تقتضي الموضوعية وصحيح التحليل العلمي أن نتدارس مزايا وعيوب الإنشاء المنفلت للسدود في حوض النيل. إلا أن سد النهضة الإثيوبي بالذات يستحق منا أن نبحث تأثير هذا الإنشاء علي دولتي الممر والمصب( السودان ومصر) وأيضا علي دولة المنبع وهي إثيوبيا وسنحاول في هذا السرد أن نتوخي أقصي درجات الحياد في العرض والبساطة والسهولة في توضيح الأمور. سنبدأ بالآثار المتوقعة علي السودان ومصر والتي جاء عنوان المقال معبرا عنها لأن المنفعة للبلدين أحادية وقد تكون عددا من الآحاد المتواضعة التأثير والمحدودة المردود أما الأضرار فهي عديدة ومتنوعة ومؤثرة ومهمة, وإلي حضراتكم الأسباب: هناك شبه إجماع بين جمهور الباحثين علي أن السدود الإثيوبية ستعمل علي خفض معدلات الترسيب والإطماء أمام السد العالي في مصر مما سيزيد من عمره الافتراضي الذي يقدر ب005 سنة بعدها قد يكون وصل إلي مستوي لايسمح بالتخزين الحي ولا بتوليد الطاقة الكهرومائية. أما عن تأثير هذه السدود الإثيوبية علي السودان فهناك إختلاف واضح عليه, فمن قائل بأنه سيوفر علي البلاد مايزيد علي21 مليون جنيه سنويا هي تكاليف تطهير وإزالة ورفع الطمي وهناك من يقول إن الماء المحمل بالطمي كان يتسبب في زيادة خصوبة التربة السودانية ومن ثم فإن حجز الطمي أمام السدود الإثيوبية سيدفع السودان( مثلما حدث من قبل في مصر) إلي تعويض الطمي المترسب بالأسمدة الكيماوية التي ستكبد البلاد مبالغ طائلة بالإضافة لما لها من أثار سلبية علي البيئة والصحة العامة للمواطنين. هناك أيضا شبه إجماع علي أن السدود الإثيوبية ستعمل علي تنظيم الإمداد المائي لمصر والسودان فبدلا من الإندفاع المعتاد لكامل مياه الفيضان خلال فترة الهطول المطري التي لاتزيد علي001 011 أيام سيصير توزيع المنصرف من إثيوبيا علي فترة زمنية أوسع مما يحسن من إمكانية الاستفادة بها ورفع كفاءة استخدامها. هناك من يقول إن كمية الطاقة التي ستنتجها السدود الإثيوبية تفوق عشرات الأضعاف قدرة المجتمع الإثيوبي علي استيعابها والاستفادة بها وأن نقل هذه الطاقة إلي الجنوب والداخل الإفريقي يحتاج إلي خطوط وشبكات لا قبل للبلاد بها ولا بتكاليفها, ومن ثم فإن البديل المتاح لن يكون سوي بالاتجاه شمالا وشرقا إلي مصر والسودان وسيوفر ذلك للبلدين طاقة رخيصة يمكن الاستفادة بها محليا في حالة السودان ويمكن لمصر أن تعيد تصديرها بأسعار اعلي إلي البلاد المجاورة. أود أن ألفت نظر القاريء الكريم إلي أن المنافع التي سبق الإشارة إليها رغم تعددها فإنها جميعا تدخل في قبيل تحصيل الحاصل فالسد العالي أنشيء لينظم حركة وإدارة المياه في مصر ولن تضيف للسدود الإثيوبية علي ذلك إلا النزر اليسير كما أن إطالة العمر الافتراضي للسد من005 عام إلي مايزيد علي ذلك بقليل أو بكثير لا تضيف إلي مزاياه ولاتنتقص من هذه المزايا أما الأثار السالبة لإنشاء السدود الإثيوبية فهي بكل المقاييس والمعايير معنوية ومؤثرة ومهمة بل ويذهب البعض إلي انها مخيفة وقد تكون مثيرة للهلع والقلق للأسباب الآتية: لعل الضرر الرئيسي الذي يتحسب له المصريون والسوادنيون يكمن في العجز المائي الخطير الذي سيحدث خلال فترة ملء الخزانات الإثيوبية فإذا كانت هذه الفترة قصيرة( من3 5 سنوات فإن التأثير علي العجز المائي في مصر والسودان سيكون هائلا وربما كان أيضا مدمرا, أما إذا كانت هذه الفترة متوسطة( من51 02 سنة) فربما كان الأثر أقل قسوة وأكثر إحتمالا أما إذا تم ملأ هذه الخزانات خلال فترة تزيد علي04 عاما فإن التأثير سيكون محتملا علي الرغم من ذلك فإنه من المتوقع ان يتكرر العجز المائي في هذه الحالة مرة كل أربع سنوات علي وجه التقريب ويمكن ان يتراوح هذا العجز بين9 21 مليار متر مكعب في السنة في حصة مصر وحدها وربما يقل العجز في حصة السودان عن هذه الأرقام بقليل, ومن الضروري أن نوضح هنا أن السعة التخزينية للسدود الإثيوبية ستكون خصما من المخزون أمام السدود السودانية والسد العالي في مصر, وأن ري الأراضي الزراعية المزمع إدخالها في الخدمة في إثيوبيا والتي تصل مساحتها إلي6.1 مليون هكتار( أو4 ملايين فدان) سيكون خصما من حصة مصر والسودان بشكل مباشر يضاف إليها البخر من الأسطح المائية لهذه الخزانات الإثيوبية. ونعود إلي ماأعلنته إثيوبيا وجنوب السودان مرارا وتكرارا من أن الإمداد المائي لمصر لن يقل بحال من الأحوال لا في المستقبل القريب ولا البعيد... هذا علي الرغم من أن جميع المؤشرات تؤكد أن التأثير علي حصة مصر بالنقصان أمر لاشك ولا مراء فيه وأن هذا النقص يمكن أن يصل إلي مايزيد علي02% من الحصة الحالية وهو أمر لا تستطيع مصر أن تتعايش معه بأي حال من الأحوال حيث سيؤثر بشكل واضح علي الحياة الاقتصادية والاجتماعية في البلاد ويمس حاضرها ومستقبلها بشكل مباشر. ولعل أهم هذه المؤثرات بل والنتائج أن توقف مصر علي الفور جميع برامج استصلاح الأراضي والتوسع الأفقي وأن تعدل عن زراعة الأراضي الصحراوية التي سبق استصلاحها منذ إنشاء السد العالي وتعود إلي الاقتصار علي زراعة الأراضي القديمة في الوادي والدلتا والتي لاتزيد مساحتها علي5 6 ملايين فدان بما يعود بالبلاد إلي الحقبة التي حكم فيها الوالي محمد علي منذ مايزيد علي مائتي عام كذلك ستضطر البلاد إلي تكبد نفقات هائلة لإقامة العديد من مشروعات إعذاب المياه لسد العجز في الموازنة المائية وتغطية متطلبات الشرب والصناعة. هذا ولايمكن أن يتأثر الإمداد المائي بدون التأثير المباشر علي توليد الطاقة الكهربائية التي تفيد معظم الدراسات علي أنها علي الرغم من إمكانية عدم تأثر السودان بها سلبا إلا أن التأثير علي الطاقة المولدة من السد العالي في مصر يمكن أن تنحفض بما يتراوح بين02 04%. بعد هذا الاستعراض لتأثير السدود الإثيوبية علي كل من مصر والسودان يتبقي سؤال أخير هو ماذا عن آثار هذه السدود علي إثيوبيا نفسها؟.. المزيد من مقالات د. ضياء الدين القوصي