تناول مقال الأسبوع الماضي التحذير من إبداء مشاعر الشماتة تجاه الآخرين، بما تنطوي عليه من الفرح بمصائبهم، سواء كانوا مسلمين أو غير مسلمين، باستثناء حالة واحدة هي الشماتة بمصائب الظالمين، والأعداء المحاربين، فرحا بتخلص الناس من شرورهم. ويتناول مقال اليوم آفات شاعت في البشرية هي: السب والشتم واللعن والسخرية، وهي أدواء حذر القرآن الكريم منها، ونهى الأنبياء والرسل عنها، وحرمها الله -تعالى- من فوق سبع سماوات، لكنها للأسف تبدو في واقع المسلمين اليوم، كما لو كانت "ثقافة شعبية"، يتنافس فيها الصغير والكبير! هذه الآفات انتشرت بين غالبية الناس إلا من رحم الله تعالى.. إذ بمجرد أن يغضب أحدهم يأخذ في كيل السباب والشتائم لمن أغضبه، وربما لوالديه وعائلته، وهذا مخالف لشِرعة الإسلام. قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "سباب المسلم فسوق وقتاله كفر".(متفق عليه). وفي معنى "السب" قال النووي :"السب في اللغة: التكلم في عِرض الإنسان بما يعيبه. والفسق في اللغة: الخروج، والمراد به في الشرع: الخروج عن الطاعة.. فسب المسلم بغير حق حرام بإجماع الأمة، وفاعله "فاسق" كما أخبر به النبي صلى الله عليه وسلم".(شرح صحيح مسلم). وقد أبان القرآن أن البادىء بالسُباب يتحمل الإثم وحده، إذا عفا عنه المسبوب، أو انتصر لنفسه بقدر مظلمته.. قال تعالى: "وَلَمَنِ انتَصَرَ بَعْدَ ظُلْمِهِ فَأُوْلَئِكَ مَا عَلَيْهِم مِّن سَبِيل".(الشورى:41). وقال تعالى: "وَالَّذِينَ إِذَا أَصَابَهُمُ الْبَغْيُ هُمْ يَنتَصِرُونَ".(الشورى:39). ومع هذا فالصبر والعفو أفضل، إذ قال تعالى: "وَلَمَنْ صَبَرَ وَغَفَرَ إِنَّ ذَٰلِكَ لَمِنْ عَزْمِ الْأُمُور". (الشورى:43). وهذا يؤكده ما جاء في الحديث، فعن عياض بن حمار قال: قلت: يا نبي الله.. الرجل يشتمني، وهو دوني، أعليّ من بأس أن أنتصر منه؟ قال: "المستبان شيطانان يتهاتران، ويتكاذبان".(رواه ابن حبان، وصححه الألباني). أما الشتم فهو قبيح الكلام. ورجل شتامة: كثير الشتم، فالسب والشتم على هذا النحو بمعنى واحد، وهما محرمان في شريعة الإسلام، ويُضاف إليهما السخرية، وهي الاستهزاء، والازدراء، وهي داء يهدم نفسية الآخر، لأنها لا تنبيء باحترامه، ولا تقدير كرامته الإنسانية. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "المسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يخذله ولا يحقره، التقوى ها هنا، ويشير إلى صدره ثلاث مرات، بحسب امرئ من الشر أن يحقر أخاه المسلم، كل المسلم على المسلم حرام، دمه وماله وعرضه".(رواه مسلم). هكذا تظاهرت الأدلة على حرمة السب والشتم والسخرية جميعا، إذ قال تعالى: "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا يَسْخَرْ قَومٌ مِنْ قَوْمٍ عَسَى أَنْ يَكُونُوا خَيْراً مِنْهُمْ وَلا نِسَاءٌ مِنْ نِسَاءٍ عَسَى أَنْ يَكُنَّ خَيْراً مِنْهُنَّ وَلا تَلْمِزُوا أَنفُسَكُمْ وَلا تَنَابَزُوا بِالأَلْقَابِ بِئْسَ الاِسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الإِيمَانِ وَمَنْ لَمْ يَتُبْ فَأُوْلَئِكَ هُمْ الظَّالِمُونَ".(الحجرات:11). أما اللعن فقدورد فيه وعيد شديد من قِبل النبي-صلى الله عليه وسلم- إذ قال:"لعن المؤمن كقتله".(متفق عليه). وقال: "لا يكون المؤمن لعاناً".(رواه الترمذي، وصححه الألباني). وأوصى -صلى الله عليه وسلم- جرموذ الجهني فقال: "أوصيك ألا تكون لعاناً".(رواه الطبراني، وصححه الألباني). وقال سلمة بن الأكوع -رضي الله عنه-: "كنا إذا رأينا الرجل يلعن أخاه، رأينا أنه أتى باباً من الكبائر". وفي التحذير كذلك من اللعن، ورد عن أبي الدرداء -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن العبد إذا لعن شيئاً صعدت اللعنة إلى السماء، فتغلق أبواب السماء دونها، ثم تهبط إلى الأرض، فتغلق أبوابها دونها، ثم تأخذ يميناً وشمالاً، فإن لم تجد مساغاً رجعت إلى الذي لعن؛ فإن كان أهلاً، وإلا رجعت إلى قائلها".(رواه أبو داود، وحسنه الألباني لغيره). بل نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن سب أو لعن أي حيوان أو جماد، وفي "صحيح مسلم" أنه نهى امرأة عن أن تلعن ناقتها، ونهى أخرى عن أن تلعن الحُمى. كما نهى عن لعن الكافر المعين إذا لم يكن قد مات على الكفر، لأنه لا يدري ما يُختم له به، ويجوز ذلك بالأوصاف العامة، كأن يقول: لعنة الله على الكاذبين، أو الظالمين. أما من تيقن موته على الكفر كفرعون وأبي جهل وغيرهما فيجوز لعنه، بحسب العلماء.. على أن المسلم يطهر لسانه من السب، واللعن، وغيرهما؛ إلا بوجود مصلحة راجحة، وأدلة دامغة. [email protected] لمزيد من مقالات عبدالرحمن سعد