وبالتعاون مع أجهزة مخابرات دولية، وتضم بين صفوفها مقاتلين مدربين، وإرهابيين محترفين عادوا من أفغانستان، وألبانيا، ومن داخل غزة، وليبيا.. ومن ثم يجب الاستعداد لمواجهات ربما تكون أكثر دموية، ولا نستثنى من ذلك السيناريو الأسوأ من أن تقع عمليات ربما فى أماكن أخري، ولذلك لابد من رفع درجة الاستعداد لمخاطر محتملة، ويجب ألا نرفع سقف التوقعات بإمكانية القضاء على الإرهابيين فى وقت قصير، كما يجب مصارحة الشعب بحقيقة المواجهة، وطبيعتها، فكثير من دول العالم عانت ومازالت تعانى الإرهاب.
ولا يستطيع أحد أن يجزم بأن إقامة منطقة عازلة على الحدود المشتركة بين مصر وغزة، يمكن أن تقضى نهائيا على الإرهاب، ولا بد أن يتبع هذه الخطوة، خطوات أخري، تتمثل فى ضرورة إغلاق الأنفاق بين مصر وغزه، لمنع تهريب الإرهابيين والأسلحة، ويمكن أن يتم ذلك من خلال تشكيل قوات صديقة من السلطة الفلسطينية قوامها 3 آلاف ضابط وجندي، لإحكام سيطرتها على الشريط الحدودى من الجانب الفلسطينى مع مصر، فضلا عن إقامة منطقة عازلة أمنيا فى الجانب الفلسطيني، وتجهيز المناطق المتاخمة للشريط الحدودى مع غزة بوسائل استطلاع حديثة، وطائرات بدون طيار، ولا مانع من حفر مانع مائى إذا اضطرت مصر- يمتد من البحر الأبيض المتوسط وحتى معبر رفح أو صلاح الدين بطول 14 كيلو متر، لمنع حفر الأنفاق، التى أصبحت ذات أذرع فى الجانب المصري، حيث يحتوى النفق الواحد على فتحة واحدة فى الجانب الفلسطيني، وعدة فتحات مقابلة فى الجانب المصري، وهنا يمكن التصدى لمشكلة الأنفاق، التى يتجاوز عددها 1600 نفق، تدر ربحا على حركة حماس يقدر بنحو 400 مليون دولار، تجنيها حركة حماس فى غزه، كضرائب عن الانفاق، إضافة إلى ما تجنيه من السلع المهربة من مصر، واستخدامها للأنفاق فى تهريب الأسلحة والإرهابيين، لتنفيذ عملياتهم الإرهابية فى سيناء.
هل تنجح المنطقة العازلة المقرر إقامتها فى سيناء، فى القضاء على الإرهابيين؟
الهدف الأساسى من إقامة منطقة عازلة فى سيناء، هو فصل السكان والمدنيين عن الإرهاب، هذا هو حجر الزاوية فى كل استراتيجية لمواجهة الإرهاب، ولاشك أن وجود الجماعات الإرهابية وسط المدنيين، يشل يد الجيش عن المواجهة حرصا على حياة السكان، وعن مواجهتهم فى وجود السكان، قد تحدث خسائر بشرية، ويروح ضحية المواجهات أعداد من المدنيين، مما يغذى الدعايات المسمومة التى يطلقها هؤلاء الإرهابيون من أن الجيش والأمن يستهدفان المدنيين.
ولأنه من الصعب التمييز بين المواطنين والإرهابيين فى هذه المنطقة بسبب تركيبتها السكانية، فكان من الضرورى التفكير فى إقامة منطقة عازلة، لفصل السكان عن الجماعات الإرهابية المسلحة، وفى تقديري، فإن عملية الفصل هذه تأخرت كثيرا، فالمنازل فى تلك المنطقة قريبة من الحدود المشتركة بين مصر وغزه، مما سمح بحفر الأنفاق بين غزة ومصر، ومما ساعد أيضا فى تهريب الأسلحة، والإرهابيين عبر الحدود.
أما المواجهة مع الجماعات الإرهابية فيجب أن تقوم على استراتيجية تتضمن 3 مراحل، إقامة منطقة عازلة على الحدود بين مصر وغزه، ونقل السكان المدنيين لمساكن بديلة، حفاظا على الأمن القومى المصري، ولا يمكن لأحد أن يطلق على عملية نقل السكان، وعددهم لا يزيد على 20 ألف نسمه، من المناطق المتآخمة إجلاء قسريا، لأن عملية النقل ترتبط بدواعى الأمن القومي، كما حدث خلال حرب 1967، عندما تم إجلاء نحو مليون ونصف المليون مواطن من محافظات القناه ( السويس، والاسماعيلية، وبورسعيد) دون أن يتم تدبير مساكن بديلة لهم، بعكس ما تخطط له الدولة حاليا، حيث سيتم نقل السكان من مساكنهم المتاخمة للحدود مع غزة إلى مساكن أخرى فى مناطق أخرى بعيدة عن الحدود، وقد فعلت ذلك دول كثيرة كان لها حدود ملتهبة مع دول أخري، كالعراق وإيران، والمكسيك والولايات المتحدةالأمريكية، ومن ثم فإن الهدف من إجلاء السكان من المناطق المتاخمة للحدود مع غزه، هو الحفاظ على أرواحهم، ولعلنا تنذكر زعيم قبيلة السواركة فى سيناء، والذى صرح الشهر الماضى بأن الجماعات الإرهابية قتلت 35 شخصا من افراد عائلته، بزعم تعاونهم مع قوات الجيش والشرطة، للإبلاغ عن الإرهابيين، كما قطع الإرهابيين رءوس 11 شخصا لنفس السبب، وبالتالى لابد أن يتفهم أهالى سيناء الهدف من إقامة منطقة عازلة على الحدود المشتركة بين مصر وغزه.