يستمد الإنسان كرامته من تكريم الله تعالى له، بخلقه، وتعهده بما يُصلح دنياه وأُخراه، قال سبحانه: "ولقد كرّمنا بني آدم".(الإسراء). وكرامة الوطن من كرامة المواطن، وقد صان الإسلام الحياة البشرية، وشدد على حُرمة النفس الإنسانية، وجعل الاعتداء عليها أكبر الجرائم عند الله، بعد الكفر به تعالى، وقرر القرآن أنه: "من قتل نفسًا بغير نفس أو فساد في الأرض فكأنما قتل الناس جميعًا".( المائدة: 32)، انبثاقًا من أن النوع الإنساني- كله- أسرة واحدة، وأن العدوان على نفس واحدة هو -في الحقيقة- عدوان على النوع كله، وتجرؤ عليه. كما أرسى الرسول -صلى الله عليه وسلم- منهجًا عمليًا في تكريم النفس البشرية، وصيانتها من أي أذى أو تلف، فقال - صلى الله عليه وسلم- :" لزوال الدنيا أهون على الله من قتل رجل مسلم".(رواه مسلم والنسائي والترمذي). بل نهى الرسول -صلى الله عليه وسلم- عن ترويع الأخ لأخيه، ولو على سبيل المزاح، فقد روى أبو داود عن عبد الرحمن بن أبي ليلى، قال: "حدثنا أصحاب الرسول -صلى الله عليه وسلم- أنهم كانوا يسيرون مع النبي صلى الله عليه وسلم، فنام رجل منهم، فقام بعضهم إلى حبل معه فأخذه، ففزع، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إنه لا يحل لمسلم أن يروع أخاه". ونظر عبد الله بن عمر -رضي الله عنه- إلى الكعبة -ذات يوم- فقال: "ما أعظمك، وما أعظم حرمتك.. والمؤمن أعظم حُرمة منك".( أخرجه الترمذي). ونص فقهاء الشريعة على أن تأديب المحبوس مشروع من أجل التقويم والإصلاح، لا الإهانة والائتلاف، أو احتقار معاني الآدمية، فذلك كله منهي عنه. وشدد الفقهاء على حُرمة المعاقبة، بأمور عدة منها: التمثيل بالجسم، أو ضرب الوجه ونحوه، أو التعذيب بالنار ونحوها، أو التجويع والتعرض للبرد ونحوه، أو التجريد من الملابس، أو المنع من الوضوء والصلاة ونحوها، إضافة إلى السب والشتم، فذلك كله حرام، بل تحرم المعاقبة بالإقامة في الشمس، أو إغراء الحيوان ليؤذيه، انطلاقًا من أن التأديب لا يكون بذلك أبدًا. فهل يعلم من يستخِفّون بحقوق المواطن، أو يتسببون في إيذائه أو تلف نفسه أو ماله، ما أعدّه الله تعالى لهم من سوء الخاتمة والمصير، فيمتنعون عما يقترفون؟ وهل ينظر المُشرِع بعين الرعاية لتشديد العقوبات بحق كل من يهين كرامة المواطن، مهما علا شأنه؟ [email protected] لمزيد من مقالات عبدالرحمن سعد