الثقة والقوة وجهان لعملة واحدة، فالقوة بمفهومها الشامل تعززها الثقة فى النفس وفيما يمكن انجازه على أرض الواقع وليس على الورق، وأخيرا بدأنا نتابع مشاهد ووقائع تصب كلها فى اتجاه بناء مصر الواثقة. فخلال عهود سابقة افتقدت مصر الثقة، والاستثناء كان أثناء أحداث ولحظات فارقة مجيدة عاصرتها البلاد، مثل حرب أكتوبر، بعدها تتلاشى الثقة تحت ضغط الأزمات والمشكلات اليومية، التى أخفقت حكوماتنا المتتالية فى علاجها، مما تسبب فى تفاقمها واثقال كاهل الأجيال التالية بها، علاوة على أن الحاكم كان مشغولا بمعادلة المحافظة على كرسى السلطة أكثر من اكتشاف مواطن وقدرات تزيد من جرعات الثقة، والنتيجة كانت طحن المواطن اقتصاديا واجتماعيا وصحيا وسياسيا. لذلك كنا فى الغالب نساير ونتبع ما تقرره أمريكا والغرب، لأننا كنا غير واثقين فيما يمكننا فعله، واجبار القوى الكبرى على الصعيدين الدولى والاقليمى على النظر إلينا بعين الاعتبار والتقدير وعدم معاملتنا كتابع عليه الالتزام بعدم الخروج عن النص، والتقيد بما يطلب منه عمله على طوال الخط. وعندما اهتزت قاعة الأممالمتحدة مساء الأربعاء الماضى بهتاف « تحيا مصر « الذى أنهى به الرئيس عبد الفتاح السيسى، كلمة مصر أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة، وردده من خلفه الحضور، كان ذلك إيذانا ببزوغ فجر مصر الواثقة. فصوت المحروسة القوى فى المنظمة الدولية كان رسالة بعلم الوصول للأسرة الدولية فحواها أن هذا البلد لن يسقط وقادر على استعادة توازنه والنهوض من كبوته بسرعة سوف تدهش الكثيرين، وأنه لن ينكسر تحت وطأة ضربات الإرهاب الجبان الخسيس. بالإضافة إلى أن أرض الكنانة ستظل دوما عنوانا للتسامح والمودة والتعايش، والنموذج الحضارى للدولة الوطنية بكل ما تعنيه هذه الكلمة من معان ومفاهيم وحقوق وواجبات، وهو عكس ما كانت جماعة الإخوان الإرهابية تعمل من أجله خلال عامها الكئيب المظلم فى الحكم، فقد عمدت لبث روح الفرقة والخلاف بين المصريين ولم تكن تهتم بفكرة الوطن الجامع، فهى أرادت وطنا للإخوان ومناصريهم وليس لعموم المصريين بصرف النظر عن توجههم السياسى وعقيدتهم الدينية. أيضا فقد كان صوت مصر القوى فى المنظمة الدولية إشارة عميقة لا تخطئها عين المراقب على أن هذا البلد لن يكون تابعا ولا منفذا سوى لأجندته الوطنية المحضة، وأن من يتعامل معه عليه تذكر تلك الحقيقة المهمة، وأن الندية ستكون العنوان العريض والأبرز الذى ستتحرك عبره القاهرة فى تعاملاتها مع الجميع، وتأكيد أن مصر منفتحة على التعاون مع الكل، شريطة عدم التدخل فى الشأن الداخلي. إذن كيف سيصبح بمقدورنا تدعيم مصر الواثقة ورصيدها؟ أولا:علينا كمصريين عدم التوقف أمام الصغائر وتوافه الأمور، حتى لا تعوقنا عن التقدم، وسأضرب مثالا ربما لا يرضى بقبوله كثيرون ويخص الضجيج المثار حاليا، فى أعقاب الخطاب الرديء للرئيس التركى طيب أردوغان فى الجمعية العامة، وحديثه الفج الوقح عن بلادنا، نعم يحق لنا أن نغضب ونرد عليه رسميا بما يستحقه من التقريع على تطاوله، ولكن بدون الاسراف فى اطلاق دعوات مقاطعة للمنتجات والمسلسلات التركية، فالخصومة ليست مع الشعب التركى بل مع شخص يعانى من عقدة مستعصية من مصر. ولابد من وضع هذا فى اعتبارنا، فالرؤساء غير مخلدين وسوف يرحلون عن مناصبهم فى وقت ما طال أم قصر. ذات القاعدة تسرى بدورها على قطر، فحكامها يكرهون مصرنا ويشعرون بضآلتهم إلى جوارها مما يدفعهم للكيد لها والتآمر عليها واستضافة قيادات الإخوان على أراضيها، فلنضع حدا فاصلا واضحا بين النقد المباح وبين الردح والحديث عن عورات وفضائح لا يليق بكبير التطرق إليها. ثانيا: من واجب الإعلام الوطنى العمل من أجل غاية دعم الثقة، فبعض وسائل الإعلام لا شاغل لها ليلا ونهارا سوى زعزعة الثقة فى الحاضر والمستقبل، ورسم صورة قاتمة حالكة السواد لما نحن فيه، لا نزعم أن واقعنا ورديا ومزدهرا، لكن الفارق شاسع بين التبصير بالحقائق وجوانب القصور والعيوب، ودهس روح العزيمة والتفاؤل والأمل. كذلك على نفر من الإعلاميين الذين تخلوا عن مهمتهم ودورهم الأصلى وتوهموا أنهم زعماء وقادة نجحوا فى تحريك الشارع وباستطاعتهم تحريكه فى أى لحظة يختارونها بدون أن يفطنوا إلى أن القارئ والمشاهد لديهما القدر الكافى من الذكاء الذى يمكنهما من كشف حقيقة هذا المذيع أو ذلك الكاتب الصحفى ومن منهم صادق فيما يقوله ويكتبه، ومن يتاجر ويسعى لمصالح شخصية تخدم الممولين لبرامجهم وصحفهم السيارة. ثالثا: حتى نجعل من الثقة عادة وطنية فمن اللازم تغيير مناهجنا التعليمية البالية، فنحن نريد مناهج تسهم فى إعداد شخصية قوية متمتعة بالثقة وليس كائنات جل هدفها حفظ مجموعة من السطور لا تقدم ولا تؤخر، ولا يبقى منها فى ذهن التلميذ إلا أقل القليل بدون أن يستفيد منها قيد انملة، وتكون شخصية مهزوزة ضعيفة غير واثقة. لنجعل من مصر الواثقة بكل مكوناتها وتنوعاتها شعار نرفعه فى كل حين، فالثقة ستفتح لنا الأبواب المغلقة وستعطى الناس الرجاء فى أن القادم أفضل أن شاء الله. لمزيد من مقالات محمد إبراهيم الدسوقي