لا تختلف حرب التحالف الدولى الحالية على تنظيم داعش الإرهابى كثيرا عن الحرب العالمية على الإرهاب ضد تنظيم القاعدة بعد أحداث 11 سبتمبر عام 2001، فالقاعدة وداعش يمثلان مصدر تهديد إقليميا وعالميا، وينطلقان من إيديولوجية دينية متشددة, ويستخدمان ذات الأساليب فى عملياتهما، لكن كما فشلت الحرب على القاعدة, فإن الحرب الحالية على داعش ربما تلقى ذات المصير لعديد من الأسباب. أولا: إن الحرب على داعش, كما حدث مع تنظيم القاعدة، والتى تقودها الولاياتالمتحدة, تفتقد لاستراتيجية متكاملة وواضحة، وارتكزت فقط على المواجهة العسكرية، وبالتحديد الغارات الجوية، وهو أمر صعب فى القضاء على التنظيم بدون وجود قوات برية، كذلك فإن مواجهة داعش تعتمد على أسلحة تقليدية فى مواجهة تنظيم ينتهج عناصره حرب العصابات والقتال فى مناطق السكان المدنيين, وهو ما يفقد الغارات الجوية فاعليتها. ورغم أن الحرب على الإرهاب نجحت جزئيا فى تحجيم نفوذ القاعدة فى أفغانستان ومقتل أسامة بن لادن، إلا أن خطر التنظيم تصاعد وانشطر إلى العديد من التنظيمات الفرعية فى الكثير من مناطق العالم كما فى نيجيريا وبلاد المغرب العربى والصومال وليبيا والعراق وسوريا, بل إن داعش ذاتها امتداد لتنظيم القاعدة، كما أصبح العالم أكثر اضطرابا وأقل أمنا فى ظل تداخل الحرب على الإرهاب مع اعتبارات المصالح الاستراتيجية وتوظيف تلك الحرب لتغيير الأنظمة والتدخل فى شئون الدول وانتهاك سيادتها. ثانيا: ازدواجية المعايير التى ينتهجها الغرب فى التعامل من التنظيمات الأصولية المتشددة، فالملاحظ هو تركيزه فقط على الخطر الذى تمثله التنظيمات السنية المتشددة مثل القاعدة وداعش وجبهة النصرة وغيرها, فى حين أنه يتغاضى عن خطر التنظيمات الشيعية المتطرفة، والتى تمثلها تهديدا حقيقا لا يقل عن التنظيمات السنية، فهناك تجاهل لما تشكله التنظيمات الشيعية فى العراق مثل جيش المهدى ومنظمة بدر وفيلق القدس التابع لإيران والتى تمارس دورا خطيرا وتدميريا فى العراق وتؤجج الصراع الطائفى بين السنة والشيعة، كما أن الحوثيين فى اليمن يشكلون تهديدا حقيقيا للدولة اليمنية, وقد استولوا على العاصمة صنعاء فى ساعات تحت سمع بصر المجتمع الدولى دون أن يحرك أحد ساكنا لمواجهة هذا الخطر. كما أن هناك تجاهلا غربيا، بل وانحيازا واضحا، خاصة من جانب الولاياتالمتحدة، لإسرائيل وما ترتكبه من جرائم إبادة إنسانية لا تقل بشاعة عن جرائم تنظيم داعش، وقد أوضحت حروب غزة الثلاث فى السنوات العشر الماضية بشاعة جرائم القتل والتدمير الإسرائيلية واستخدام الأسلحة المحظورة، كما أن استمرار احتلال إسرائيل للأراضى الفلسطينية يمثل سببا رئيسيا لانتشار الإرهاب والعنف، بل استخدم الغرب القضية الفلسطينية ورقة لحشد الدعم العربى فى الحرب على الإرهاب، وشرعنة التدخل الأمريكي، وذلك عبر تفعيل مفاوضات السلام شكليا دون أن تسفر عن نتائج ملموسة تحقق الطموحات المشروعة للشعب الفلسطيني. ثالثا: غياب رؤية شاملة لاستئصال التطرف والإرهاب من جذوره, فنمو التنظيمات المتطرفة مثل داعش وغيرها كان نتيجة طبيعة لهشاشة الدولة العربية وضعف مؤسساتها وغياب الحرية والديمقراطية وانتشار الاستبداد وفشل عمليات التحول الديمقراطية فى استيعاب الاختلافات العرقية والطائفية والمذهبية التى يموج بها العالم العربي، وتحقيق التعايش بينها تحت مظلة المواطنة التى تساوى بين الجميع فى الحقوق والواجبات وحكم دولة القانون، كما أن غياب التنمية وتوجيه الموارد صوب الأسلحة وانتشار الفقر وضعف التعليم وتراجع الخطاب الدينى المعتدل والمستنير شكل بيئة لازدهار أفكار الجماعات المتطرفة وحشدها للشباب، فجزء من تنامى نفوذ وتمدد تنظيم داعش فى العراق هو استغلالها لحالة التهميش التى تعانيها المناطق السنية، بل إن تعاطف القبائل والعشائر السنية مع داعش بعد أن فشلت فى تحقيق مطالبها عبر الحلول السياسية، قد أوجد أرضية داعمة للتنظيم. وذات الحال فى اليمن حيث وظف تنظيم القاعدة فى جزيرة العرب معاناة القبائل لكسب دعم الكثير من أنصارها. وبالتالى فإن تكريس الديمقراطية الحقيقية والتنمية هو الذى سيجفف تربة التطرف والتشدد ويؤدى إلى ضمور وانحسار التنظيمات المسلحة، فالمواجهة العسكرية قد تنجح فى تحجيم تنظيم داعش، لكنها لن تنجح فى القضاء عليه. رابعا: الخلط دائما من جانب الغرب بين الإرهاب الذى تمثله جماعات إسلامية مثل تنظيم القاعدة وداعش وغيرها، وبين الإسلام، فهذه التنظيمات هى أقليات محدودة لا تمثل إلا نفسها، ولا تعبر عن الغالبية الساحقة من المسلمين الذى يعتنقون الإسلام السمح المعتدل الذى ينبذ العنف والكراهية والقتل، ولذلك يعمد البعض فى الغرب وفى بعض وسائل إعلامه إلى تصوير أن الإسلام هو مصدر الشرور ويشن حربا على الإسلام والمسلمين, كما حدث بعد 11 سبتمبر, كما أن إيران تحاول توظيف داعش لتظهر أن الإسلام السنى الراديكالى هو مصدر التهديد وليس الإسلام الشيعي، وهذا الخلط أدى بدوره إلى تعاطف الكثيرين مع الجماعات والتنظيمات المتشددة. ولذلك فإن الحرب على الإرهاب لن تنجح عبر القوة العسكرية فقط فى استئصال جذور الإرهاب دون القضاء على مسبباته وبيئته التى ينمو فيها. لمزيد من مقالات احمد سيد احمد