انطلاق لقاء الجمعة بحضور 400 طفل في أوقاف القليوبية    القوات المسلحة توقع بروتوكول تعاون مع الأكاديمية الوطنية لتكنولوجيا المعلومات لذوي الإعاقة    مذكرة تفاهم بين مصر وجامبيا للتعاون في إدارة الأنهار المشتركة والتحلية    انطلاق أعمال المؤتمر السنوي الأول لجهاز حماية المنافسة الأحد المقبل    مصر وروسيا تبحثان سبل تعزيز التعاون في مجالات التجارة والصناعة والاستثمار    أمانة حماة الوطن بالقاهرة تكلف عاطف عجلان برئاسة لجنة السياحة    وزير الزراعة يعلن فتح اسواق فنزويلا أمام البرتقال المصري    زيلينسكي في باريس: أوروبا لم تعد قارة للسلام    "الدفاع الروسية": القوات الأوكرانية تقصف لوجانسك ب 5 صواريخ أمريكية    الانتخابات الأوروبية.. هولندا تشهد صراع على السلطة بين اليمين المتطرف ويسار الوسط    ميسي: ريال مدريد أفضل فريق في العالم حاليا.. ولكن    مفاجأة في قائمة منتخب إسبانيا النهائية لبطولة يورو 2024    الداخلية تضبط 323 قضية مخدرات و201 قطعة سلاح ناري وتنفيذ 84093 حكما قضائيا متنوعا خلال 24 ساعة    نسب إشغال متوسطة فى أول جمعة من يونيو على شواطئ الإسكندرية    أمن القاهرة ينقل سيدة مريضة غير قادرة على الحركة للمستشفى لتلقي العلاج    الأردن: بدء تفويج الحجاج لمكة المكرمة    فور اعتمادها.. رابط نتيجة الشهادة الإعدادية محافظة المنوفية 2024 نهاية العام    حلا شيحة تثير الجدل بسبب صورتها مع أحمد سعد    الموسيقات العسكرية تشارك في المهرجان الدولي للطبول والفنون التراثية    خطيب المسجد النبوي: العشر الأوائل من ذي الحجة أفضل أيام العام وتعرضوا فيها لنفحات الله    الأوقاف: افتتاح أول إدارة للدعوة بالعاصمة الإدارية الجديدة    المفتي يوضح حكم الحج بالتقسيط    عيد الأضحى- فئات ممنوعة من تناول الممبار    بروتوكول تعاون لاستقطاب وافدين من أوروبا والخليج للعلاج بمستشفيات «الرعاية الصحية»    إعلان حالة الطوارئ بصحة الوادي الجديد تزامنًا مع الموجة الحارة (صور)    بعد تسجيل أول حالة وفاة به.. ماذا نعرف عن «H5N2» المتحور من إنفلونزا الطيور؟    إخماد حريق داخل محل فى حلوان دون إصابات    بمناسبة عيد الأضحى.. زيارة استثنائية لجميع نزلاء مراكز الإصلاح والتأهيل    الأنبا باخوم يترأس قداس اليوم الثالث من تساعية القديس أنطونيوس البدواني بالظاهر    بعد غيابه عن الملاعب.. الحلفاوي يعلق على مشاركة الشناوي بمباراة بوركينا فاسو    تفاصيل موعد جنازة وعزاء المخرج المسرحي محمد لبيب    في ذكرى ميلاد محمود مرسي.. تعرف على أهم أعماله الفنية    صلاح يفوز بجائزة أفضل لاعب في موسم ليفربول    ‬أبطال المشروع الأولمبي بجنوب سيناء يحصدون مراكز متقدمة في بطولة الجمهورية للملاكمة    أسعار الأسماك اليوم الجمعة 7-6-2024 في الدقهلية    أيام البركة والخير.. أفضل الاعمال في العشر الأوائل من ذي الحجة 1445    أحكام الأضحية.. أقيم مع ابنتي في بيت زوجها فهل تجزئ عنا أُضْحِيَّة واحدة؟    شحاتة يتقدم لمنظمة العمل الدولية بأوراق تصديق مصر على اتفاقية العمل البحري    أكسيوس: فشل اجتماع القاهرة لإعادة فتح معبر رفح    استبعاد كوبارسي وجارسيا ويورينتي من قائمة اسبانيا في اليورو    سعر الدولار يرتفع في 9 بنوك مصرية خلال أسبوع    التعليم العالى: إدراج 15 جامعة مصرية فى تصنيف QS العالمى لعام 2025    «أفضل أعمال العشر الأوائل من ذي الحجة» موضوع خطبة الجمعة اليوم    اليوم.. سلوى عثمان تكشف مواقف تعرضت لها مع عادل إمام في برنامج بالخط العريض    تموين الإسكندرية تشكل غرفة عمليات لمتابعة توافر السلع استعدادا لعيد الأضحى    ضياء السيد: حسام حسن غير طريقة لعب منتخب مصر لرغبته في إشراك كل النجوم    وزيرة الثقافة وسفير اليونان يشهدان «الباليه الوطني» في الأوبرا    يونس: أعضاء قيد "الصحفيين" لم تحدد موعدًا لاستكمال تحت التمرين والمشتغلين    علي عوف: متوسط زيادة أسعار الأدوية 25% بسبب ارتفاع تكاليف الإنتاج    خلاف داخل الناتو بشأن تسمية مشروع دعم جديد لأوكرانيا    إصابة 7 أشخاص إثر انقلاب ميكروباص بالطريق الدائري بالقليوبية    المتحدة للخدمات الإعلامية تعلن تضامنها الكامل مع الإعلامية قصواء الخلالي    مداهمات واقتحامات ليلية من الاحتلال الإسرائيلي لمختلف مناطق الضفة الغربية    توقعات الأبراج اليوم الجمعة 7 يونيو 2024.. ترقيه جديدة ل«الحمل» و«السرطان»يستقبل مولودًا جديدًا    افتتاح المهرجان الختامي لفرق الأقاليم ال46 بمسرح السامر بالعجوزة غدًا    الأوقاف تفتتح 25 مساجد.. اليوم الجمعة    مجلس الزمالك يلبي طلب الطفل الفلسطيني خليل سامح    غانا تعاقب مالي في الوقت القاتل بتصفيات كأس العالم 2026    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



تأملات فى الموت والخلاص والحرية
نشر في الأهرام اليومي يوم 29 - 09 - 2014

يترصد العدم لوجودنا الإنسانى برمته، حيث الموت قائم هنا وهناك، فى ذلك الركن القريب أو القصى من عالمنا، يثير فينا شعورا عميقا بالخوف لا يمكن الهروب منه. لقد أدركت البشرية باكرا أن هناك شيئاً مخيفاً في تدفق الزمن، لغزاً لا تستطيع حله، ولا تستطيع تجاهله فى الوقت نفسه


وإلا هاجمتها مشاعر العبث والقلق، لتقض مضاجعها، وتفترس وجودها، فإذا لم يكن وراء هذه الحياة حياة أخرى، فلابد أن يزداد الحرص على البقاء لأطول مدة، وعلى الاستمتاع بها إلى آخر مدى. ولأن الكثيرين يعجزون عن هذا الاستمتاع لضيق ذات يدهم، أو عن البقاء طويلا بفعل اعتلال صحتهم أو مفاجآت الأقدار لهم، فلابد أن مشاعر الخواء سوف تحيطهم وتسيطر عليهم.
وهنا صارت فكرة (البعث)، ضرورة نفسية وحاجة إنسانية، تطورت بموازاة تطور العقل البشرى، فلكي تكون الحياة إنسانية بكل ما في هذه الكلمة من معني، يجب أن تهدف إلي غايات سامية، تبقى خارج نطاق الوقائع اليومية الضاغطة للحياة البشرية، غايات غير شخصية، تعكس مثلا وقيما فوق مستوي البشر: كالحقيقة والخير والجمال، وغيرها.. فاتصال الإنسان بهذا العالم الخالد، يمده بقوة روحية وسلام نفسي عميق. ومع توالى الرسالات الدينية، صارت الفكرة مفهوما متكاملا، يفسر لنا الوجود برمته ويمنحه المعنى، حيث الغايات الأكثر أصالة لوجودنا، تنجم بالأساس عن الحضور الإلهى فى عالمنا.
وقد بلغ هذا المفهوم من الحيوية في إثراء الحياة الإنسانية، حدا دفع بعض الفلاسفة إلى اعتباره الأكثر أهمية فى صوغ تاريخ الدين، من فكرة «وجود الله» نفسها، على منوال وليم جيمس الذى عبر عن ذلك الفهم بقوله: «إن الدين فى الواقع عند الأغلبية يعنى خلود الروح ليس إلا.. وأن الله هو موجد ذلك الخلود». وكذلك مارتن لوثر الذى قال مساجلا من يرفضون مفهوم البعث: «إذا لم تعتقد فى اليوم الآخر، ما ساوى إلهك عندى شيئا». وقد اتبع بعض الشعراء هذا الرأى مثل الشاعر الرومانسى «تينيسون» الذى أعلن فى شجاعة نادرة: «لو أن خلود الروح غير حقيقى لكان شيطانا مزورا، وليس الله، هو من خلقنا».
وقد ارتبط مفهوم البعث بمفهوم آخر يكمله بقدر ما يترتب عليه، وهو مفهوم (الخلاص) الذى ينبع من شعور المرء بأنه إذا كانت هناك حياة أخرى نصير إليها، فالغاية أن تكون تلك الحياة سعيدة، ما يفرض أن تكون الحياة الأولى أكثر أخلاقية. ورغم أن فكرة الخلاص قديمة قدم الإنسان الأول (البدائى) الذى قدم القرابين، حتى البشرية منها، للآلهة الوثنية، والظواهر الكونية كى تحفظ له وجوده، أو تساعده على كسب قوته، فإنها اكتسبت حضورا طاغيا فى الدين التوحيدى، لأن الأخير يضيف إلى الوعى الإنسانى عالما جديدا هو عالم الغيب، الذي يجعل وجودنا أكثر امتدادا وتكاملا وعمقا. وبحسب الشرائع التوحيدية الثلاث، فإن الخطر الذى يحول دون بلوغ الإنسان غايته الأخلاقية، ومن ثم فقدان المعنى الجوهرى لوجوده، إنما ينبع من مصدرين: أولهما من داخل نفسه، حيث الأخطاء التى يرتكبها والآثام التى يقع فيها. وثانيهما من خارجه، حيث الخطيئة الأصلية التى وقع فيها الجد الأول، وصارت منه بمنزلة القدر المقدور.
مالت المسيحية، مستندة إلى العهد القديم والموروث اليهودى، إلى المصدر الثانى، حيث تمحورت الكنيسة الكاثوليكية حول مفهوم الخطيئة الأصلية، خطيئة آدم، التى أفسدت الطبيعة الإنسانية ذاتها، حتى لم يعد الإنسان قادرا على النجاة بجهده الذاتى مهما بلغت تقواه، بل ثمة فداء ضرورى مطلوب لخلاصه، من كائن أرقى منه، يخلو من خطيئته الأبدية، وهو ما قدمه المسيح عندما صلبت طبيعته الإنسانية، لكل مؤمن مسيحى. وقد استتبع ذلك هيمنة الكنيسة الروحية، باعتبارها جسد المسيح، على قدر المسيحى الدينى، وتسلطها السياسي على عالمه الواقعى. ورغم النزعة الإصلاحية لمارتن لوثر، فإن مذهبه اللاهوتي، الذى اعتبر ثورة احتجاجية على السلطة الكنسية، استمر فى تأكيد على مفهوم التبرير عن طريق الإيمان وحده لا الأعمال، حيث البشر عاجزين عجزاً مطلقاً، مهما فعلوا من طيبات، عن المساهمة في تحقيق الخلاص لأنفسهم، ولا سبيل أمامهم سوى الاعتماد الكامل علي رحمة الله ونعمته، فخلاصهم قرين إدراكهم لعجزهم. .. أما الإسلام، فمال إلى المصدر الأول، حيث الطبيعة الإنسانية غير فاسدة من الأصل، وهنا يكمن الفارق الأهم بين الرواية التوراتية ونظيرتها القرآنية لقصة الخلق، فرغم اتفاقهما على كيد إبليس لآدم، وصولا إلى غوايته وهبوطه إلى الأرض، لا يرى القرآن فى عصيان إبليس خطيئة عارضة فرضت منطقها على مسار الخلق الإلهى، فاجأت الله أو خرجت على مشيئته وإن خالفت أمره ظاهريا فقط، ولا فى غواية آدم خطيئة أصلية تطارد النوع الإنسانى إلى الأبد. بل إن عصيان إبليس ليس إلا ذريعة لتبرير وجود الشر فى عالمنا، كما أن غواية آدم وهبوطه إلى الأرض ليست إلا حدثا يدشن الدراما الكونية، ويضفى المعنى على الوجود الإنسانى، كونه حدثا مزدوج الدلالة: فهو فعل ابتلاء واختبار من ناحية. وهو فعل إرادة وتحرر من ناحية أخرى، ما يبقى الإنسان فى الإسلام قادرا على ممارسة الاختيار، ومن ثم تحقيق الخلاص لنفسه عن طريق عمله الأخلاقى، وكفاحه الذاتى، المترتب بالطبع على الإيمان كأصل ونقطة إبتداء، وذلك من دون عناية مؤسسة تتسم بالوصائية، أو قيادة رجال دين يحترفون الكهنوتية. غير أن وقائع التاريخ وحوداثة سارت فى اتجاهات مناقضة لنقطة البدء التى صاغتها العقيدتان التوحيديتان على صعيد العلاقة بين الإيمان والحرية الإنسانية. فبينما جسد التاريخ الغربى صيرورة تحرر من مفهوم الخلاص المسيحى العقيم، إلى مفاهيم حديثة تؤكد الذات الفردية، ومحورية الإرادة الإنسانية، التى تسعى للإرتقاء والتأثير فى العالم بحسب ما وصفه التنويرى جان جاك روسو «قابلية الإنسان إلى الكمال»، نجد أن التاريخ الإسلامى ليس إلا صيرورة عكسية تتنكر للمفاهيم التحررية الأصيلة عن الإنسان الفرد وخلاصه الشخصى، والكامنة فى صلب التنزيه الإسلامى، إلى مفاهيم اتباعية كهنوتية، تخضع الإيمان للتراث، وتصنع من المشايخ المفترض كونهم محض فقهاء، رجال دين ثم يتحولون إلى أوصياء، وهنا يخضع الإيمان للتراث، وتنمو الكهانة ولو من دون كنيسة!.
لمزيد من مقالات صلاح سالم


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.