يممت وجهتي وأملت فى الرحمن غفران زلتي وتاقت نفوس العاشقين لمشعر عليه آمال الخلق ترنو لرحمة يفيض بها الرحمن عطفًا عليهم إفاضة إكرام عظيم ومنة فلله در الواقفين ودرنا إذا مَنّ رب العرش ثَمّ بتوبة لتمحو أثر الذنب من أعناقنا وترقى بمشتاق لأبواب جنة فيارب فرج كربنا وهمومنا وتمم زيارتنا بأعتاب روضة بروضة أحمد خير خلقك كلهم وحقق مناى بالبقيع وبغيتي بهذه الأبيات التى أنشأتها تقدمة لهذا المقال أقول إن الحج رحلة إيمانية, تهفو إليها نفوس المسلمين جميعًا, وهى أمل كل مسلم, سواء فى مقتبل العمر أو فى ختام رحلة الحياة, حيث يهب الناس رجالاً ونساء, آحادًا وجماعات, من كل فج عميق إلى بيت الله الحرام, استجابة لقوله تعالي: « وَأَذِّن فِى النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالاً وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِن كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ » . وإذا كان الحج عرفة, وعرفة جمعة, فتلك بشرى لكل أهل عرفة, وإذا كان يوم الجمعة يوم إجابة وحده, ويوم عرفة يوم إجابة وحده, فإذا وافق يوم عرفة يوم جمعة غمرت رحمات الله كل من صعد عرفة منيبًا أو مخبتًا, قاصدًا وجه ربه ورحمته, غير مفسد ولا مخرب, ولا قاطع رحم. وتلك فرصة فى العمر قد لا تتكرر, فالعاقل من اغتنمها, ولم يضيعها, وعمل بكل طاقته على التعرض لنفحات الله فيها,« ألا إن لربكم فى أيام دهركم لنفحات، ألا فتعرضوا لها, ألا فتعرضوا لها ». ومن أهم مظاهر هذا التعرض الخشوع والخضوع لله, وكثرة الذكر والثناء عليه, وقد سئل سفيان بن عيينة عن أفضل الدعاء يوم عرفة, فقال: «لا إله إلا الله وحده لا شريك له, له الملك وله الحمد بيده الخير وهو على كل شىء قدير»، فقيل له هذا ثناء وليس بدعاء, فقال يقول الله (عزّ وجلّ) فى الحديث القدسى « مَنْ شغَلَهُ ثَّنَاؤُه عَلَيَّ عَنْ مَسْأَلَتِى ، أَعْطَيْتُهُ أَفْضَلَ مَا أُعْطِى السَّائِلِينَ »، ثم ذكر قول أمية بن أبى الصلت: أَأَذْكُرُ حَاجَتِى أَمْ قَدْ كَفَانِي حَيَاؤُكَ إِنَّ شِيمَتَكَ الْحَيَاءُ وعلمك بالحقوق وأنت فرع إذا أثنى عليك المرءُ يوماً لك النسب المعلى والثناء كفاه مِن تعرُّضِه الثَّناءُ فإذا كان هذا مع الخلق , فكيف بأكرم الأكرمين ورب العالمين وخالق الخلق أجمعين ؟وهنا ينبغى أن يركز الحاج دعاءه على طلب الرضا والقبول, والدعاء بحسن الخاتمة وتيسير الوصول, وعليه ألا يكف عن الدعاء لوطنه بالسلامة والأمن والاستقرار, وللعصاة بالهداية والبعد عن مسالك ومصائد الشيطان , وللقادة المصلحين بالسداد والتوفيق والوصول بالوطن إلى بر الأمان . ونوجه النصح للمتهيئين للحج والصاعدين إلى عرفات الله ، قبل السفر برد المظالم ، والبعد عن الحرام ، والتطهر منه، ورد الأمانات، وإنهاء الخصومات، وتجديد النية لله، وعدم اصطحاب ما هو ممنوع من الدواء، أو الانشغال بحمل الزائد من المتاع الزائل، لا ذهابًا ولا عودة، فرحلة قد لا تتكرر لا ينبغى لعاقل أن ينشغل عنها ببيع أو شراء، أو إثقال كاهل بحمل أمتعة له مندوحة كبيرة وبدائل كثيرة عن حملها، أهمها توافر هذه السلع وما يقوم مقامها بأسعار منافسة أو أقل فى مصرنا العزيزة . كما أنَّ على الحاج أثناء حجه أن يبتعد عن الخلاف والشقاق والمشاحنة والأذى والمزاحمة التى تضر الآخرين ولو بحجة الوصول إلى الحجر أو الأركان أو الملتزم، فسلامة الحجاج وكف الأذى عنهم أولى مائة مرة من المزاحمة على الحجر أو الدفع للوصول إليه، إذ يكفى لمن لا يتيسر له الوصول أن يشير إليه، فالشريعة قائمة على التيسير ورفع المشقة، والحج قائم على «افعل ولا حرج » . ثم إنَّ على الحاج أن يتحلى قبل سفره وأثناء سفره وبعد عودته بمكارم الأخلاق ، فثمرة الحج مرتبطة بهذه الأخلاق بل معلقة عليها ، يقول نبينا (صلى الله عليه وسلم) :« من حج فلم يرفث ولم يفسق ولم يجهل ولم يصخب رجع كيوم ولدته أمه » . وإذا أراد الحاج أن ينظر فى علامات قبول حجه، فلينظر أول ما ينظر إلى حاله قبل الحج وحاله بعد الحج، فإن وجد رغبة شديدة وحبًا فى مكارم الأخلاق وإقدامًا عليها، فتلك من علامات القبول وانشراح الصدر، وإن وجد غير ذلك فليراجع نفسه، وليسأل ربه الهداية إلى الخير ومكارم الأخلاق، وليجدد النية وليصححها، لأنَّ العبادات إذا لم ينطبع أثرها فى سلوك الفرد وأخلاقه فلم ينتفع بها لا فى أمر دينه ولا فى أمر دنياه، وقد جعل نبينا (صلى الله عليه وسلم) الوصول بالناس إلى الخلق الكريم هدفًا وغاية لرسالته، فقال (صلى الله عليه وسلم): «إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق». لمزيد من مقالات د . محمد مختار جمعة