الآثار المصرية القديمة كنوز ظاهرة ومخبوءة، ثروة لا تقدر، لو كان قليل منها لدى دولة أخرى لجنت منه الذهب..ولكننا لا نقدرها قدرها، ولا نستثمرها كما يجب، بل نسمع عن المشكلات التى تحاصرها وتهددها..ولكى يكون الكلام دقيقا سألت «تراث وحضارة» الدكتورعبدالحليم نور الدين عميد كلية الآثار والإرشاد السياحى بجامعة مصر للعلوم والتكنولوجيا ومقرر لجنة الآثار بالمجلس الأعلى للثقافة عن أبرز ما يعانيه العمل الأثرى اليوم.فقال: عندنا نوعان من الآثار؛ ثابت ومنقول، والقضية الأولى التى يجب الاهتمام بها فى العمل الأثرى هى «الحفاظ على المناطق الأثرية وتأمينها» والثانية «المسح الأثرى»، وثمة ثلاثة أنواع من المسح؛ أرضى وجوى وتنقيبى، وأحيانا نحدد النوع من خلال شواهد أثرية على السطح، فإذا ما عثرنا على الأثر واجهتنا مشكلة «حمايته» بكل الوسائل الممكنة وهذه هى القضية الثالثة. وأضاف د. نور الدين: هناك بعد آخر هو العمل المتحفى ويشمل إنشاء متاحف جديدة وتطوير القائم، ويندرج تحته المعارض الخارجية،والقطع الآثرية التى يمكن نقلها من دولة إلى أخرى،وقبل هذا «قضية البشر» أى تأهيل العاملين وتدريبهم على التوثيق والتسجيل والترميم، وهكذا..إذا تكاملت جزئيات «العمل الأثرى» فلن تكون هناك مشكلات بل سيؤثر نجاح المنظومة الأثرية فى مجالات أخرى، نحن مثلا لم نستطع تحقيق نجاح فى سياحة المؤتمرات أوالمناجم أوالمحاجر أوالمزارع أوالسياحة العلاجية أو سياحة السفارى كما يجب، وإن كان هناك تنافس بين السياحة التاريخية (الثقافية) وسياحة الشواطئ، ولن يتحقق النجاح إلا بالاهتمام بالترويج الأثرى..مما يفرض العمل بأسلوب فريق العمل المشترك..لكننا لا نعرفه حتى الآن..وعلينا أن نبدأ. وعن التمويل ومصادره..قال نورالدين: لدينا مشكلة فى التمويل الآن لأننا نعانى ضعفا فى الميزانية..صحيح أن الآثار دجاجة تبيض الذهب..وقد حققت الهيئة 1.2 مليار جنيه عام 2010، والهيئة غنية وكانت مشكلاتها تحل ذاتيا..لكن الظروف الآن صعبة،وحماية المناطق الأثرية ضرورة..فهل يستحيل على الدولة تخصيص مليار جنيه لإنقاذ الآثار، والبدء ب 500 مليون جنيه لتنفيذ خطة حمايتها؟ نحن نعانى أيضا غيبة الأمن..والسرقات لم تتوقف..متحف ملوى سرقت منه 1000(ألف) قطعة فى ساعة واحدة ؟!، هناك عصابات محلية ودولية والسرقة مستمرة..الكارثة أن الأثر المسروق غير المسجل يضيع تماما إذا لم يضبط. قلت من قبل وبأعلى صوت إننا لسنا مهتمين بقضية الحفاظ على الآثار، ولكن لا أجد صدى..لا أحد يهتم..هل نعجز مثلا عن ضبط وتحديد منافذ الدخول والخروج فى منطقة سقارة ؟! وهل كان يكفى لحراسة متحف ملوى اثنان من الخفر؟! ومنطقة أثرية 400 فدان ليست لها حماية جدية هل ستسلم من السرقة؟ أين؟ أبو صير الملق (بنى سويف) منطقة أثرية، مجموعة من التلال، تم نبشها وسرقة بعض آثارها بسبب الضعف الشديد فى الحماية..كيف يتسنى لخمسة خفراء حماية هذه المساحة من السرقة؟ يجب توفير حراسة حقيقية وأمن واع. لا بد..لكن تواجهنا مشكلة كبيرة؛ أن مصر كلها تقريبا أثر، والمناطق الأثرية فى غالبها مساحات شاسعة، لدينا تلال هائلة فى محافظة كفر الشيخ والبحيرة، الفيوم ومطروح والبحر الاحمر وكل المحافظات ذات المناطق الصحراوية..لا بد من التعامل مع المشكلات بجدية هل ستجدى أى حراسة غير واعية والظروف الاقتصادية الاجتماعية معروفة ؟ - هذا بعد مهم بالفعل، يجب تحقيق الاستقرار وتدريب البشر ومعاملتهم معاملة حسنة..كما يجب توفير أجهزة حراسة وكاميرات مراقبة وإحكام المنافذ..ومن الحلول الضرورية المراقبة بالطيران وسيارات الدفع الرباعى. وهناك مشكلات نوعية أخرى تهدد الأثر..المياه الجوفية والصرف الصحى والتنمية المستمرة؛ الزحف العمرانى والزحف الزراعى، (المقابرالحديثة فى دهشور مثلا غطت المنطقة الأثرية)..هى معادلة صعبة:كيف يمكن أن نحافظ على آثارنا وفى الوقت نفسه نحقق التنمية؟ هل أحدثك عن حرم الأثر؟ (المنطقة الخالية المحيطة به وضرورتها لحمايته)،منطقة حدائق الأهرام مثلا كلها حرم للأهرام كما هو معروف! هل سنتدارك أخطاءنا ونتلافى ذلك فى الأماكن الأثرية الأخرى؟ هل سيسمع أحد؟ هل تعنى الوزير؟ الوزير يتحرك فى إطار منظومة محددة لا يتجاوزها..بل أعنى موازنة الدولة وتوجهها فى رأيك هل يضع صناع القرار الآثار فى الاعتبار؟ لا..قلت إننا لسنا مهتمين بالحفاظ على الأثر وحمايته..وأرجو أن يهتم رئيس مجلس الوزراء بالآثار، فأى خطة عمل يجب أن تكون مبنية أساسا على إيمان القيادة بالأولويات، قد يقال نحن نحمى، والسؤال: كيف تحمى؟ بوضوح يجب توفير مليار جنيه لتنفيذ خطة أثرية من عدة نقاط: توفير أجهزة إنذار ضد السرقة والحريق وتحديد النطاقات الأمنية وكاميرات مراقبة فى كل متاحف مصر. (وفى المناطق المعزولة يجب أن تكون الحراسة من أبناء المنطقة وتحميلهم مسئولية الحماية. وفى المناطق الصحراوية تستخدم الهليكوبتر وسيارات الدفع الرباعى). توثيق كل أثر بكل وسائل التسجيل (الكتابة والتصوير الفوتوغرافى والتليفزيونى- الفيديو). ترميم كل أثر يحتاج إلى ترميم، وتوثيقه. مواجهة المشكلات التنموية والصرف الصحى والمياه الجوفية. وبعد ذلك علينا أن نضع خططا لنشر الوعى الأثرى، وبرامج فى المدارس والجامعات ووسائل الإعلام...