وزير الأوقاف يوجه الشكر للرئيس السيسي لافتتاحه مسجد السيدة زينب    يؤديها 35 ألف طالبًا وطالبة.. انتظام امتحانات نهاية العام بالوادي الجديد (صور)    إجلاء أكثر من أربعة آلاف شخص من منطقة خاركيف الأوكرانية    20 صورة ساحرة.. ماذا فعلت العاصفة الشمسية في الأرض؟    تأهل 4 لاعبين مصريين للجولة الثالثة من بطولة العالم للإسكواش    أبو مسلم: العلاقة بين كولر وبيرسي تاو وصلت لطريق مسدود    اختلت عجلة القيادة.. مصرع سائق في حادث بسوهاج    نقل 11 مصابا في حادث سير لمستشفى ديرب نجم    أسامة كمال عن أزمة تصوير الجنازات: هل المواطن يستمتع ب مشاهدة الصراخ والبكاء؟ أين حُرمة المتوفي واللحظة؟    18 مايو.. متاحف الآثار تفتح أبوابها للزيارة مجانا    حكم أخذ قرض لشراء سيارة؟.. أمين الفتوى يوضح    اليوم.. تشريعية الشيوخ تستكمل مناقشة تطبيق القانون المدني على عقود الإيجار    مصر لديها أكبر عدد للواعظات فى العالم بواقع 691 واعظة .. الوعظ النسائى قصص وحكايات ترويها واعظات الأوقاف    فصائل فلسطينية: قصفنا حشود الاحتلال الإسرائيلي المتوغلة شرق رفح    الدفاعات الأوكرانية تدمر خمس طائرات استطلاع روسية في خيرسون وميكوليف    الأمين العام للأمم المتحدة يدعو إلى وقف فوري لإطلاق النار في غزة    الرئيس الأمريكي يعزي البرازيل في ضحايا الفيضانات    وزير التعليم العالي : 7 مستشفيات تابعة للجامعات الخاصة في مرحلة متقدمة من الإنشاء والتجهيز    أسعار اللحوم اليوم الأحد 12-5-2024 في الأسواق ومحال الجزارة بقنا    خالد الغندور: 3 لاعبين في الأهلي بيشجعوا زملكاوية    حارس باريس سان جيرمان يعلن الرحيل رسميًا    رئيس الوزراء يشهد الجلسة الافتتاحية لفعاليات «يوم مؤسسة التمويل الدولية»    بدء تسليم دفعة جديدة من وحدات «سكن مصر» بالقاهرة الجديدة    حالة الطقس اليوم الأحد 12-5-2024 في محافظة قنا    تفاصيل مصرع ربة منزل وطفلتها في انقلاب موتوسيكل بترعة بأطفيح    جدول مواعيد القطار الأسرع في مصر والقطارات المكيفة على خط «القاهرة - أسوان»    أسعار السلع التموينية اليوم الأحد 12-5-2024 في محافظة قنا    المالية: تبكير مواعيد صرف مرتبات يونيه للعاملين بالدولة    سلطان طائفة البهرة: أقدر مساعي أجهزة الدولة المصرية لإنارة بيوت الله    حظك اليوم وتوقعات الأبراج 12 مايو 2024: مشاكل ل«الثور» ومكاسب مالية ل«الحوت»    فيلم "السرب" يتربع على إيرادات شباك التذاكر خلال 12 يوم    الاحتلال يحاصر النازحين بمراكز الإيواء التابعة للأونروا فى مخيم جباليا    مشتريات عربية تقود صعود مؤشرات البورصة في مستهل تداولات الأسبوع    خريطة دينية للارتقاء بحياة المواطن التربية على حب الغير أول مبادئ إعداد الأسرة اجتماعيا "2"    توقيع بروتوكول تعاون بين محافظة القليوبية وجامعة بنها    السيطرة على حريق نشب فى عشش بمنطقة البساتين    «المالية»: تبكير مواعيد مرتبات صرف يونيه للعاملين بالدولة بمناسبة إغلاق السنة المالية وعيد الأضحى    «صحة مطروح» تطلق قافلة طبية مجانية بقرية زاوية العوامة بالضبعة.. غدًا    اليوم.. «تضامن النواب» تناقش موازنة المركز القومي للبحوث الجنائية    اليوم .. وزارة الداخلية تُعلن شروط قبول الدفعة العاشرة من معاوني الأمن (تفاصيل)    ترتيب الدوري السعودي الإلكتروني للعبة ببجي موبايل    السيسي: أهل البيت عندما بحثوا عن أمان ومكان للاستقرار كانت وجهتهم مصر (فيديو)    موعد عيد الأضحى المبارك 1445ه: تفاصيل الإجازة وموعد وقفة عرفات 2024    60 دقيقة متوسط تأخيرات القطارات بمحافظات الصعيد.. الأحد 12 مايو    إسلام بحيري يرد على سبب تسميه مركز "تكوين الفكر العربي" ومطالب إغلاقه    أخبار مصر: رد إسلام بحيري على محمد حسان وعلاء مبارك، نجاة فتاة بأعجوبة من حريق بالأميرية، قصة موقع يطارد مصرية بسبب غزة    المجلس الاقتصادى والاجتماعى يواصل التحضير للقمة العربية بالانعقاد اليوم على المستوى الوزارى.. خطة الاستجابة الطارئة للعدوان على غزة تحظى بزخم كبير.. ومندوب فلسطين يكشف تفاصيلها.. واهتمام بالغ بالتحول الرقمى    الرئيس السيسى من مسجد السيدة زينب: ربنا أكرم مصر بأن تكون الأمان لآل بيت النبى    رئيس جامعة حلوان يفتتح معرض "الإبداع في التصميم التنفيذي للمنشآت الخشبية الخفيفة"    مصرع شاب في حادث تصادم بطريق شبرا بنها – الحر في القليوبية    مش هروحه تاني، باسم سمرة يروي قصة طريفة حدثت له بمهرجان شهير بالسويد (فيديو)    ما حكم الحج عن المتوفى إذا كان مال تركته لا يكفي؟.. دار الإفتاء تجيب    وزير الرياضة يفتتح أعمال تطوير المدينة الشبابية الدولية بالأقصر    ما التحديات والخطورة من زيادة الوزن والسمنة؟    علي الدين هلال: المصلحة الوطنية لكل دولة عربية الحفاظ على استقرار المنطقة    عمرو أديب ل إسلام بحيري: الناس تثق في كلام إبراهيم عيسى أم محمد حسان؟    الصحة تعلق على قرار أسترازينيكا بسحب لقاحاتها من مصر    ملف رياضة مصراوي.. مذكرة احتجاج الأهلي.. تصريحات مدرب الزمالك.. وفوز الأحمر المثير    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



بريد الجمعة يكتبه : أحمد البرى
النظرات القاتلة!
نشر في الأهرام اليومي يوم 25 - 09 - 2014

فى لحظة من العمر يتوقف المرء مع نفسه، ويسترجع ما مر به من مواقف وأحداث،
وقد يعيد حساباته، ويصحح مساره معترفا بأخطائه، وبتجاهله النصائح التى أسديت إليه فى حينها، ووجدتنى أعيش هذه اللحظة بكل ما فيها من دموع وندم، ودعنى أروى لك قصتى منذ البداية، فأنا سيدة فى سن الثالثة والثلاثين، نشأت فى أسرة ريفية، لأب حاصل على مؤهل عال، وأم لم تكمل تعليمها، إذ توقفت عن الدراسة بعد حصولها على الشهادة الإعدادية، ولى شقيقان، وأنا الصغرى، ومنذ أن وعيت على الدنيا، وجدت أبى مسافرا إلى الخارج، حيث جاءه عقد عمل، عقب أدائه الخدمة الوطنية، واستقرت به الحال فى السعودية، وقد تزوج من والدتى فى إحدى إجازاته، وواظب على السفر طوال العام، والعودة إلى مصر فى إجازة سنوية لمدة شهر، وهكذا افتقدت حنانه الذى لم يكن لى ولا لشقيقىّ نصيب فيه، وأوكل أمرنا إلى والدتنا التى اتسمت معاملتها لنا بالغلظة والشدة، ظنا منها أن أى لين فى المعاملة قد يفسد أخلاقنا، وكبرت، والتحقت بالمدرسة الإعدادية، وربطتنى صداقة قوية بزميلة لى، ودأب أبوها، وهو صديق لأبى، على الاهتمام بشئوننا، وزيارتنا بانتظام، وكان يعمل مدرسا، وشيئا فشيئا، ومع دخولى المرحلة الثانوية طلب أن يعطينى درسا خصوصيا مع ابنته، فنحن معا فى نفس الصف والمدرسة، ولم تمانع أمى، وأصبحت أراه يوميا، وتعودت عليه، لدرجة أننى أحسست أننى صرت فردا من أفراد أسرته، فكان يطلب منى أن أعد له كوب شاى، أو فنجان قهوة، فى أثناء الدرس، ولاحظ زملائى البنون والبنات الذين يأخذون لديه درسا فى مادته، اهتمامه الزائد على الحد بى، وأخبروا أمى بذلك، لكنها لم تهتم بما قالوه، ومر العام الدراسى والتحقت بالصف الثانى الثانوى، ثم مرض أبى مرضا شديدا، عاد على إثره إلى مصر، وأنهى خدمته بالسعودية، وذاقت والدتى الأمرين فى عرضه والتنقل به على المستشفيات أملا فى علاجه، وباءت محاولاتها بالفشل، ورحل عن الحياة، ولم يتغير شىء فى حياتنا، فأمى هى التى تتولى شئوننا، وتقوم بمهام الأب والأم معا، وزاد اهتمام والد صديقتى بى، فصار يطلب منى فى أوقات كثيرة الذهاب إليه فى البيت لكى يشرح لى بعض الدروس التى يرى أننى لم استوعبها، وبمرور الوقت وجدتنى أسيرة حبه، فارتبطت به بشدة، وكثيرا ما كان يحدثنى عن جمالى، ويسألنى عما إذا كان ينقصنى شىء، فيحضره لى، فأشكره، وهكذا صار هو شغلى الشاغل، ثم أفصح عن حبه لى، وعندما كان يجدنى حزينة يربت على كتفى، ولا يتركنى إلا بعد أن تعود الابتسامة لى، وزاد تعلقى به أننى لم أر منه خلقا سيئا، أو لمسة لا تليق، وصرت أنا وابنته أختين، وكنا نقضى معا معظم الوقت، وفى الصف الثالث الثانوى قال لى إنه كان يتمنى لو كنت فى سن كبيرة نسبيا تسمح له بالزواج منى، ففرحت جدا وقلت له: أنا الآن كبيرة، وموافقة على الارتباط به، فرد علىّ بأنه لو عرض الأمر على أمى، فلن توافق عليه، ولن يوافق أيضا شقيقاى، وهنا زين لنا الشيطان سوء العمل بأن أهرب معه فى آخر يوم فى الامتحان، ونتزوج ونضع أهلى امام الأمر الواقع، ويكفينى أنه لم يمسسنى بسوء، أو يقول لى كلمة تحمل أى نوع من الإيحاءات غير الاخلاقية، كما أنه عوضنى عن غياب أبى حتى عندما كان على قيد الحياة، ونجحت الخطة ووجدته فى انتظارى فى ميدان المحطة القريب من المدرسة، وانتقلنا إلى عاصمة المحافظة التى نقطن بها، ووقعنا عقد زواج عرفى، للضغط على أهلى بقبول الأمر الواقع، واتصلت بهم وابلغتهم بزواجى، فانقلبت الدنيا ضدى، وهددونى بالقتل، فلم أجد بدا من أن أحرر محضرا بقسم الشرطة لعدم التعرض لى، وجاءت قوة من القسم بصحبتى أنا وزوجى، وأخذوا تعهدا عليهم بألا يمسنى أحد بأى ضرر وصار الزواج رسميا أمام المأذون، وقاطعنى الجميع: أمى، وشقيقاى، وأعمامى، وكل أقاربى، وصرت مقطوعة من شجرة عائلتى، وعلى الجانب الآخر نبذتنى صديقتى بعد أن قالت لى إننى خطفت أباها، ولن أنسى ابدا كلمتها القاسية «منك لله» ومنذ تلك اللحظة، وهى ترمقنى بنظرات قاتلة دون أن تنطق ببنت شفة، وكذلك فعل اشقاؤها الثلاثة «ولد وبنتان» أما أمهم فلقد اختفت تماما عن الانظار مع أنها تعيش فى المنزل نفسه الذى دخلته وأنا كسيرة ذليلة بعد أن انفض من حولى الجميع، وحاول زوجى تعويضى، مقدرا لى تضحيتى الكبيرة من أجله، ولكن «ما قيمة المال وأنت حزين»، فلا شىء يعادل الصحة وراحة البال ثم من أين تأتى لى الطمأنينة، وقد عادانى كل من حولى، لقد صرت مسيرة، ولا اختيار لى فى أى شىء، وحملت وأنجبت ولدا وبنتين، ولم يطرق باب شقتى أحد سوى سيدة طيبة من الجيران، فهى الوحيدة التى أشفقت على حالى، وحرصت على زيارتى من حين لآخر.
والحق أن زوجى لم يقصر فى شىء تجاهى، ولم يفلح فى إقناع ابنته بتغيير موقفها المعادى، فأنا بالنسبة لها، وإن كنت صديقتها ورفيقة عمرها، إلا أننى صرت زوجة أبيها، وصار لكل منا مساره الخاص، فأنا لم أكمل تعليمى، واكتفيت بالثانوية العامة التى لم أفرح بنتيجتها مثل كل الطلبة والطالبات، بينما هى أكملت تعليمها وتخرجت فى الجامعة.
وجرت فى نهر حياتى مياه كثيرة، فتزوجت صديقتى وبالطبع لم أحضر حفل زفافها وكذلك تزوج أشقاؤها، ثم رحل زوجى عن الحياة فجأة، فأصابتنى صدمة عصبية لزمت على أثرها المستشفى، وتكفلت السيدة الطيبة برعاية ابنائى، ولم تلن أو ترق قلوب الآخرين لحالى، وأفقت بعد أكثر من أسبوعين على واقع جديد لم أحسب حسابه، فلقد صرت أرملة ترعى ثلاثة أبناء، وأنا فى سن الثالثة والثلاثين وبعد فترة تصورت أن رحيل زوجى سيجعل أمى وإخوتى يصفحون عنى، وينسون الماضى، وتخيلت أن صديقتى وأشقاءها ربما يدركون أن أبنائى أخوتهم أيضا... لكن هذا لم يحدث، بل إننى عندما التقيت بها عند باب المنزل وجها لوجه، حاولت أن أتحدث إليها لكنها رمقتنى بنظرة قاتلة، كما هى عادتها منذ زواجى من أبيها رحمه الله، أما أمى وشقيقاى، فلقد اعتبروا أننى مت منذ زمن بعيد، وكذلك حال أعمامى وأخوالى.
لقد عشت حياتى فى عذاب أليم، ولن أنسى أبدا أننى خرجت من بيت أبى مغضوبا علىّ، وأننى لم أهنأ بحفل عرسى مثل كل البنات.. إننى اعرف أنك وقراءك ستلوموننى، بل وربما تصبون اللعنات علىّ، لكن صدقنى يا سيدى لقد ضللت الطريق منذ نشأتى، حيث وجدت أبى بعيدا عنا، وهو حى يرزق وتخيلت أن والد زميلتى هو أبى، بعد أن غمرنى بحبه وحنانه، فاندفعت إليه بلا وعى، وبعد زواجى منه رجوته أن يعيد المياه إلى مجاريها مع أسرتى، ولكن هيهات أن يفتحوا لى، ولو نقطة ضوء أنفذ منها إليهم... وأؤكد لهم أننى لا أريد ميراثا ولا مالا، وراضية بالمعاش الذى أتقاضاه عن زوجى، وكل ما أرغبه هو مد جسر التواصل مع أسرتى، وأهل زوجى، وأعتذر لكل من أخطأت فى حقهم، وأقول لكل البنات : لا تغركن المشاعر الفياضة، وأحاسيس الحب فى سن المراهقة، فالحياة الزوجية ومشكلات الزواج هى المحك الرئيسى فى التعامل مع الآخرين بمن فيهم الأهل والمعارف والأصدقاء، وليست كلاما وغراما وحبا وهياما.
وأقول لصديقتى العزيزة إبنة زوجى: كفاك جفاء لى، فأنت لا تشعرين بالنار التى تحرق قلبى كلما نظرت إلىّ «نظراتك القاتلة» وأقول لأمى وإخوتى: إن الله يغفر الذنوب جميعا، ألا تغفرون لى هذا الذنب الذى ارتكبته فى حقكم؟ فأنا فى النهاية، وإن كنت قد تزوجت على غير رغبتكم، فإننى تزوجت على سنة الله ورسوله، ولم ارتكب ما يشينكم أو ينقص من قدركم، والحمد لله رب العالمين.
ولكاتبة هذه الرسالة أقول:
الكل أخطأ فيما وصلت إليه الآن من ندم وحسرة على الخطوة غير المحسوبة التى تتجرعين مرارتها وأنت فى عز الشباب، فلقد أخطأ أبوك حينما ترك نفسه للسفر الدائم حتى نهاية العمر غير مبال بأسرته، ولا بالمتاعب النفسية التى تنعكس على زوجته وأولاده، فلم يكن له هدف فى الحياة سوى جمع المال والانجاب، وترك المسئولية لزوجته، متناسيا أن الأبناء إذا فقدوا أباهم، وهو على قيد الحياة، فإنهم يلتمسون أبا لهم يهتم بأمرهم، ويشعرهم بالعطف والحنان، وهكذا وجدت ضالتك فى صديق أبيك، ووالد زميلتك التى تدرس معك فى الفصل الدراسى نفسه، والذى ارتكب خطأ فادحا بخيانته صديقه وتغريره بابنته، حتى سقطت فى شباكه، لكن مثله لا يعبأ بحق الصداقة، ولا بكلام الناس ولا بأسرته والمحيطين به، وتعامى عن كل ذلك مستجيبا لأهوائه الشخصية وطامعا فى افتراس فتاة فى عمر ابنته، وكذلك أخطأت أمك بتركها العلاقة المفتوحة بينكما، ولم تبال بما قاله لها زملاؤك، ولا يعفيها من المسئولية أنها كانت حسنة النية تجاه الأستاذ صديق الأب، الذى تصورت أنه لا يمكن أن يغرر بفتاة صغيرة يعتبرها مثل ابنته! وأخطأت أنت أيضا بالانجراف فى هذه العلاقة غير المتكافئة مع أنك قادرة على التفرقة بين التصرف السليم الواضح، والتصرف الخاطئ الذى يجر باب المتاعب، ويدفع المرء إلى الخطأ.
إن معظم النار من مستصغر الشرر، وإذا لم تتم معالجة أى مشكلة فى مهدها فإنها تكبر وتكبر إلى أن تصبح السيطرة عليها مستحيلة، وهكذا صار إيجاد حل ملائم لما أوقعت نفسك فيه أمرا صعبا، ولكن مع تبدل الأيام والأحداث ورحيل زوجك، أصبح على أمك أن تدرك أن ما مضى فات، وأن المستقبل غيب، وأن لنا الساعة التى نحن فيها، ومهما يكن من أمر، فأنت ابنتها، ولا يمكن أن تنسلخ البنت من أسرتها، فعلاقة الأمومة تسمو فوق كل العلاقات الإنسانية، وإذا لم تغفر لك خطأك فى حقها وحق نفسك، فمن تنتظر أن تفعل ذلك؟
وأدعو شقيقيك أيضا، وقد صارا رجلين أن ينظرا نظرة موضوعية لما أنت فيه، وقد صرت فى حاجة إليهما، فلا يخذلانك، وعليهما أن يحتوياك أنت وأولادك، حتى لا تتكرر المأساة مع ابنتك، ويكفيك أنك استوعبت درس تجربتك الأليمة.
أما عن صديقتك ومع تقديرى للجرح النفسى العميق الذى أصابها منذ زواجك من أبيها، فإننى أهيب بها باسم «النفس الصافية» التى لا تحمل حقدا ولا ضغينة لأحد، أن تعرف أنه ما من إنسان على ظهر الأرض إلا وله أخطاء، فهى وإن كانت تختلف من شخص إلى آخر، فإننا جميعا نرتكب الآثام ثم نتوب عنها، وفى ذلك يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: «كل بنى آدم خطاء، وخير الخطائين التوابون».. وأقول لها: إذا كانت صديقتك قد تزوجت أباك وكسرت قلبك وقلب أمك، وأشقائك، فإن إخوتك منها من لحمك ودمك، فلا تتركيهم فى مهب الريح، ولا يعلم أحد ما تخبئه الأيام، فالتمسى رضا الله فى احتوائهم. وكونى لهم أما ثانية، ولست أختا لهم فحسب.
وأما الدرس الأكبر لكل الآباء والأمهات فهو ألا يتركوا بناتهم فريسة لذوى النفوس المريضة طمعا فى صفقة حسابية فى إطار البحث عن عريس مرتاح ماديا أو وهما بعلاقة حب فاشلة فى ظل افتقاد الحنان الأبوى والأسري، فمثل هذه الزيجات تفشل حتما، ولو بعد حين نتيجة عدم توافق الاحتياجات. واختلاف نمط التفكير، مما يجعل هناك تباينا فى النظر إلى الأمور، ويخلق حالة من عدم الرضا بين الطرفين.
ويبقى أن أقول لكم جميعا: حان وقت الرضا بما قسمه الله، فإذا رضى المرء بالقليل من الرزق، رضى ربه عنه بالقليل من العمل، والرضا يفتح باب السلامة، ويجعل القلب السليم نقيا من الغش والغل، ولا ينجو من عذاب الله إلا من أتاه بقلب سليم، فأرجو منكم جميعا أن تعفوا عن هفوات بعضكم، وأدعوكم إلى تدبر الآية الكريمة «خذ العفو، وأمر بالعرف، وأعرض عن الجاهلين» فلا ينبغى لأحدكم أن يترصد الآخر لخلق ما ينكره عليه، إذا رضى بسائر أخلاقه لأن اليسير مغفور، والكمال معوز، وقد قال الكندى «كيف تريد من صديقك خلقا واحدا، وهو ذو طبائع أربع، مع أن نفس الإنسان التى هى أخص النفوس به، ومدبرة باختياره وإرادته لا تعطيه قيادها فى كل ما يريد، ولا تجيبه إلى طاعته فى كل ما يحب، فكيف بنفس غيره».. وقال تعالى «ولا تزكوا أنفسكم، هو أعلم بمن اتقى»، فحسبك أن يكون لك من أخيك أكثره.
وأذكر قول أبى الدرداء رضى الله عنه «معاتبة الأخ خير من فقده، فإذا كنا نحن غير راضين عن أنفسنا، فكيف نرضى عن غيرنا؟».. نعم يا سيدتي.. فى كل إنسان نقيصة، والكمال لله وحده، وأننى أدعو أهلك وأهل زوجك رحمه الله إلى العفو والاغضاء عن أى تقصير من جانبك، وأن يصفح كل منكم عن الآخرين، فيما ارتكبوه من أخطاء، ولتعملوا بقوله تعالى «فاصفح الصفح الجميل» أى الرضا بغير عتاب، فتطووا صفحة الماضى وتتطلعوا إلى المستقبل بصفحة جديدة ناصعة البياض، عمادها النفوس المؤمنة الراضية بقضاء الله، فتتفتح لكم أبواب الأمل والسعادة.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.