لقد وفق الله سبحانه وتعالى سيدنا عمر بن الخطاب رضى الله عنه والصحابة إلى التأريخ بالهجرة، لتظل دروسها وعبرها وعطاؤها دائما فى كل يوم، يكتب المدرس التاريخ على السبورة، ويكتبه التلاميذ فى كراريسهم ويظل الجميع متذكرا الهجرة فى كل يوم وليس فى كل عام، كلما أشرق علينا هلال المحرم. ومن المعجزات فى طريق الهجرة أربع معجزات تستحق الوقوف عندها، وتدبر ما فيها من حكم وأسرار: } ومن هذه المعجزات: نجاة الرسول صلى الله عليه وسلم من مؤامرة المشركين عندما اتفقوا على أن يأخذوا من كل قبيلة من قريش شابا، ويعطوا كل واحد سيفا فيضربونه ضربة رجل واحد فيتفرق دمه فى القبائل. ولكن هذا المكر وتلك المؤامرة ما كانت لتخفى على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقد أوحى الله إليه بما دبروه وأمره بالهجرة، قال تعالي: «وإذ يمكر بك الذين كفروا ليثبتوك أو يقتلوك أو يخرجوك ويمكرون ويمكر الله، والله خير الماكرين»، سورة الانفال (30). من غدر ومكيدة، وأعلمه بكل ما يسرون وما يعلنون، »فلا يحزنك قولهم إنا نعلم ما يسرون وما يعلنون« سورة يس (76). ونام على رضى الله عنه مكان رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال له النبى صلى الله عليه وسلم: »لن يخلص إليك شيء تكرهه« وتسجى على ببردة رسول الله صلى الله عليه وسلم. فكان الأعداء إذا نظروا، اعتقدوا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يزل نائما، حتى خرج من بينهم دون أن يشعروا به، فقد أغشاهم الله، مع أنهم كانوا واقفين وكانوا أيقاظا يُشهرون سيوفهم وعيونهم مفتوحة ولكن سلب الله منها الإبصار وأغشاهم »وجعلنا من بين أيديهم سدا ومن خلفهم سدا فأغشيناهم فهم لا يبصرون« سورة يس (9). وهكذا أنجى الله تعالى رسوله صلى الله عليه وسلم من كيد الكائدين »ومكروا ومكر الله والله خير الماكرين« سورة آل عمران آية (54). وفى هذه المعجزة دلالة على قدرة الخالق، ودلالة على حفظ الله لرسوله صلى الله عليه وسلم، وحكمة عليا، تظل ماثلة أمام العالم عبر عصوره أن القدرة الإلهية حامية لرسول الله ولدين الله وللإسلام مهما يمكر الماكرون. وأما المعجزة الثانية: فهى فى غار ثور، حيث استودعت العناية الإلهية، مصير الرسالة العالمية، هذا الغار الذى تجمع حوله الكفار، وساروا فوقه ومن حوله، حتى إن أبا بكر الصديق رضى الله عنه قال للرسول صلى الله عليه وسلم: «لو نظر أحدهم تحت قدمية لرآنا» فقال الرسول صلى الله عليه وسلم «يا أبا بكر ما ظنك باثنين الله ثالثهما» رواه البخارى ومسلم. ومع أن المشركين قد اقتفوا الآثار ورأروا أنها قد توقفت عند الغار، إلا أن قدرة الله القهار صرفتهم وردتهم، لتنتصر الدعوة الإسلامية وصاحبها، وقد عبر القرآن فى هذا الموقف على أنه نصر من الله تعالى لحبيبه ومصطفاه حيث قال: »إلا تنصروه فقد نصره الله إذ أخرجه الذين كفروا ثانى اثنين إذ هما فى الغار إذ يقول لصاحبه لا تحزن إن الله معنا، فأنزل الله سكينته عليه وأيده بجنود لم تروها وجعل كلمة الذين كفروا السفلى وكلمة الله هى العليا والله عزيز حكيم« سورة التوبة آية (40). وأما المعجزة الثالثة: فهى شاة أم معبد وذلك أن الرسول صلى الله عليه وسلم وأبا بكر ومعهما عامر بن فهيرة والدليل معهم وهو عبيد الله بن أريقط ورغم أنه كان على دين الكفر إلا أنهما أمناه، وفى طريقهم مروا بخيمتى أم معبد الخزاعية، وكانت تقعد بفناء الخيمة تسقى الناس وتطعمهم، فسألوا ليشتروا منها تمرا أو لحما فلم يجدوا عندها شيئا وقالت لهم: والله لو كان عندنا شيء ما أعوزكما القري، فنظر رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى شاة فى كسر الخيمة، فقال: ما هذه يا أم معبد؟ قالت هذه شاة خلفها الجهد من القم، فقال:هل بها من لبن؟ قالت هى أجهد من ذلك، قال: أتأذنين لى أن أحلبها؟ قالت نعم بأبى أنت وأمى إن رأيت بها حلبا، فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم بالشاة، فمسح ضرعها، وذكر اسم الله وقال: «اللهم بارك لها فى شاتها» وهكذا ظهرت معجزته صلى الله عليه وسلم فإذا بالضرع يمتلئ لبنا ويدر الكثير فدعا بإناء لها يكفى الرهوط فحلب فيه فسقاها فشربت حتى رويت وسقى أصحابه حتى رووا وشرب صلى الله عليه وسلم آخرهم ثم حلب فيه ثانيا وغادره عندها. وهذا الموقف يعطينا صورة واضحة الملامح، لما كانت عليه هذه الرحلة من عناية وتوفيق، كما يوضح أن الرعاية الإلهية قد حرست خطى الرسول صلى الله عليه وسلم فى حله وترحاله. وأما المعجزة الرابعة: فهى مع سراقة بن مالك بن جعشم الذى ساخت يدا فرسه فى الأرض عندما أراد أن ينال من رسول الله صلى الله عليه وسلم ليحظى بالمكافأة التى أعدها المشركون لمن يأتى بالنبى صلى الله عليه وسلم، لقد بلغت يدا فرسه إلى الركبتين، فخّر عنها ثم زجرها فلما استوت قائمة إذا لأثر يديها دخان ساطع فى السماء، فنادى سراقة بالأمان، يقول سراقة: «ووقع فى نفسى حين لقيت ما لقيت من الحبس عنهم أن سيظهر أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم». وعاد سراقة إلى قومه بوجه غير الوجه الذى ذهب به عاد وقد عرف مكانة رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنه على حق وأن الله حافظه وناصره. وهناك من الحكم والأسرار ما يتعلق برسول الله صلى الله عليه وسلم، ويتجلى هذا فى تأييده وانتصاره على أعدائه، ونجاته من مكرهم، ومن ملاحقاتهم. ومنها ما يتعلق باتباعه، حيث رأوا هذه المعجزات وعاينوا خوارق العادات فزادتهم إيمانا على إيمانهم وثباتا على ثباتهم، وقوة على قوتهم وتأكيدا فى اتباع الرسول صلى الله عليه وسلم. ومنها ما يتعلق بالمشركين، حيث عاينوا المعجزات، فكانت سببا فى إيمانهم وهدايتهم، وتحولهم من أعداء إلى مؤمنين. لمزيد من مقالات د.احمد عمر هاشم