أثبت حزب النور أنه يجيد مهارات السياسة العملية إلى حد يتجاوز أحياناً الشيوعيين والناصريين والليبراليين، فقد نجح نجاحاً مُبهِراً فى تحويل الموقف فى صالحه بعد أن كان مسئولاً، على الأٌقل سياسياً، عن أفعال الإخوان فى عام حكمهم الكئيب بصفته الحليف والداعم الأول لهم، بدءاً من انتخاب الدكتور مرسى وحتى ما قبل 30 يونيو مباشرة عندما أعلن أن شرعية مرسى خط أحمر! ولكنهم، على العكس من خضوعهم للمساءلة، وبدلاً من اعترافهم بأخطائهم، صاروا الآن وكأنهم هم الفصيل المُرَجِّح لشرعية أى عمل جبهوى، ليس فقط بما يعتقدونه فى أنفسهم ولكن بتسليم أكثر الفرقاء بهذا وجريهم خلفهم لينضموا إلى التشكيلات الكثيرة التى تتوالى. بل يتناسى معظم المتعاطين للعمل العام أن وجود حزب النور فى حدّ ذاته وممارسته للعمل السياسى مخالف لنص الدستور الذى لا يُجيز مباشرة أى نشاط سياسى أو قيام أحزاب سياسية على أساس دينى، أو بناء على التفرقة بسبب الجنس أو الأصل أو على أساس طائفى أو جغرافى، وفق نص العبارة فى المادة 74 من الدستور الذى شارك حزب النور فى أعمال لجنة الخمسين التى تولت مهمة تعديله، وأعلن عن تأييده التصويت بنعم فى الاستفتاء على التعديلات كأنه يحثّ كوادره وقواعده وجماهيره على التأييد. واقعة واحدة قبل بضعة أشهر فقط تكشف المخالفة الجسيمة التى كانت توجب فى وقتها إنفاذ النص الدستورى، عندما دشنوا حملة صليت على النبى النهاردة؟. هل ينفى عاقل أن هذه حملة دينية مما لا يجيزه الدستور لحزب سياسى؟ وهل يعترض عاقل على أن هذه الدعوة تُفرِّق المواطنين على أساس طائفى؟ ألا يتضح وضوح الشمس أن المسيحيين بمختلف طوائفهم مُجَنَّبُون عن المشاركة فى هذا العمل، وأن هذا خرق لمبدأ عدم التفرقة على أساس طائفى؟ كما أن أى حزب ليس مطلق السراح فى اعتماد خطاب جماهيرى يستبعد جماعة وطنية، حتى إذا رأى قادة الحزب أنه لا يهمهم أصواتهم، لأن هذا يشيع الكراهية فى صفوف الشعب. وكان الغريب أن أجهزة الدولة وبقية الأحزاب غضَّت الطرف عن الخطأ الشنيع، وتركوه يسرى فى أوساط الجماهير. ولكن الموقف الشعبى أثبت أنه أكثر فاعلية من نخبته عندما رفض الشعار بحسم، ولم يتعاطف معه إلا فئات محدودة! وأما الدليل المُفحِم الذى وفرَّه حزب النور عن روحه العملية، فقد كان سريعاً مقارنة بحداثة عهدهم بالعمل السياسى، وذلك عندما غيَّروا موقفهم وبسرعة الضوء، حينما اكتشفوا الحجم الهائل لمظاهرات 30 يونيو الرافضة للإخوان ولحكم ممثلهم فى القصر الرئاسى، فإذا بهم ينتقلون برشاقة إلى الضفة الأخرى مطالبين مرسى بإجراء انتخابات رئاسية مبكرة، ناسين الخط الأحمر الذى كانوا يتمسكون به قبلها بنحو 24 ساعة! ثم سرعان ما انضموا بعدها بساعات إلى ممثلى الجبهة العريضة التى تمثل الشعب بكل ألوان طيفه ما عدا الإخوان والحلقة المحيطة بهم التى صارت فى أضيق حالاتها عبر عام، وشارك حزب النور فى إجراءات عزل مرسى! وهكذا دار الحزب دورة كاملة فى نحو 72 ساعة فقط لا غير: من تأييد مطلق لوجوب أن يُكمِل مرسى فترته الرئاسية لمدة 4 سنوات، إلى مطالبته بإجراء انتخابات رئاسية مبكرة، ثم إلى المشارَكة فى عزله!! من الممكن ألا يجد الكثيرون فى هذا التغيير ما يعيب سياسياً، ما دامت السياسة تعنى بالدرجة الأولى بمسائل عملية تحكمها إجراءات عملية، ولكنه من المؤكد لا يتفق مع صخب حزب النور الذى يملأ الدنيا بهتافات عن المبادئ التى يرددون أنها لا تتغير وأنها يجب أن تكون ثابتة على إطلاقها مع مرور السنين والحقب! وفى حين حظى الحزب بشرعية نتيجة لانضمامه إلى الحركة الوطنية العريضة، بعد أن حسمت الجماهير موقفها ضد الإخوان وبقية حلفائهم، إلا أنه نجح فى قلب الحقيقة الناصعة وراح يفرض شروطه بدلاً من إبداء الامتنان! وكان من الأخطاء التاريخية أن رضخت القوى الأخرى لإصراره على عدم إسقاط الدستور الإخوانى، والتوجه إلى تعديله، ثم كانت له أشواط أخرى فى لجنة الخمسين لا يعنيه فيها إلا الإبقاء على المواد التى لا تحقق المساواة الكاملة بين المواطنين التى هدفت لها 30 يونيو، إضافة إلى بذله كل طاقته لاستمرار العمل بالمواد التى تهدد المجتمع بإمكانية إنشاء جماعات للأمر بالمعروف والنهى عن المنكر..إلخ، وكان يبتزّ الجميع فى كل مرة بالانسحاب إذا لم يُستجَب لتوجهاته! وبقليل من إنعاش الذاكرة فإن هذا بالضبط كان أسلوب الإخوان فى الأعمال الجبهوية التى نادت بها الحركة الوطنية أيام مبارك، إما أن يُذعِن الجميع لشروطهم وإما أن ينسحبوا ويعملوا مستقلين، وفى كل الأحوال كانت لهم تنسيقاتهم الأخرى مع من يرونهم مفيدين لهم وحدهم! هناك تقارير إعلامية خطيرة هذه الأيام عن مخططات لحزب النور فى انتخابات مجلس النواب القادم قد تمرق منها خلايا إخوانية نائمة، فى تحدٍ للإرادة الشعبية وضد أحكام القضاء، وهى معلومات يؤكدها أبناء الدوائر الانتخابية العالمين بشخصيات الساعين للبرلمان وتاريخ وأفكار كل منهم، وهو ما لا يُبدِى الحزب له إهتماماً! بل إن أحد قادة الحزب ظهر على التليفزيون ولم يكتف بنفى حقيقة أنهم حزب قائم على أساس دينى, بل تطوع بالدفاع عن الإخوان، بالقول إن حزب الحرية والعدالة لم يَقُم أيضاً على أساس دينى، بل زاد أنه ليس هنالك ما يمنع من المرجعية الدينية ما دامت الأحزاب الليبرالية، كما يقول، تقوم على مرجعية ليبرالية!! بل، أيضاً على منهج الإخوان، اعتبر أحد قادة النور أن الهجوم عليهم هو هجوم على الإسلام بصفتهم من رموز الإسلام!! [email protected] لمزيد من مقالات احمد عبدالتواب