بعد عودة الحجيج من الأراضى المقدسة تعلو روحانياتهم وتجدهم فى الأيام الأولى بعد الحج وقد بدا عليهم أثر الطاعة والعبادة، وأداء السنن والنوافل، غير أن بعضا من هؤلاء سرعان ما تتبدل أحوالهم، وينفرط لديهم عقد الطاعة فيصيرون من الهمة والنشاط إلى الكسل والتراخي، ويعودون إلى سابق عهدهم من ذنوب ومعاص وغيبة ونميمة وقطيعة رحم ونحو ذلك. وحتى لا يقع العائد من الحج فى هذا الخطأ ويحدث له ما يشبه الانتكاسة، يجب عليه أن يراعى أمورا عدة، يسلط الضوء عليها الدكتور إمام رمضان إمام أستاذ العقيدة والفلسفة المساعد بجامعة الأزهر، وأول هذه الأمور: دوام الحمد والشكر لله عز وجل أن وفقه الله لأداء هذا الركن العظيم، فكم من أناس كثرت أموالهم وكبرت سنهم، ولم يوفقوا إلى ذلك وكم من أناس انتووا بالفعل أداء الفريضة وأخذوا بالأسباب، وحبسهم العذر، أو باغتهم الموت. ويجب على الحاج أن يحرص على المداومة على الطاعة والذكر واتباع السنن، وأن يعلم أن من علامات قبول العبادة الانتقال من طاعة إلى طاعة، فالحج ليس تصريحا بالتهاون بعده، فليس وعد الله عز وجل عباده الحجيج بمغفرة الذنوب والتطهر منها لما أخبر به النبى صلى الله عليه وسلم «من حج فلم يرفث ولم يفسق عاد من الحج كيوم ولدته أمه» فهذه البشرى لا تعنى التراخى والتكاسل عن مداومة العبادة. ويجب ألا أراهن خاصة إذا كنت موسرا على أنه بعد عام أو أعوام، سأذهب للحج مرة ثانية ويغفر الله لى ما طرأ على من ذنوب، فهذه أمور لا يعلمها إلا الله عز وجل ولا ندرى أيكتب الله لنا الحج مرة ثانية أم، وإن كتبه لا ندرى هل سنرزق الإخلاص ويقبل الله حجنا ويغفر ما اقترفنا من ذنوب أم لا..فهل يدرى أحد أيمهله القدر والأجل إلى كل ذلك؟! وأين نحن من قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: ..إذا أصبحت فلا تنتظر المساء وإذا أمسيت فلا تنتظر الصباح!. هذا بالإضافة إلى عدم التفريط فى صلاة الجماعة بغير عذر، والحرص على دروس العلم وقراءة القرآن والاستماع إليه، وملازمة رفقاء الطاعة، والصحبة الصالحة التى تذكر بالله عز وجل وتعين على التقرب إليه، واجتناب كل من يبعد عن الله أو يجرك إلى معصية، فالبيئة الصالحة لا شك تعين على الطاعة..بالإضافة إلى النظر دائما إلى من هو أفضل منك فى العبادة والطاعة واحرص أن تنافسه وتفوقه فى ذلك إن استطعت، وينبغى ألا أعفى نفسى من التقصير دائما، فكلنا مقصرون فى جنب الله عز وجل مهما عظمت طاعاتنا. ولا يفوتنا أيضا المراوحة بين العمرة والعمرة، كلما سمحت الظروف لذلك، فلا شك أن هذا مما يطهر القلوب ويرققها ويزكى النفوس ويطهرها، ويجعل القلب معلقا بالله غير عابئ بحطام الدنيا. الدكتور زكى محمد عثمان أستاذ الثقافة الإسلامية بجامعة الأزهر يلفت إلى ضرورة طى صفحات الماضى وما بها من ذنوب وتقصير وأن يعود الحاج بصفحة جديدة مع الله ومع الخلق، وأن يجعل مبتغاه من الدنيا هو طاعة الله ورضاه، فالحاج الذى كاد يودع الدنيا ويستقبل الآخرة (فمعظم الحجيج حول الستين من أعمارهم أو تجاوزوها) ماذا يريد سوى الخلاص من نكد الدنيا إلى سعادة الآخرة فى الجنة بإذن الله، ومن ثم فعليه أن يطلق المعاصى والذنوب إلى غير رجعة، ويجتهد فى الطاعات وكفى ما مضي. اتق الله فيما بقى من عمرك يغفر الله لك ما مضي. احرص على أن يجدك الله حيث أمرك ويفتقدك حيث نهاك..وليكن الحاج نموذجا مشرفا للعبد الطائع الخاشع المتضرع إلى الله. ولابد للحاج أيضا أن يرى الله أثر نعمته عليه فى الحج، من خلال علاقته بخلقه، دع كل الحسابات والاعتبارات إلا ما يرضى الله، اصفح لله، وحب الناس لله، وانصح لله، وصل أرحامك لله ، صل من قطعك واعف عمن ظلمك وأعط من حرمك، اسع إلى كل خير لله واحذر كل شر، وفى النهاية احرص على ألا تبيت وفى صدرك ضغينة لأحد فذلك ليس بالأمر الهين، بل هو من علامات أهل الجنة.