هناك صنفان من النشطاء، الأول يشكل برعونة وعشوائية تصرفاته وأفعاله عبئا ثقيلا على الوطن، الذى يتلقى الطعنة تلو الأخرى ويتجرع الألم كأسا وراء كأس، وتلك نوعية يلفظها الوطن ولا يقربها منه، ويسعى بكل طاقته للبعد عنها، لأنها مصدر شقاء وتعاسة له. اما الصنف الثانى، فإن الوطن يحتضنه ويقربه منه طوال الوقت ويحنو عليه، تقديرا لاخلاصه واجتهاده لاسعاده وليس تكديره واستنزافه وتهديد أمنه واستقراره. والنموذج المثالى للفئة الثانية يجسده الفائز بجائزة نوبل لعام 2014 الناشط الهندى «كيلاش ساتيارثى» - 60 عاما - والذى فاز بها مناصفة مع الشابة الباكستانية «مالالا يوسفزاى «- 17 عاما -، فقد كرس ساتيارثى وقته وجهده لخدمة قضية نبيلة سامية، هى تحرير أطفال الهند من براثن الرق، ونجح بالفعل فى تحرير 80 ألف طفل منذ بدأ حملته عام 1980 ، حيث إن هناك 168 مليون طفل يعملون فى أنحاء العالم. وباستطاعتنا الخروج بجملة من الملاحظات المفيدة من سيرة وتجربة الناشط الهندى على أرض الواقع وليس على مواقع التواصل الاجتماعى، نستهلها باستحقاقه نيل لقب الناشط لتحقيقه انجازا يعود بفائدة كبيرة على المجتمع، ويسهم فى ايجاد حلول قابلة للتنفيذ لما يواجهه من متاعب ومشاق وأزمات. وهذا حال يختلف تماما عما تعودنا عليه فى المحروسة، خلال السنوات التالية لثورة 25 يناير، فكم من شخص خلع على نفسه لقب الناشط بدون أن يقدم لنا المبرر المقبول لهذه الصفة، فلا انجاز ولا رؤية، فقط رأينا تهافتا وتكالبا على جنى المنافع والمكاسب، وإن واجهته بحقيقة أنه مزيف ويفتقد الصدق ولا يبحث سوى عن مصالحه تمتلئ الدنيا صخبا وصراخا عن التضييق على الناشطين وتكميم الافواه وحرية الرأى وغيرها من القوالب الجامدة التى تطلق لارهاب من يتجاسر على الانتقاد واللوم والتقريع. ثم انظر إلى الآليات التي استخدمها الناشط الهندى ليحظى بهذه المكانة الرفيعة، فالرجل من المؤمنين بنهج المهاتما غاندى السلمى، وتحمل فى سبيل ذلك الأهوال والمتاعب بدون أن يفكر للحظة فى التخلى عن هذا النهج القويم. وقارن فعله بفعل من يسمون أنفسهم نشطاء فى بلادنا، فهم لا يتورعون عن الاشتباك مع قوات الشرطة ومهاجمة عناصرها، ويفضلون المولوتوف والحجارة كوسيلة تخاطب، بالاضافة إلى كم من البذاءات والألفاظ النابية الموجودة على صفحاتهم على الفيس بوك وتويتر وغيرهما. فالبذاءة فى عرفهم مدرجة تحت بند حرية التعبير ولا يجدون غضاضة فى تكرارها والترويج لها عبر برامج التوك شو التى يحلون ضيوفا عليها فى المساء. وإن استعرضت بعناية كثيرا من الأسماء فى هذا المجال ستجدها بدون انجاز ملموس، بل إن بعضهم يتاجر بالثورة والثوار الحقيقيين، وينسجون حكايات وقصصا ما أنزل الله بها من سلطان عن مغامراتهم الثورية، وكيف أنهم عانوا قبل وفى أثناء الثورة، ثم يتضح زيف اقوالهم وقصصهم، فهم أشبه ببالونات هواء تحلق فى السماء بلا هدف ولا غاية سوى الظهور فى وسائل الإعلام. وذاك يقودنا لتناول نقطة بالغة الخطورة والدلالة متمثلة فى النشطاء من عينة ساتيارثى تساهم بأنشطتها فى تقوية مفاصل الدولة وحمايتها من محاولات الهدم والعبث، على عكس ما نتابعه من البعض الذى يسعى بهمة ونشاط لهدم الدولة واشاعة مناخ الفوضى والانفلات. فقد كتب احدهم مرة أنهم لو شكلوا أفضل حكومة فى مصر، وكتبوا أحسن دستور ولا توجد شائبة فيه، وهو ما يحلم به غالبية المصريين، فإنه لن يقبلها وسيظل واقفا على شمال السلطة التى ستحرم من نيل رضاه ومن يفكرون بنفس منطقه، وهم ليسوا قليلين وسطنا. فلا مانع من النقد والاعتراض المبنى على أسس وقواعد صلبة ومالكة للحجة والمنطق، ولا مانع أيضا من عدم التحمس لمشاريع قوانين يراها بعضنا مكبلة للحريات ولا تتفق مع مواثيق حقوق الانسان العالمية، كل هذا مسموح به ولا غبار عليه بشرط أن يتم على أرضية المحافظة على كيان الدولة وليس تخريبها ووضعها على المحك. كذلك لم يضبط احد من أمثال ساتيارثى متلبسا بتقاضى أموال من الخارج للانفاق منها على أنشطة تهدد السلم الداخلى وتبث الشقاق والخلاف بين أبناء الوطن الواحد. وحتى لا نتهم بالتعميم فإن لدينا نشطاء لا يتوخون سوى مصلحة بلدهم وأهلهم، ويراعون الظرف الدقيق الذى يمر به، غير أننا نطمح ونحلم أن تكون الكفة مائلة لمصلحة أمثال هؤلاء، فمصر عانت من أدعياء الثورة الذين كونوا ثروات هائلة، وكونوا شبكة مصالح خرافية. ما أحوجنا الآن عن أى وقت مضى للتنقيب عن نشطاء يماثلون ساتيارثى للشد على أيديهم، وتشجيعهم على متابعة ما يقومون به من أعمال جليلة تبغى صون الوطن والارتقاء به، نحن نريد نشطاء يبادر وطنهم لدعوتهم لمساندته وقت الشدة، فلنتحد بحثا عنهم، فهم منارة الأمل التى تهتدى بها الأوطان فى عتمة العسر والضنك. لمزيد من مقالات محمد إبراهيم الدسوقي