استجابة ل«هويدا الجبالي».. إدراج صحة الطفل والإعاقات في نقابة الأطباء    بنك مصر يشارك في 26 عملية تمويلية ب246.7 مليار جنيه خلال 2023    الاتحاد من أجل المتوسط: مؤتمر الاستجابة لغزة عكس مواقف مصر نحو القضية الفلسطينية    وزير الخارجية الأمريكي: لن نسمح لحماس بتقرير مصير غزة بعد انتهاء الحرب    بعد غياب 34 يوما| الأهلي جاهز لعودة الدوري بمواجهة فاركو غداً    رغم أزمته مع لجنة الحكام، قمر الدولة يحكم مباراة الحدود ومنتخب السويس    اتحاد الكرة يرد على تصريحات رئيس إنبي    "يورو 2024".. بطولة تحطيم الأرقام القياسية    أخبار مصر.. تأجيل محاكمة سفاح التجمع الخامس ل16 يوليو فى جلسة سرية    تسلل ليلًا إلى شقتها.. ضبط المتهم بقتل عجوز شبرا لسرقة ذهبها وأموالها    سفير مصر بالكويت: حالة المصاب المصرى جراء حريق عقار مستقرة    محمد الشرنوبي يطرح أغنيته الجديدة "استغنينا" (فيديو)    وزارة الصحة تتابع مشروع تطوير مستشفى معهد ناصر وتوجه بتسريع وتيرة العمل    جامعة بنها ضمن أفضل 10 جامعات على مستوى العالم    البنك الأهلي يحصل على شهادة ISO 9001 في الامداد اللوجيستي من المواصفات البريطانية    يورو 2024| ألمانيا يبدأ المغامرة وصراع ثلاثي لخطف وصافة المجموعة الأولى.. فيديوجراف    إجازة المشاهير| «وفاء» هتحضر أكلة شهية و«نبيلة» هتفرق العيدية    السبت أم الأحد..الإفتاء تحدد موعد وقفة عرفة رسميًا    بلغت السن المحدد وخالية من العيوب.. الإفتاء توضح شروط أضحية العيد    ندوة مركز بحوث الشرطة لمواجهة الأفكار الهدامة توصى بنشر الوعي والتصدي بقوة للشائعات    مجدي البدوي: «التنسيقية» نجحت في وضع قواعد جديدة للعمل السياسي    بلينكن: نعمل مع شركائنا فى مصر وقطر للتوصل لاتفاق بشأن الصفقة الجديدة    المدارس المصرية اليابانية: تحديد موعد المقابلات الشخصية خلال أيام    أبو الغيط: استمرار الصراع فى السودان سيؤدى إلى انهيار الدولة    حملات مكثفة بالإسكندرية لمنع إقامة شوادر لذبح الأضاحي في الشوارع    7 نصائح للوقاية من مشاكل الهضم في الطقس الحار    محافظ المنيا يشدد على تكثيف المرور ومتابعة الوحدات الصحية    القوات المسلحة توزع كميات كبيرة من الحصص الغذائية بنصف الثمن بمختلف محافظات    بالأسعار.. طرح سيارات XPENG الكهربائية لأول مرة رسميًا في مصر    مبابي: أحلم بالكرة الذهبية مع ريال مدريد    "سيبوني أشوف حالي".. شوبير يكشف قرارا صادما ضد محترف الأهلي    10 آلاف طن يوميًا.. ملياردير أسترالي يقترح خطة لإدخال المساعدات إلى غزة (فيديو)    مراسل القاهرة الإخبارية من معبر رفح: إسرائيل تواصل تعنتها وتمنع دخول المساعدات لغزة    جامعة سوهاج: مكافأة 1000 جنيه بمناسبة عيد الأضحى لجميع العاملين بالجامعة    أسماء جلال تتألق بفستان «سماوي قصير» في العرض الخاص ل«ولاد رزق 3»    وفاة الطفل يحي: قصة ونصائح للوقاية    القوات المسلحة تنظم مراسم تسليم الأطراف التعويضية لعدد من ضحايا الألغام ومخلفات الحروب السابقة    إصابة 3 طلاب في الثانوية العامة بكفرالشيخ بارتفاع في درجة الحرارة والإغماء    مواعيد تشغيل القطار الكهربائي الخفيف ART خلال إجازة عيد الأضحى 2024    الجلسة الثالثة من منتدى البنك الأول للتنمية تناقش جهود مصر لتصبح مركزا لوجيستيا عالميا    أيمن عاشور: مصر تسعى لتعزيز التعاون مع دول البريكس في مجال التعليم العالي والبحث العلمي    مساعد وزير الصحة لشئون الطب الوقائي يعقد اجتماعا موسعا بقيادات مطروح    «أوقاف شمال سيناء» تقيم نموذج محاكاه لتعليم الأطفال مناسك الحج    وزير الإسكان يوجه بدفع العمل في مشروعات تنمية المدن الجديدة    عفو رئاسي عن بعض المحكوم عليهم بمناسبة عيد الأضحى 2024    إي اف چي هيرميس تنجح في إتمام خدماتها الاستشارية لصفقة الطرح المسوّق بالكامل لشركة «أرامكو» بقيمة 11 مليار دولار في سوق الأسهم السعودية    «الأوقاف» تحدد ضوابط صلاة عيد الأضحى وتشكل غرفة عمليات ولجنة بكل مديرية    الأرصاد تكشف عن طقس أول أيام عيد الأضحي المبارك    رئيس الحكومة يدعو كاتبات «صباح الخير» لزيارته الحلقة السابعة    "مقام إبراهيم"... آية بينة ومصلى للطائفين والعاكفين والركع السجود    اليونيسف: مقتل 6 أطفال فى الفاشر السودانية.. والآلاف محاصرون وسط القتال    نصائح لمرضى الكوليسترول المرتفع عند تناول اللحوم خلال عيد الأضحى    وزير الدفاع الألماني يعتزم الكشف عن مقترح للخدمة العسكرية الإلزامية    حبس شقيق كهربا في واقعة التعدي علي رضا البحراوي    النمسا تجري الانتخابات البرلمانية في 29 سبتمبر المقبل    زواج شيرين من رجل أعمال خارج الوسط الفني    «اتحاد الكرة»: «محدش باع» حازم إمام وهو حزين لهذا السبب    حظك اليوم برج القوس الأربعاء 12-6-2024 على الصعيدين المهني والعاطفي    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



السيسي... لغة وطنية ورؤية عالمية
نشر في الأهرام اليومي يوم 28 - 09 - 2014

ذات مرة تحدث الروائي والكاتب المسرحي الأمريكي الكبير «أرثر ميلر» فقال، إن العصور تنتهي بانتهاء أحلامها السياسية، وعليه فإنه حال عكس اتجاه العبارة يمكننا القول أن العصور تبدأ كذلك مع بداية أحلامها السياسية، وهو قول يصدق ولا شك علي ما فعله الرئيس السيسي في كلمته أمام الجمعية العمومية للأمم المتحدة التاسعة والستين التي عقدت في نيويورك الأسبوع الماضي.
لم يكن خطاب السيسي باسم مصر زلغة خشبيةس Langue de bois أي أنه لم يكن حديثا لا يحتوي علي قيمة أو رصيد في الواقع، كما لم يكن خطابا أيديولوجيا موهما وموغلا في الزيف أو الاختبار وراء فلسفة الغموض البناء، تلك التي تحمل المرء الاعتقاد في الشيء ونقيضه مرة واحدة، بل كان خطابا وطنيا باقتدار وعالمي الرؤية بامتياز.
علي أن قائلا يقول إن السيسي ليس هو كاتب الخطاب، وعليه فالفضل ليس له، إلا أن هذه فرية مردودة، فالرجل من حيث المبتدأ هو من يعطي لكاتب الخطاب أبعاد الرؤية التي يتطلع إليها في خطابه، ثم وهذا هو الأهم أن «لغة جسد» السيسي أثناء إلقاء الخطاب، كانت تؤكد وبلا حدود إيمانه المطلق بكل كلمة ينطق بها، الأمر الذي انعكس علي سامعيه، ما جعل تصفيق الحضور له ووقوفهم احتراما وتقديرا مشهدا غير مسبوق في صالة الجمعية العمومية، منذ عقود طوال. منذ العام 1989 ورئيس مصر يغيب عن ساحة هذا اللقاء العالمي، وقد كان حضور الرئيس السيسي عود أحمد لمصر، عبر رئيس مثلت كلمته قمة المصالحة مع الذات، دون إظهار عداوات أو إبداء حزازات، بل تسامح وتصالح إلي أبعد حد ومد، لغة صافية راقية، تليق بالفعل بواحد من أبناء شعب مصر العظيم، مهد الحضارة الإنسانية .
أول ما يلفت النظر في الداخل المصري، وما جعل جموع المصريين يبيتون ليلة الخطاب في حالة من «الشوفينية» المصرية العالية جدا، قناعة السيسي بأن الشعب المصري هو «القائد والمعلم» الذي يستحق التحية والتقدير، أليس هو الشعب الذي أبهر العالم مرتين، واحدة عندما ثار ضد الفساد وسلطة الفرد، وأخري عندما تمسك بهويته، وتحصن بوطنيته فثأر ضد الاقصاء، رافضا الرضوخ لطغيان فئة باسم الدين؟ قبل سفره إلي نيويورك ارتفعت أصوات عدة تطالب السيسي بأن يلغي الزيارة خوفا علي حياته، لكن بدا واضحا أن الرجل لديه قناعة مطلقة بأن عليه أن يقدم للمجتمع العالمي مصر التي قاد طريقها الجديد، بملامح التنوير لا الاظلام، بطريقها نحو المدنية والديمقراطية، مصر في بعثها الجديد، بعيدا جدا عن مصر المعروفة عبر «كتاب الموتى».
ذهب السيسي إلي الأمم المتحدة منتصرا مرفوع الرأس مرتين، مرة عبر انتخابه بملايين من أصوات المصريين ، وبانتصار اقتصادي واضح للعيان، انتصار يمثل قمة الفخار الوطني، يتمثل في قناة السويس الجديدة، هدية مصر للعالم برمته، مصر الواعدة التي نامت كثيرا، وحين استيقظت بدأ وكأنها تأمر الجبل أن ينتقل وينطرح في البحر فيصيخ السمع ويفعل ما يؤمر به.يري السيسي أن مصر لا تفعل ذلك إرضاء لأحد، فقد باتت مصر وبامتياز منذ 30 يونيو دولة «ذاتية الرأس» لا تبعية لها لأحد حول العالم شرقا أو غربا، انما تفعل ما هي فاعلة لتحقيق فلسفة زالعقد الاجتماعيس التي بلورها المفكر الفرنسي الكبير زجان جاك روسوس عبر عقود طوال، عقد للبناء من أجل الأجيال الحاضرة، وللإشراق والاستقلال فيما خص أبناء الغد من المصريين.علي أن مصر الشعب المفطور علي محبة الحرف، وعشق الحرية واحتراف الحضارة، لا تغلق أبوابها أمام العالم، بل إن رؤيتها للعلاقات الدولية، تقوم علي الانفتاح علي الجميع، في احترام متبادل لمبادئ القانون والمعاهدات والمواثيق الدولية، ومراعاة المصالح المشتركة والمنفعة المتبادلة.
في فورة الغليان لا ينبغي أن ننجرف، بل واجبنا علي العكس، أن نقوم المشاعر الخاطئة، ونهذب الانفعالات الجامحة، هذا ما لجأ إليه السيسي في نظرته للقارة الإفريقية، فعوضا عن العمق الإفريقي، وجدنا الرجل يتحدث عن التضامن والرخاء الذي يجمع بين شعوبها، كما رأيناه يتحدث بالموضوعية ذاتها عن التحديات التي تواجهها، ما يفرض علي الجميع العمل بمزيد من الجد ووضوح الرؤية لتحقيق طموحات شعوب تلك السمراء في الحال والاستقبال، بوصفنا جزءا منها .أجمل ما في كلمة السيسي، وما مكنه من كسب قلوب الحاضرين هو إغراقه في الوطنية دون تعارض مع العالمية، فقد أظهر ملامح المواطن العالمي، الذي يحمل للبشر ولشعوب الأرض المحبة والسلام، والذي ينشد أن تسود مبادئ الإنسانية وقيم التسامح والعيش المشترك، في زمن قاطعي الرءوس، ومهددي الآمنين. إنها مصر تلك السبيكة الحضارية الإنسانية غير المسبوقة، بهويتها العربية الآنية وجذورها الإفريقية الأصلية، مصر مهد حضارة المتوسط، وحاملة مشعل تنوير الإسلام المعتدل.
لم يكن غريبا إذن التقدير العالمي لتلك الكلمة، لقد تحدث السيسي لغة يفهمها العالم الحر الساعي نحو السلام لا الخصام، وقد بلغت عمق أفئدة السامعين وعقولهم لحثها علي الاتفاق عوضا عن الافتراق، لغة طوباوية، قريبة الشبه جدا من اليوتوبية.. إنها بداية عصر سياسي مصري جديد بقيادة رجل يعلم كيف يضع ويموضع الكلمات، تلك التي ينطق بها ليمنطق التاريخ من بعد.. صفحة جديدة من صفحات مصر الولادة.
لمزيد من مقالات إميل أمين


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.