قرأت خبرا في أحد مجلدات المسرح المصري الذي كان يصدرها المركز القومي للمسرح والموسيقي والفنون الشعبية قبل سنوات في اطار توثيق التراث المسرحي. يقول الخبر إن مدرسة خاصة للغات أوفدت مدرسا بها الي فرنسا بغرض مشاهدة العروض المسرحية والتعرف علي الجديد في الأفكار والتقنيات المسرحية بهدف الاستفادة والتعلم ونقل الصالح منها الي نشاط فرقة المسرح المدرسي!! كان هذا الخبر في عام1923.. وفي العام التالي1924 عرضت مجلة فتاة الشرق في عدد يناير تحقيقا مطولا عن نشاط المسرح المدرسي بعنوان التمثيل والموسيقي في المدارس المصرية. وفيه أن حضرة الكاتب الفاضل توفيق أفندي حبيب وضع كتابا في نهضة الفنون الجميلة بمصر وخصص فصلا كاملا عن الفنون بالمدارس ويؤرخ فيه لأول مسرحية قدمها الطلبة وهي رواية العاصفة لشكسبير قدمتها المدرسة التوفيقية عام1910 ثم قدم طلبة المعلمين رواية كما تشتهي لشكسبير أيضا في أنفي تياتر بوزارة المعارف بدرب الجماميز.. ويتطرق التحقيق الي تفاصيل نشاط فرقة المدرسة الخديوية والمدرسة السعيدية ومدرسة طنطا الثانوية.. وربما لهذا السبب قامت في العشرينات من القرن الماضي نهضة مسرحية حقيقية.. وازدحمت دور العرض المسرحي بنجوم في مجالات التمثيل والتأليف والإخراج في قيمة وأهمية جورج أبيض ويوسف وهبي وعزيز عيد وزكي طليمات وفاطمة رشدي وروزاليوسف وأمينة رزق وعلي الكسار ونجيب الريحاني وبديع خيري وبيرم التونسي وسيد درويش وشباب صاعد واعد في حجم وأهمية توفيق الحكيم وعلي أحمد باكثير.. النهضة تبدأ دائما من تنمية الذوق وغرس القيم الجمالية والاخلاقية في أولادنا وبناتنا بالمدارس.. ومن هؤلاء سينشأ جيل يحسن التذوق ويعرف آداب الحوار ويحترم الاختلاف في الرأي ويلفظ الرديء ويقر الجيد ويعبر مانحن فيه من مشاكل وأزمات سياسية.. قدم المسرح المدرسي قبل أيام عرض ومضات محمدية بمشاركة تلاميذ من مختلف مراحل التعليم مع أساتذة لهم بطولة.. الفنان الموهوب الخلوق وجدي العربي الذي تطوع بالمشاركة إيمانا منه بدور ورسالة المسرح المدرسي.. كما شاركه البطولة ابتسام عبدالرحمن وكيل مدرسة قومية منشية بكري والفنان هاني كمال صاحب فكرة ومخرج العرض.. وقام بالتأليف الشاعر سراج الدين عبد القادر الذي يعمل أيضا مدرسا بوزارة التربية والتعليم.. وتميز في الآداء دعاء ابراهيم في دور اسماء بنت ابي بكر ومحمود فراج في دور النجاشي وظهرت مواهب مختلفة للطلبة زياد هاني وكريم حمدي وآسر محمد وأحمد حمدي ومحمود رضا وطه محمد وأحمد اسامة وجومانة وحيد ومدثر ابراهيم وآية العربي. كما ظهرت مجموعة أصوات معبرة ومبشرة لعل أهمها حنان عصام التي تحتاج بكل تأكيد الي سعي الاذاعة المصرية لإختبار صوتها وتوجيهها الي التدريب والتثقيف الموسيقي ورعايتها إن كانت جديرة بذلك وأصوات أخري جيدة لأحمد الزملي ويسرا عادل وخالد عبدالحافظ ونادين العمروسي وأحمد هشام.. والعرض في مجمله جيد جدا ويستحق ان يمنح فرصة بالامتداد والاستمرار واستطاع هاني كمال أن يوظف جموع الممثلين في تشكيلات حركية تمنح الحيوية وتحافظ علي الايقاع السريع رغم مناطق السرد التي كانت من الممكن اختصارها واستفاد هاني كمال من اشراف الفنان الكبير مجدي مجاهد الذي أسعدتنا عودته الي خشبة المسرح وهو بالتأكيد قيمة مضافة لعرض ومضات محمدية, بقيت نقطة شديدة الأهمية وعظيمة الدلالة وهي صعود وزير التربية والتعليم الاستاذ جمال العربي الي خشبة المسرح والقاء بعض أشعاره في مدح المصطفي عليه الصلاة والسلام ثم القاء كلمة تصحيح لبعض الأخطاء الشائعة في تاريخ السيرة المشرفة.. ودلالة صعود وزير التعليم الي خشبة المسرح في تصورنا هي قناعته بأهمية هذا النشاط الحيوي في التربية وأيضا في التعليم.. وتقديرا منه لمجهود العاملين بداية من الاستاذ سعيد محمد عمارة مدير المديرية والراعي لنشاط المسرح فيها وإنتهاء بأصغر عامل بسيط يؤدي دوره وهو مايشجعنا أن ندعو الوزير الشاعر بإعادة دوري المدارس في مختلف الأنشطة الفنية والرياضية وأن يعطي أولوية خاصة للمسرح لأنه أبو الفنون والقادر علي احتواء معظم الأنشطة في منظومة واحدة. فالديكور والدعاية والملصقات ممكن ان تكون مجال تنافس للموهوبين في فن الرسم,والموسيقي,والغناء جزء أصيل من عناصر المسرح بالاضافة الي التمثيل والتأليف وربما نجد في المستقبل عروضا يؤلفها طلاب ويخرجها طلاب وتطرح فكرا شبابيا جديدا يؤدي الي مايستحقه هذا الجيل من ثورة فنية توازي ثورته السياسية علي الظلم والفساد. [email protected]