ثلاث قضايا مهمة وشائكة تتصدر المشهد أمام مؤسسات الدولة المصرية فى الظروف الحالية.. إن أهمية هذه القضايا تأتى من أنها تفرض نفسها فرضا على كل صاحب فكر او سلطة قرار وبجانب هذا فإنها بحكم الأهمية والتأثير سوف يكون لها دور كبير فى تحديد صورة المستقبل ليس القريب فقط ولكن البعيد أيضا .. فى مقدمة هذه القضايا موقف الدولة المصرية من الشباب وهذه هى القضية الأولى لأننا نتحدث عن 60 مليون مواطن تتراوح أعمارهم ما بين العشرينيات والأربعينيات وهم مستقبل هذا البلد .. القضية الثانية هى قضية الإعلام المصرى وقد انفلت زمامه وغابت ثوابته وأصبح لا يفرق بين الظواهر والمواقف والأشياء.. انه يتحدث عن الحريات ويمارس كل ألوان التسلط ولا يفرق بين صراع الأفكار وصراع المصالح وقبل هذا كله هو لا يعبأ كثيرا بقضايا الشفافية والأخلاق .. اما القضية الثالثة فهى البرلمان المصرى القادم وفى ظل دستور منحه سلطات تتجاوز سلطات رئيس الدولة والحكومة فلابد أن تتوافر الضمانات الكافية لانتخابات نزيهة ومحاولات جادة حتى لا نجد أنفسنا أمام كارثة اخرى نصنعها بأيدينا حيث لن يفيد الندم. هذه القضايا الثلاث: الشباب والإعلام والبرلمان كانت من الموضوعات التى تحدث عنها الرئيس عبدالفتاح السيسى أكثر من مرة فى احتفالات جامعة القاهرة بالمتفوقين والعرض العسكرى فى ذكرى نصر أكتوبر .. وفى احتفالات عيد العلم وفى مناسبات أخرى كثيرة .. أن توقف الرئيس عند هذه القضايا الثلاث يؤكد خطورتها أولا والتباس المواقف حولها ثانيا والخوف من أن تتحول إلى ألغام فى مسيرة هذا الشعب نحو مستقبله وهنا يجب ان نتوقف عند القضايا الثلاث.. لا شك أن قضية الشباب واحدة من اخطر قضايا مصر فقد تعرض لإهمال جسيم طوال السنوات الماضية وبدأ رحلته مع المتاعب والأزمات فى قاعات الدرس أمام نظم تعليمية متخلفة دفعت بالملايين من الشباب إلى الحياة دون توافر العناصر الأساسية والضرورية فى تكوين وتشكيل إنسان يتناسب مع روح العصر الذى نعيش فيه ..لقد تخرجت أجيال وأجيال من مؤسسات تعليمية تتخاطب بمنطق العصور الوسطى فى الحفظ والتلقين وقدمت للمجتمع نماذج بشرية غير مؤهلة فكرا وتدريبا وقدرات .. على جانب آخر كان إهمال الدولة لأجيال الشباب واضحا لسنوات طويلة بدأ بالتعليم مروراً على طوابير البطالة وانتهاء بفراغ سياسى سحيق اجتاح الشارع المصرى عشرات السنين دون أن يجد الشباب فرصا متاحة فى العمل أو التفوق أو الإنتاج. لقد وقف الشباب متفرجا فى كل ما شهدته مصر من الأحداث وكانت النتيجة هذا الانفجار الدامى الذى انطلق فى ثورة يناير واجتاح منظومة الفساد واسقط نظاما ظل جاسما على صدر مصر ثلاثين عاما .. لقد تصورت جموع الشباب مع ثورة يناير أن أبواب المستقبل قد فتحت على مصراعيها وانه سيجد العمل المناسب لكى ينتج والمناخ المناسب لكى يبدع ويفكر وان مصر قد فتحت أبوابها لزمان جديد قادم أكثر عدالة وإنسانية .. ضاعت فرصة يناير على الشباب حين سقطت الثورة فى يد الاخوان المسلمين وخرج الشباب دون أن يحقق شيئا من أحلامه التى قامت من اجلها الثورة بل انه بكل تجمعاته دخل فى صراعات وتقسيمات أيدلوجية ودينية وسياسية لا تتناسب أبدا مع حلم كبير صنعه يوما بثورته .. واجه الشباب ظروفا صعبة فى تجربته مع الأخوان حتى كانت ثورة يونيه واستطاع الشباب أن يؤكد وجوده من خلالها مرة أخرى بالملايين فقد خرج إلى الشوارع وشارك مشاركة فعالة فى إسقاط نظام الأخوان المسلمين .. وبدأ الشباب رحلة أخرى مع أحلامه وما زال ينتظر حتى الآن فرصا فى العمل واهتماما اكبر بقضاياه ومشاكله وإيمانا حقيقيا بدوره فى صياغة مستقبل هذا الوطن .. مازالت قضايا الشباب بعيدة عن اهتمام الدولة وربما كان ذلك هو السبب الرئيسى فى ابتعاد إعداد كبيرة من الشباب عن الأنشطة العامة وهذا الكمون يمثل خطرا حقيقيا امام مشاكل لا تحل وأمام أزمات لم تجد من من يواجهها. القضية الثانية التى تحتل أولوية خاصة هى قضية الإعلام .. ان الواضح الآن أن هذه القضية أصبحت تمثل خطرا حقيقيا أمام حالة الفوضى والانفلات فى هذا القطاع الخطير .. لقد ضاع الهدف وأصبح من الصعب أن تجد هدفا واضحا للإعلام المصرى غير الفوضى والانفلات والإسفاف اذا تطلب الأمر ذلك .. لقد أصبح من الصعب على الدولة المصرية الآن أن ترصد مصادر تمويل الأعلام المصرى بما فى ذلك الصحف والفضائيات وخدمات الانترنت وتشكلت شبكة قوية من أصحاب المصالح والشركاء فى هذه المهمة الخطيرة . على جانب آخر فان فوضى الإعلام سمحت بدخول أسماء غريبة لا علاقة لها بهذه الرسالة المقدسة فوجدنا بقايا فلول النظام السابق ومندوبى الأمن وكتاب التقارير يتصدرون الشاشات ويعبثون كما شاءوا بعقول الناس .. لقد سقط العقل المصرى فريسة سهلة لمجموعة من رجال الأعمال الذين وجدوا ضالتهم فى مساحات واسعة من الفضاء الإعلامى يمارسون فيه كل الوان العبث والتضليل .. أن القضية الآن أن الجميع يتحدث عن الحريات ويطلبون الحماية لاجهزة الإعلام لكى تؤدى دورها فى خدمة قضايا الحرية والديمقراطية وينسى هؤلاء أن إشعال الفتن وتقسيم الوطن والعبث فى عقول الناس لا يدخل فى نطاق الحريات لان الحرية غير المسئولة نوع من أنواع الدمار الفكرى والسلوكى والاخلاقى . ان الشعب حائر امام إعلامه المتسيب .. والدولة عاجزة أن تتخذ موقفا مع عمليات التمويل المشبوهة والفوضى التى يتسم بها الاداء الإعلامى .. بل ان المسئولين الآن يترددون كثيرا فى حسم قضية الإعلام وتوضيح مواقفه بما يخدم مصالح الوطن .. أن فوضى الإعلام التى تعيشها مصر الآن تهدد اى انجازات يمكن أن يحققها هذا الشعب . القضية الثالثة التى تتصدر المشهد العام فى الشارع المصرى الآن هى الانتخابات البرلمانية القادمة .. أن اخطر ما فى هذه القضية أنها تدور حول جوانب كثيرة غامضة انها تشبه البراكين التى لا يشعر بها احد إلا بعد انطلاقها ولهذا فإن الناس تنتظر ما تحمله هذه الانتخابات من المفاجآت .. لا احد يعلم ماذا بقى للإخوان المسلمين من قواعد فى الشارع المصرى وهل اجهضت ثورة يونيه ما بقى لهم من مصادر القوة والتأثير.. ان الغموض الذى يحيط بموقف الاخوان يمثل لغزا خطيرا فى هذه الانتخابات وربما حمل مفاجأة غير متوقعة .. على الجانب الآخر فإن القوى الاسلامية الاخرى تحيط مواقفها بغموض شديد هل فعلا تحللت من التزاماتها القديمة مع الاخوان أم ان ذيول الماضى ما زالت حتى الآن .. يضاف لذلك أن فلول الحزب الوطنى قد كشفت عن نواياها بل أنها الآن تعمل على السطح وكأن الثورات ما قامت ولا الرؤساء عزلوا ولا الحزب لقى مصيره .. ان لديهم الفضائيات ولديهم الصحف ولديهم الأموال وقبل هذا كله لديهم تاريخ طويل فى التحايل وترتيب الاشياء فى المعارك الانتخابية التى اعتادوا عليها تزويرا وتحايلا .. هذه الصورة المرتبكة يقف امامها فراغ سياسى رهيب ما بين نخبة سياسية عاجزة وشباب لا يجد فرصته ولا يجد من يقف معه وحالة تشرذم بين القوى السياسية الحزبية والفكرية .. وهذه الشواهد جميعها لا تجعل الإنسان مطمئنا لما يمكن أن تكون عليه الانتخابات البرلمانية القادمة .. إذا تحدثت عن الأحزاب فلا وجود لها حيث لا يوجد الحزب الذى يمكن ان يقال انه سيشكل حكومة أو معارضة .. وإذا تحدثت عن النخبة السياسية الإعلامية التى لا تظهر الا فى برامج التوك شو فلا تأثير لها فى الشارع .. وإذا حاولت أن تدفع بالشباب فقد تأخر الوقت كثيرا حيث لم يجد من يأخذ بيده ويضعه على أول الطريق .. وفى آخر الصورة سوف يبقى الغموض يحيط بالكتلة الصامتة التى تتحرك من بعيد ولا يراها احد وهى الأخوان والحزب الوطنى وكلاهما يحمل تاريخا طويلا فى تضليل الشارع المصرى ولن يتردد كل منهما فى أن يمارس لعبته القديمة.
الخلاصة عندى ان امام الشعب والدولة والحكومة ثلاث قضايا شائكة تحتاج إلى حلول ومواجهات سريعة لانها تحمل من المخاطر أكثر من كل توقعاتنا لانها تمس أمن هذا الوطن واستقراره . ان قضية الشباب هى الحلقة المفقودة بين الدولة والشارع ولا احد يعلم ماذا جرى فى صفوف الشباب فى الفترة الاخيرة وماذا تركت جراح ثورة يناير لدى جموع كثيرة منهم فقدت الثقة فى أشياء كثيرة وعلى المجتمع ان يعيد الثقة لهذه الجموع بالفكر والحوار والحقيقة .. ان قضية الإعلام اصبحت تهدد كل شئ يمكن ان نبنى عليه .. أن هناك معاول هدم وتخريب تمارس دورها بأحط الأساليب وهى لغة المصالح لتشويه الحقائق وإبعاد الناس عن قضاياهم الحقيقية .. نحن الآن أمام عشرات المنابر الإعلامية كل واحد منها تحركه أموال ومؤسسات وخطط مشبوهة وبرامج .. والشئ المؤسف ان الدولة تتصور أنها لا تستطيع ان تفعل شيئا رغم أن اقل ما تفعله أن تعلن عن مصادر تمويل الأنشطة الإعلامية ولديها الحسابات والأرقام والشيكات وفلول المستفدين من ذلك كله . اما آخر ما فى هذه الثلاثية فهى الانتخابات البرلمانية واقل ما فيها من المخاطر أن نجد انفسنا أمام برلمان لديه سلطات دستورية لان يوقف كل المراكب السائرة ويضع الدولة كلها امام مواجهة ضارية يسانده فى ذلك أعلام مشبوه وشارع منقسم على نفسه وقوى اقتصادية تحركها مصالحها ونخبة غائبة تماما عن الشارع تأثيرا ووجودا وفعلا. هذه القضايا الثلاث التى تحدثت عنها اليوم تحتاج إلى وقفة حكيمة نراجع فيها أنفسنا بحيث ننظر إلى شبابنا ونسمع منه ماذا يريد ونفتح له أبواب الأمل فى المستقبل وهذا الشباب حين يرى مواكب الفساد تتراجع وأبواب الفرص تنفتح ويشاهد نماذج من القدوة تنير له الطريق سوف يتغير كثيرا ويقدم على الحياة .. وإذا كانت الدولة بكل جبروتها غير قادرة على تعديل بوصلة الإعلام فإن القادم أسوأ .. وفى ظل شباب غائب وإعلام مرتبك وشارع يعانى فراغا سياسيا وفكريا رهيبا لنا أن نتصور صورة البرلمان القادم.