هل كان لدى الرئيس الأمريكى باراك أوباما بالفعل استراتيجية حقيقية لمواجهة تنظيم داعش فى الشرق الأوسط؟ يبدو أن الخطاب شىء والاستراتيجية شيء آخر، فقد صدم الذين طال بهم السهر حتى ساعات الفجر الأولى من صباح الخميس فى حديث أوباما المتلفز، والذى بدأ وكأنه نحاس يطن صنج يرن. قليلون هم الذين لم يندهشوا أو تتعمق لديهم خيبة الأمل، فأوباما قد يكون خطيبا بارعا، ولكنه استراتيجى فاشل، وقد جعل من الولاياaت المتحدةالأمريكية فى الشرق الأوسط مجرد متفرج والعهدة هنا على الراوي، ثعلب السياسة الأمريكية، ووزير خارجيتها العتيد هنرى كيسنجر. لم يزد أوباما فى خطابه الأخير شيئا عما قاله من قبل، إنها الهجومات الجوية لا أكثر ولا أقل، مع متغيرين جديدين فقط، الأول هو بلورة تحالف إقليمي، والثانى توجيه الضربات لسوريا. المتغير الثانى غاية فى الخطورة ذلك لأنه يعنى إعلان الحرب على سوريا، وهو أمر يحبط السوريين الذين ينوون بالفعل المساعدة فى مواجهة داعش، لاسيما وأنه لا يوجد لدى الأمريكيين معلومات ميدانية عن التنظيم فى الأماكن التى يسيطر عليها داخل سوريا، وعليه فإنه بدون مساعدة سوريا من الداخل، يضعف تأثير الضربات الجوية لميليشيات داعش، التى تتبع أساليب غير نظامية فى القتال. والمؤكد كذلك أنه بدون سوريا تبقى الطائرات الأمريكية المهاجمة فى خطر التعرض لصواريخ الدفاع الجوى السورية من جهة، وللأسلحة المحمولة كتفا من الصواريخ الحديثة التى يرجح أن تكون داعش قد حصلت عليها أيضا من العراق أو من سوريا. مواجهة داعش فى سوريا، أمر ولاشك سوف يحبط الجانبين الروسى والصيني، والأول بنوع خاص، ما يعنى أن فكرة استصدار قرار أممى من مجلس الأمن، فى الجلسة التى يتوقع أن يرأسها باراك أوباما فى 24 سبتمبر الحالي، قد تواجه بعراقيل استخدام الفيتو الروسى أو الصينى أو كليهما، ذلك لأنه إذا كانت الحرب الأمريكية على سوريا قد خرجت من باب بعد التخلص من الأسلحة السورية الكيميائية، فإن الحرب ذاتها تعود الآن من شباك داعش، الأمر الذى يفهمه الروس بعمق، ويدركون الكارثة التى ستحل على المنطقة من جراء مثل هكذا تدخل أهوج غير صائب. هل يعيد التاريخ نفسه؟ علامة استفهام ترتسم فى الآفاق من جراء الحديث عن تحالف إقليمى لمواجهة داعش، قد يكون المطلوب منه التحرك البرى ودفع ضريبة الدم عربيا لا امريكيا، فى حين يرفض أوباما أى عودة لقواته البرية، بل يصل الأمر بوزير دفاعه تشاك هاجل للتصريح بأن القوات الأمريكية لن تستطيع بمفردها مواجهة داعش، ناهيك عن استنزاف أى ثروات مالية تراكمت فى منطقة الخليج العربي، منذ غزو العراق فى 2003. ما تحدث عنه اوباما يعد إهانة فى المبتدأ والخبر لقيم الحرية والديمقراطية الأمريكية، وإهانة للدولة الإمبراطورية، التى تملك بالفعل القوة والقدرة ، لكن يبدو أن فعل الإرادة عنها غائب، إما لضعف بفعل اضطراب مؤسساتى داخلى ، ما ينذر بتفكك وتحلل سريعين لوجودها. خطاب اوباما يدعو للتساؤل أين كانت واشنطن بأقمارها الاصطناعية التى ترصد دبيب النمل عندما اجتاحت داعش ثلث العراق؟ لباراك أوباما استراتيجية متماسكة وواضحة فى مجال الخطابة، أوباما أظهر فهما لعلم دراسة معانى الكلمات، وحتى معرفة فى علم أصول الكلام، لذلك تقرأ فى خطابه الأخير مراوغة غير مسبوقة لدفع آية شكوك تحوم حول بلاده كراع لداعش على الخارطة الجيوسياسية الشرق أوسطية، غير أن الحال يغنى عن السؤال. يدرك أوباما جيدا أن بلاده تعيش مرحلة التقلص والانعزالية وإن كانت فى بداياتها، وهى مرحلة طبيعية تدخل فيها الإمبراطوريات الواسعة بعد «الامتداد الإمبراطوري» وقبل الأفول، ولهذا يجد نفسه غير قادر على الدفع بالقوات الأمريكية من جديد على الأرض فى العراق أو سوريا، وهو الذى عجل بإخراج الأمريكيين من العراق وأفغانستان، ولهذا فإنه فى حديثه عن المواجهة مع داعش، ألمح إلى أن الأمر سيطول ربما أشهر أو سنوات، طالما لا توجد عمليات مواجهة مسلحة على الأرض. السؤال الجدير بطرحه الآن :كيف يمكن لداعش أن تستفيد من هذا التأخير وذلك البطء فى المواجهة، وهو الأمر الذى يقلق الأمريكيين أنفسهم فى المقدمة منهم جون بينر رئيس مجلس النواب الجمهوري، الذى وصف خطاب أوباما بأنه ينقصه استراتيجية لتدمير سريع لتهديد ذلك التنظيم، لاسيما وأن مقترح أوباما لتدريب وتجهيز قوات الأمن العراقية والمعارضة السورية يمكن أن يستغرق أعواما لتنفيذه بالكامل؟ فى خطابه الأخير حاول أوباما تحسين صورته المهترئة فى عيون الأمريكيين والعالم، وفى ظنه أن إيمان واعتقاد 90% من الأمريكيين بأن داعش تنظيم إرهابى كفيل بتحقيق ذلك ،لكن استطلاع جالوب الأخير أظهر أن 62% من الأمريكيين غير راضين عن طريقة أدائه، وقبله قالت غالبية من الأمريكيين أنفسهم إنه أٍسوأ رئيس مر بالبلاد منذ سبعين سنة. والخلاصة: على العرب وأصدقائهم الحقيقيين حول العالم البحث عن ميكانيزمات مجابهة حقيقية للإرهاب الأسود طاعون القرن الحادى والعشرين. لمزيد من مقالات إميل أمين