واشنطن مازالت تؤكد أن مواجهتها أو مواجهة التحالف الدولى ل"داعش" سوف تطول وتستمر لعدة سنوات. كما أن القيادات العسكرية الأمريكية تشدد من جديد على أن الضربات الجوية فقط لن تهزم "داعش"، وإن كانت فى الوقت نفسه تصر هذه القيادات على القول إنها لا تتوقع ولا ترى احتمال إرسال قوات برية أمريكية إلى العراق أو سوريا فى الوقت الراهن. وحرصت البنتاجون (وزارة الدفاع الأمريكية)، خلال الأيام القليلة الماضية، على تكرار القول إن عملية الضربات الجوية الموجهة لأهداف من "داعش" (أفرادا وعتادا) تعطى الأولوية للعراق وتهدف إلى العراق أولا، ولكن بالتأكيد لا تعنى العراق فقط، فالهدف فى نهاية المطاف هو إلحاق الأضرار بالوجود والتوسع الداعشى والعمل على تقويض تحركات "داعش" والقضاء على التنظيم الإرهابى. وكانت البنتاجون قد قررت الأسبوع الماضى تسمية مواجهتها ل"داعش" بعد نحو شهرين من بدئها ب"عملية العزم الصلب". وبالطبع تباينت الآراء واختلفت التفسيرات لهذه التسمية، وما قد ينتج عنها من تعليقات وتأويلات وتحليلات فى المنطقة حول معناها، نيات واشنطن وخططها المستقبلية الأمنية والدفاعية فى الشرق الأوسط. والمواجهة مع "داعش" كما تقول الخارجية الأمريكية (ومعها بالطبع البنتاجون) لها جبهات عديدة ولا تقتصر على العمل العسكرى، وعلى الدول المشاركة فى التحالف الدولى الجديد (نحو 60 دولة)، ولتلك الدول أن تحدد الجبهة التى تريد أن تنخرط فيها وأن تعلن عن حجم انخراطها أو أن تفضل عدم الإفصاح عن طبيعة المشاركة وحجمها. وقد انشغلت العاصمة الأمريكية على مدى الأسبوع الماضى بالضربات الجوية الأمريكية المستهدفة ل"داعش" حول مدينة "كوبانى" (عين العرب) السورية. وأيضا بردود الفعل التركية للفعل الأمريكى والكردى (والتعاون المعلوماتى بينهما) من أجل ضمان صمود هذه المدينة ( ذات الأغلبية الكردية) وعدم سقوطها أمام زحف وانتشار "داعش". أنقرة تلكأت ومازالت تتلكأ حول المشاركة فى التحالف الدولى. و قد انتقدت أوساط سياسية أمريكية عديدة هذا "التلكؤ" و"التردد" التركى، وأيضا استمرار أنقرة فى رفضها السماح باستخدام أمريكا وحلفائها للقواعد الجوية الأطلسية فى تركيا، وفى الوقت ذاته اعتراضها لإمداد أكراد سوريا بالسلاح الغربى. كما أن أنقرة تطالب (وتشترط) بإقامة منطقة عازلة فى الأراضى السورية القريبة من الحدود التركية. وهذا الشرط والإلحاح التركى بخصوص "منطقة عازلة" لا تقبله واشنطن حتى الآن. وخلال مؤتمر صحفى، عقد يوم الجمعة الماضى، قال الجنرال الأمريكى لويد أوستن قائد القيادة المركزية والمسئول الأول عن العملية العسكرية الموجهة ضد "داعش" إن المنطقة العازلة بين تركياوسوريا، والذى تطالب به أنقرة ليس بالأمر المطروح فى وقتنا هذا. وقال الجنرال أوستن، فى تصريحاته للصحفيين:" لم نصل بعد لهذه النقطة. وعلينا الآن بالفعل التركيز على المهمة الأولى. وهى أن نساعد العراقيين على استعادة الأمن والاستقرار داخل دولة العراق، وأن نستعيد حدودها ونقوم بتفعيل قواتها، وأن نساعدهم للقيام بذلك". وبما أن تعليقات كثيرة وانتقادات شديدة اللهجة وجهت لأنقرة فقد أشارت المتحدثة باسم الخارجية الأمريكية جين ساكى، فى معرض ردها على أسئلة الصحفيين، إلى أن التواصل ما بين واشنطنوأنقرة مستمر، كما أن التشاورات العسكرية التى حدثت أخيرا خلال زيارة لوفد عسكرى أمريكى أنقرة حاولت إيجاد سبل للتعاون بين البلدين وتمهيد المشاركة التركية فى التحالف الدولى الحالى. أما بالنسبة لمواجهة "داعش" فى العراق فإن واشنطن كما يبدو، خلال الأيام الماضية، تحاول الحد من انتشاره، وزيادة قدرات القوات العراقية على التصدى له ومواجهته. وأثناء حديثه عن العراق قال الجنرال أوستن فى المؤتمر الصحفى الأخير "إن بغداد العاصمة آمنة فى الوقت الحالى، وأن الحكومة العراقية تعطى الأولوية للدفاع عنها. كما أن العسكرية العراقية وضعت أفضل ما لديها من وحدات حول العاصمة". إلا أن الأمر بالنسبة للموصل ثانى أكبر مدينة فى العراق مختلف خاصة أنها الآن تحت سيطرة "داعش". وقد ذكر الجنرال أوستن أن الموصل فى "حاجة إلى جهد عسكرى أكبر" لاستعادتها. مضيفا "بالتاكيد ستكون معركة مهمة وستكون معركة صعبة". وواشنطن بلا شك تتابع بقلق واهتمام انتشار "داعش" فى الأراضى العراقية وسقوط مناطق ومدن عراقية تحت سيطرتها. وحسب أرقام البنتاجون فإن عدد الغارات الجوية الأمريكية على العراق منذ 8 أغسطس الماضى ( موعد بدء المواجهة العسكرية ل"داعش") إلى يوم 15 أكتوبر الحالى قد بلغ 294 غارة. وحسب ما تم الإعلان عنه من قبل فى العاصمة الأمريكية فإن نحو 1500 من القوات الأمريكية موجودون منذ فترة فى العراق كمستشارين ومساعدين للقوات العراقية فى تصديها ل"داعش". ومع مرور الأيام وتطور الأحداث تظل قضية التصدى لتدفق الأفراد والأموال إلى التنظيم الإرهابى قضية حيوية ومهمة ومصيرية فى المواجهة الحالية. وعلى الرغم من إعلان الدول المجاورة عن رغبتها واستعدادها لوقف مرور الأفراد عبر حدودها إلا أن وجود الجنسيات المختلفة عبر صفوف "داعش" وتزايد بسط نفوذها وانتشارها السريع عبر الأراضى العراقية والسورية على السواء أثار التساؤلات دائما حول عدد أفراد التنظيم وحجم عناصره المسلحة، وهل حركة الانضمام إليه تزداد مع مرور الأيام ؟ وعما إذا كان هذا التزايد يضم أيضا عناصر خارجية عابرة للحدود من أوروبا وأمريكا مثلما كان فى الماضى قبل بدء المواجهة الدولية لخطر "داعش"؟!. وكانت التقديرات الأولية قد أشارت من قبل إلى نحو 15 ألفا من الميليشيات المسلحة القادمة من الخارج من 80 دولة على الأقل دخلوا إلى سوريا من أجل المساعدة للتخلص من نظام الأسد. وبالطبع تدفقت إليهم أيضا الأموال والأسلحة..ومعها تنامت "الخلافة الإسلامية" أيديولوجيا وجهادا ونفوذا وتوسعا وانتشارا.. سواء فى سوريا أو العراق.