بعد أن قدم الرئيس الفلسطينى محمود عباس إلى أعضاء مجلس الأمن صيغة قرار طالب فيه المجلس الإعلان عن شهر نوفمبر 2016، موعدا أخيرا لانسحاب إسرائيل حتى خطوط عام 1967، والإعلان عن القدس عاصمة لدولتين «فلسطين وإسرائيل»، وإلى حل قضية اللاجئين، بادرت الولاياتالمتحدة بالإعلان عن عزمها استخدام فيتو لمواجهة القرار، الذى وصفته المتحدثة فى البيت الأبيض، بأنه يضر بمصلحة السلام ويعيق التوصل لحل الدولتين، باعتباره عملا أحاديا له تأثير مباشر على المسار التفاوضى والعملية السلمية. وجاء القرار الفلسطينى بعد حالة اليأس والإحباط فى أرجاء الضفة وغزه من إمكانية التوصل إلى حل تفاوضى يصل بهم إلى دولتهم المرتقبة، وينهى الاحتلال الإسرائيلى، كما أن فقدان خيار التفاوض وفقدان خيار المقاومة يجعل التوجه العربى إلى الخيار الدولى بالذهاب لمجلس الأمن خيارا أخيرا لتحميل الأممالمتحدة ودولها مسئولياتهم فى استمرار القضية الفلسطينية . ويمثل تسجيلا لمواقف سياسية، وتحميل الولاياتالمتحدةالأمريكية مسئوليتها الخاصة بفشل مسار السلام، وهو ما قد يشكل ورقة ضغط عليها، وبالذات فى زمن التحولات العربية، وتشكيل تحالفا دوليا لمحاربة داعش. رد مستنكر جاء الرد الإسرائيلى على القرار الفلسطينى يحمل الغرور والتحدى لكل القوانين والمواثيق الدولية، فقد صادقت بلدية الاحتلال فى القدس أخيرا على إنشاء 2600 وحدة استيطانية على أراضى بيت صفافا الملاصقة لمدينة القدس، والتى أطلق عليها اسم "جفعات همتوس"، وأنها ستبدأ قريبا مرحلة نيل الموافقات والتراخيص، ومن ثم أعمال البناء، علما بأن هذه الخطة من أخطر خطط الاستيطان، و وذلك لأنها تقع فى شرقى القدس وتحديدًا فى المنطقة المعرفة على أنها الجزء الفلسطينى من الأراضى المحتلة عام 1967، والتى من المفترض أنها ستكون جزءًا من الدولة الفلسطينية. فيتو أمريكى ورغم أن كل قرارات مجلس الأمن بخصوص الصراع العربى الإسرائيلى، لم تنتقد إسرائيل ولم تتبن أى قرار ملزم لدولة الاحتلال، ولم يصدر أى مشروع قرار استنادا للفصل السابع الذى يتيح فرض عقوبات، ولكن مجمل قرارات مجلس الأمن اعتبرت الاحتلال الإسرائيلى للأراضى الفلسطينية غير شرعى، ودعت إلى حق الشعب الفلسطينى فى تقرير مصيره، ولكن فى صورة توصيات فقط، والسبب فى ذلك استخدام الولاياتالمتحدة حق الفيتو، الذى تجاوز أكثر من أربعين مرة حماية لإسرائيل، والحيلولة دون فرض عقوبات، لذلك بقى دور مجلس الأمن بعيدا عن دوره الحقيقى فى الحفاظ على السلام والأمن، خصوصا فيما يتعلق بالقضية الفلسطينية. والحصول على موافقة تسعة أصوات من خمسة عشر صوتا، ليس بالضرورة أن يكون من بينها كل أصوات الدول الدائمة، يسمح لمشروع القرار أن يعرض للمناقشة والتصويت، خصوصا أن تشكيلة جديدة ستطرح فى المجلس مع اليوم الأول من يناير 2015، وقد عبر مسئولون سياسيون إسرائيليون عن تخوفهم من أن تغيير تركيبة أعضاء مجلس الأمن الدولى من شأنه أن يقود المجلس إلى تبنى مشروع قرار الاعتراف بدولة فلسطين، فى مطلع العام المقبل، ووصفوا التغيرات فى تركيبة المجلس بأنها "عاصفة سياسية"، وقالت صحيفة "يديعوت أحرونوت"، إن سبب القلق الإسرائيلى نابع من خروج دول صديقة لإسرائيل من عضوية مجلس الأمن وانضمام دول معادية لها إلى المجلس، مثل ماليزيا، وفنزويلا، وقالت الصحيفة الإسرائيلية إن سبع دول يتوقع أن تؤيد مشروع قرار الاعتراف بدولة فلسطين، وهى: روسيا، والصين، وأنجولا، وماليزيا، والأردن، وتشاد، وفنزويلا. وهناك أربع دول لم تقرر موقفها بعد، وهى: تشيلى، ونيوزيلاند، ونيجيريا، وإسبانيا، وهناك أربع دول أخرى تعارض وهى الولاياتالمتحدة، وبريطانيا، وفرنسا، وليتوانيا، وتتحسب إسرائيل من أمرين، هما غياب أغلبية تعارض الاعتراف بفلسطين، والتخوف من عدم استخدام الولاياتالمتحدة حق النقض "الفيتو" لإحباط مشروع القرار، كما أن إسرائيل تتخوف من عدم ممارسة الولاياتالمتحدة ضغوطا على أعضاء فى المجلس من أجل ألا تصوت إلى جانب القرار. عاصفة مرتقبة وقد تصاعدت وتيرة الحملات المتبادلة بين مسئولين أمريكيين وإسرائيليين بشأن اتهامات وزير الاقتصاد نفتالى بينت لجون كيرى وزير الخارجية الأمريكى، بإطلاق تصريحات يدعم فيها الإرهاب، عندما ربط بين تنامى "داعش" وعدم حل الصراع العربى الإسرائيلي، ورد واشنطن على اتهامات بينت، بأنه بمثل هذا الربط بين "داعش" والصراع العربى الإسرائيلى إنما يشجع الإرهاب، معتبرا أن بينت لا يفهم ما يقرأ وجاء رده على أمر لم يقله كيرى رهو ما أكدته تصريحات المتحدثة باسم وزارة الخارجية الأمريكية جين ساكى، التى أشارت إلى إن الوزير الإسرائيلى "شوه" كلام كيرى الذى لم يربط مباشرة بين "داعش" والنزاع، وإنما أشار إلى ما يسمعه فى لقاءاته مع القادة الأوروبيين والعرب. كماأن الرد على كيرى جاء أيضا من وزير الاتصالات جلعاد أردان الذى حمل بشدة على كيرى، قائلا إنه فى كل مرة يحطم الأرقام القياسية فى قلة فهمه لمنطقتنا ولماهية الصراع فى الشرق الأوسط، وعلى إثر ذلك طار وزير الدفاع الإسرائيلى موشيه يعالون إلى الولاياتالمتحدة لتهدئة الأجواء، وحسب تحليلات سياسية سبقت زيارة يعالون فإن الأسباب المعلنة هى محاولة تحسين أداء منظومة القبة الحديدية إلى جانب تطوير منظومات دفاعية أخرى، ولكن الأسباب الخفية هى التباحث مع الجانب الأمريكى حول تداعيات التوجه العربى إلى مجلس الأمن والتدابير التى ستتخذها الولاياتالمتحدة لمجابهته، ومخاوف إسرائيلية من اتفاق يتشكل بين إيران والمجتمع الدولى، للاستفادة من قدرات طهران فى مواجهة داعش، مقابل غض الطرف عن المفاعل النووى فى المرحلة الحالية.