ارتبط حج بيت الله الحرام فى الوجدان الشعبى المصرى بالعديد من الطقوس التى اعتاد عليها المصريون وألفوها، وأصبحت من علامات عيد الأضحى المبارك ورحلة الحج، وتبدأ هذه الطقوس من لحظة نجاح الحاج فى الحصول على تأشيرة الحج، وتنتهى بعودته بعد أدائه المناسك، وبعض تلك العادات تشترك فيها كل المدن والقرى المصرية، بينما تختلف بعضها من منطقة لأخري. فور تلقى الحاج نبأ فوزه بتأشيرة الحج، يتحول بيته إلى مزار عائلي، حيث يزوره أقاربه وأصدقاؤه وجيرانه لتهنئته بالخبر السعيد. وفى بعض القرى المصرية عادات وتقاليد معروفة, فتقام مراسم يومية للحاج من إنشاد دينى وغناء بالدفوف حتى يوم سفره إلى الأراضى الحجازية، كذلك فإن من عادات بعض القرى أن تقام احتفالية دينية ليلة سفر الحاج يتلو فيها المقرئون الذكرالحكيم وينشد المنشدون الأناشيد الدينية. ويحظى يوم سفر الحاج باهتمام خاص، فيصنع أهل الحاج الأعلام والرايات البيضاء التى يرفعونها فى رحلة توصيل الحاج إلى حيث سيستقل وسيلة السفر، وتشبه هذه الرحلة حفل العرس، فتنشد الأناشيد التى توارثتها الأجيال، والتى تعبر عن شوق المودع وحنينه لهذه الرحلة المقدسة، مثل: يا راحلين إلى منى بقيادى شوقتمو يوم فؤادي سرتم وسار دليلكم يا وحشتى والشوق أقلقنى وصوت الحادي منى السلام مع التحية بلغوا شوقى الشديد للنبى الهادي ثم الصلاة مع السلام مضاعفا وكذا التحية للنبى الهادي ومنها أيضاً ما يُنشد بشكل خاص للنساء المسافرات لأداء الفريضة: حاجة يا حاجة ما تمدى يداك إوعى تخافى يا حاجة دا النبى دعاك وبالرغم من أن السفر بالجمل لم يعد موجوداً الآن، وأن وسائل السفر العصرية من طائرات وسفن وسيارات قد حلت محل السفر بالجمال، لكن الوجدان الشعبى المصرى لا يزال يعتبر أن الأصل هو السفر على ظهر الجمل، لهذا فلا يزال المودعون يتغنون بأناشيد تحمل هذا المعني، مثل: يابو الخُفّ زينه.. يا جمل يا جمل.. يابو الخف زينه.. ورايح فين ياجمل.. دانا رايح اودى الحبيب يزور نبينا. وللنساء أناشيد خاصة عند تجهيز الطعام الذى سيصطحبه الحاج فى رحلته، أبرزها الأغنية الشعبية المعروفة "يا هناه اللى انوعد" التى ترددها النساء فى جماعات تقودها سيدة أو سيدتان، ويرددن فيها: يا ليلة إن برزوا.. وباتوا لبرة و بات قلبي.. فى حنين ويطلب من الله يرجعوا سالمين.. بنصرة من الله يا هناه اللى انوعد.. يا هناه أما العودة فإن لها فى الموروث الشعبى مراسم مختلفة عن السفر، سواء فى طريقة الاستقبال أو الأناشيد أو ما يفعله الحاج نفسه بعد وصوله، فبخلاف توزيع الحاج الهدايا التى أحضرها معه من مكة والمدينة على أهل بيته وجيرانه وأصدقائه مثل ماء زمزم والتمر والسبح والبخور والكحل والسواك وغيرها من الهدايا، يستقبل الأهل والأقارب والجيران الحاج بالنشيد الشهير: سالمة يا سلامة ، والحاج رجع بالسلامة سالمة يا سلامة ، والحاج جانا بالسلامة سالمة يا سلامة ، والحاج عاد لنا بالسلامة سالمة يا سلامة ، سالمة يا سلامة ومن العادات الشعبية المتوارثة إعداد استقبال خاص للحاج بواسطة "الجداريات" أو فن "الجرافيتي"، فيلجأ أهل الحاج إلى استغلال جدران منزله الخارجية فى وضع الرسوم والآيات القرآنية والأحاديث النبوية التى تحمل له التهنئة، وتخبر المارة بوجود "حاج" فى هذا المنزل، ويقوم –عادة- بعمل هذه الجداريات النقاش أو "المبيض" بالاشتراك مع أحد الخطاطين، والرسوم كانت بسيطة وبدائية، يستخدم فيها "الجير" الخاص بطلاء الحوائط، وتصور معالم الحج خاصة الكعبة المشرفة، وفى بعض الأحيان يتم رسم رجل يرتدى ملابس الإحرام كاشفا كتفه الأيمن فى وضع "الاضطباع" هذا إن كان الحاج رجلا، أما لو كانت امرأة فيتم رسم امرأة ترتدى الحجاب الشرعى المعروف فى مصر باسم "الخمار"، ويكون الشخص المرسوم رافعا يديه فى وضع الدعاء، كذلك يتم رسم وسيلة السفر سواء كانت طائرة أو باخرة أو جمل يمسك به رجل بواسطة حبل ويسيران معا (كعلامة على الذهاب للحج مازالت تعيش رغم انتهاج علاقة الجمل الفعلية بالحج)، ويتم كتابة عدد من الآيات القرآنية والأحاديث النبوية والأدعية المرتبطة بالحج، ومن هذه الآيات: الآية الكريمة:«وَللهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنْ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلا»، وأيضا قوله تعالي: «وَأَذِّنْ فِى النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالاً وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ». ومن الأحاديث النبوية الشريفة يكتبون فى جدارياتهم قوله صلى الله عليه وسلم: "من زار قبرى وجبت له شفاعتي"، وقوله: "الحج المبرور ليس له جزاءٌ إلا الجنة". أما الأدعية المشهورة فأبرزها الدعاء للحاج بالقبول: "حجٌّ مبرورٌ, وذنبٌ مغفورٌ, وسعيٌ مشكورٌ يا حاج فلان" . الجدير بالذكر أنه حتى من زمن قريب كان من المعيب على أهل الحاج ألا يقوموا بعمل هذه الجداريات، وكان أصحاب المنازل يرحبون بإقدام المستأجرين على الرسم على جدران المنزل، لكن هذه العادة أصبحت على وشك الانقراض فى الوقت الحالي. ومن الطقوس الشعبية لعودة الحاج من الأراضى المقدسة ما يسمى بالوليمة، وهى عادة فى بعض القرى المصرية، حيث يحتفل الحاج بقدومه بإعداد وليمة تسمى "وليمة النزلة" وذلك بعد عودته من السفر مباشرة، وفى قرى أخرى يعد الحاج "وليمة السبوع" وذلك بعد مرور أسبوع من العودة، وفى قرى أخرى يقيم الحاج الوليمتين، ويكون من المعيب عليه عدم إقامتهما، وعليه أن يدعو فيهما الأقارب والأصدقاء والجيران ويشاركهم الفرحة بعودته سالما مؤديا لفريضة الحج. وربما يكون أشهر وأجمل وأبدع موروث شعبى هو لقب "الحاج" الذى يزين به المصريون من يؤدى فريضة الحج، وهو لقب يفخر به كل من أدى المناسك وارتدى ملابس الإحرام وطاف بالبيت ووقف بعرفة.