بات فيروس "الإيبولا" القاتل خطرا محدقا على اقتصاد العالم عامة، والإفريقى منه خاصة، لاسيما دول غرب تلك القارة السمراء (غينياوليبيريا وسيراليون ونيجيريا) المصاب بعض أبنائها بهذا الوباء الفتاك، وذلك نظرا لما له عليها من آثار سلبية كتراجع عدد الرحلات الجوية وربما أحيانا توقفها تماما، وضعف حركتى التداول الداخلى والتبادل الخارجى لها، فضلا عن خسائر مادية فادحة يتم ضخها فى شكل مساعدات إنسانية عاجلة إليها. وأدى ذلك لتناقص جحم الصادرات والوردات منها وإليها وأضحى ينذر كذلك بحتمية تراجع معدلات النمو العالمى مع اقتراب انتهاء الربع النهائى للعام المالى الحالي، خاصة عقب التراجع الفعلى لنظيره المحلى بكل من هذه الدول التى باتت شبه منعزلة عن العالم الخارجى بسبب تفشى هذا الوباء وتخوف نظيراتها الأخرى من إمكانية وصوله إليها فى حالة عدم توخى الحذر الكامل فى التعامل معها. ونظرا لإدراك المؤسسات المالية العالمية لآثار الوباء السلبية على الاقتصاديات الدولية، أصدر البنك الدولى تحليلا عن "الإيبولا" يؤكد أنه فى حالة استمرار الفيرس فى الانتشار بالبلدان الثلاثة الأكثر تضررا (غينياوليبيريا وسيراليون)، فإن أثره الاقتصادى يمكن أن يزيد لثمانية أضعاف، ليوجه ضربة من المحتمل أن تكون "كارثية" لهذه البلدان الهشة اقتصادياتها بالفعل. واستخدم التحليل سيناريوهين بديلين لتقييم حجم الآثار الاقتصادية للوباء داخل البلدان الثلاثة المصابة به على المدى المتوسط حتى نهاية 2015، أولاهما يعرف باسم"الانتشار المنخفض للإيبولا"، والثانى ب"الانتشار الواسع للإيبولا". ووفقا للسيناريو الأول، يقدر التحليل الأثر السلبى للوباء على الناتج المحلى الإجمالى فى غينيا على المدى القصير بنسبة 2٫1٪، مما سيؤدى لخفض معدلات النمو بها إلى ما بين 2٫4 إلى 4٫5٪، كما سيؤثر على نظيره بليبيريا بنسبة 3٫4٪، مما سيخفض معدلات النمو بها من 2٫5٪ إلى 5٫9٪، بينما سيؤثر على نظيريهما بسيراليون بنسبة تتراوح ما بين 2٫5 إلى 5٫9٪، مما سيخفض معدل النمو بها إلى ما يقرب من 3٫11٪. ويقدر التحليل قيمة الفاقد من الناتج المحلى للدول الثلاثة ب 359 مليون دولار بأسعار العام الحالي. ووفقا للسيناريو الثاني، إذا لم يتم احتواء الوباء، فإن هذه التقديرات سترتفع إلى ما يصل إلى 809 ملايين دولار بالبلدان الثلاث وحدها، حيث من المتوقع أن يتأثر حينها الناتج المحلى بليبيريا - الدولة الأكثر تضرراً- بنسبة 11٫7٪ خلال العام المقبل، مما سيقلل معدلات النمو بها لما بين 4٫9٪ و 6٫8% وخلص التحليل إلى أن أكبر الآثار الاقتصادية للأزمة ليست نتيجة للتكاليف المباشرة كالوفيات والإصابة بالمرض وتوفير الرعاية والخسائر المرتبطة بأيام العمل بل نظرا للتكاليف الناشئة عن سلوك النفور بدافع الخوف من الإصابة بالعدوي. ويؤدى هذا بدوره إلى الخوف من التجمع والاختلاط بالآخرين ويقلل من مشاركة القوى العاملة ويغلق أماكن العمل ويعطل وسائل النقل ويدفع بعض صناع القرار فى الحكومة والقطاع الخاص إلى إغلاق الموانئ البحرية والمطارات. على صعيد متصل، حذر جيرى رايس متحدث باسم صندوق النقد الدولى مؤخرا من ازدياد تفشى الوباء، ومن أنه من المرجح أن يؤدى إلى تراجع حاد للنمو الاقتصادى فى الدول الثلاث، مما سيزيد بدوره من احتياجات التمويل الدولى بها. وكان الدعم الدولى الأكبر، عندما أصدر مجلس الأمن الدولى قرارا بالإجماع يدعو للتحرك لوقف التفشى المرعب للفيرس، معتبرا أنه يمثل "تهديدا للسلم والأمن الدوليين"، وخاصة مع إعلان منظمة الصحة العالمية عن اقتراب حصيلة ضحايا الوباء من 3 آلاف قتيل و6 آلاف مصاب فى دول العدوي، موضحة أنه لا توجد إشارات على تباطؤ انتشاره. كما أكد بوكار تيجانى الممثل الإقليمى لأفريقيا بمنظمة الأغذية والزراعة التابعة للأمم المتحدة"الفاو"، فى بيان "أن انعدام الأمن الغذائى سيتفاقم خلال الأشهر المقبلة، نظرا لتعرض موسم الحصاد الرئيسى الآن لخطر وفرض قيود صارمة على التبادل التجارى وحركة البضائع". وأعلن دونالد كابيروكا رئيس البنك الأفريقى للتنمية إنشاء صندوق بقيمة 60 مليون دولار للدول المصابة، واصفا الإيبولا بأنها "لا تمثل أزمة صحية عامة فقط بل اقتصادية أيضا تطال قطاعات عديدة". ويحذر خبراء من أن العوامل النفسية تؤثر على الاقتصاد، وخصوصا مع ازدياد شدة الوباء، حيث يؤكد فيليب أوجون مدير البحث المكلف بأفريقيا فى معهد العلاقات الدولية والاستراتيجية أن "مبدأ الوقاية من المرض" ستؤدى نتيجته إلى انخفاض فى الإنتاج لأن اقتصادات غرب أفريقيا تعتمد كثيرا على الشركات الكبرى لتصدير منتجاتها، ويقول أيضا إن الوباء يمكن أن "يعزز فكرة أن غينيا وسيراليون وليبيريا دول العيش فيها خطير بسبب أمراض مثل الإيدز والإيبولا". وعلى الصعيد المحلي، يؤكد مسئولون فى دول الإصابة تباطؤ حركة البضائع نظرا لوقوع أقسام من ليبيريا وسيراليون تحت الحجر الصحى وإغلاق حدود السنغالوغينيا، فضلا عن معاناة ميزانياتها الوطنية من ضغوط ارتفاع نفقات الرعاية الصحية وانخفاض الإيرادات الحكومية وتضرر المنتجات الزراعية. وللوقوف على حجم الخسائر الناجمة عن الإيبولا، أصدرت وزارة المالية بسيراليون على سبيل المثال تقريرا مفصلا للآثار الاقتصادية للفيروس، متوقعة انخفاضا ملحوظا لعدد المزارعين فضلا عن خسارة الموسم الزراعى بأكمله وانخفاض إنتاجه بمعدل الثلث. وفى العاصمة فريتاون، لم يعد سوى القليل من النزلاء بفنادق ومطاعم تلبى احتياجات المغتربين الذين تعد اقامتهم حيوية لاقتصاد هذا البلد الذى انخفضت معدلات إشغال الفنادق به بنسبة 40٪. ووسط هذه الأخبار غير السارة، يبدى العالم البلجيكى بيتر بيوت مكتشف الفيرس تخوفه من احتمال وصول الوباء لأماكن أخرى بالعالم، فى مقدمتها الهند، حيث من الممكن أن يصاب أحد الهنود العاملين بغرب أفريقيا ثم يعدو لزيارة أقاربه فى بلاده وبالتالى ينتقل المرض إلى هناك، مضيفا أن الوباء وصل لحد الكارثة الإنسانية بأفريقيا. وبناء على هذا الطرح، فإنه فى حالة وصول الوباء إلى الهند فسيعنى ذلك أن خمس سكان العالم سيصبحون فى معزل عن التعامل مع الآخرين، كما سيؤدى إلى تراجع حقيقى فى معدلات النمو الاقتصادى العالمى التى هى بطبيعة الحال تعانى الآن من تراجع فعلي. وتتمثل النقطة الكارثية فى حدوث أزمة اقتصادية أشبه بالأزمة المالية التى ضربت العالم فى 2008 أو ربما أفدح منها. ولا شك فى أن التحرك الدولى المكثف المتمثل فى تقديم مساعدات ضخمة للدول المصابة بالوباء لاحتوائه وللحيلولة دون انتشاره واكتشاف طرق لعلاجه ليعكس مدى إدراك العالم لخطورته على الاقتصاد الدولى وتأثيراته على معدلات النمو. .. فمن سيسبق الآخر الوباء أم الاحتواء؟