تستحق النمسا، أن يطلق عليها بحق، لقب واحة المسلمين في أوروبا، فلا اضطهاد من قبل الدولة، ولا تمييز تمارسه الأغلبية الكاثوليكية ضدهم، بخلاف الأقليات الإسلامية، في العديد من دول القارة العجوز، إضافة إلي أنها تربة خصبة، وبيئة مناسبة لنشر الإسلام، الذي تؤكد الإحصاءات الرسمية، تزايد اعتناق النمساويين له. ويحظي الدين الإسلامي بوضع خاص، حيث صدر الاعتراف به في التاسع من أغسطس عام 1912، عبر قانون إمبراطوري من القيصر فرانس جوزيف. وبعد مرور حوالي مائة عام، تم إدخال تعديلات جديدة علي مشروع قانون، ينظم حقوق المسلمين، بالتعاون بين الحكومة النمساوية، والهيئة الرسمية الإسلامية القائمة علي شئون المسلمين، والتي تأسست عام 1979 وتضمن مشروع القانون الجديد السماح بتدريس الدين الإسلامي في المدارس، فضلاً عن الحق في بناء المساجد بمآذنها. الدكتور فؤاد سنج رئيس الهيئة الإسلامية في النمسا، يؤكد في حوار مع الأهرام أن المجتمع النمساوي قائم علي التسامح والتنوع وكفالة الحريات الدينية، وأن الهيئة تضم في عضويتها جميع الجنسيات والعرقيات، وقانونها يراعي ألا يكون هناك أغلبية لعرقية معينة, وهي المسئولة عن رعاية مصالح المسلمين في البلاد. وشدد علي أهمية دور الجاليات العربية في إثراء العمل الإسلامي، خاصة الجالية المصرية والاتحاد العام للمصريين الذي يمثل أكبر جالية عربية في النمسا. وأعرب الدكتور سنج عن أمله بوجود تعاون بين الجاليات العربية والهيئة الإسلامية لما فيه مصلحة للجميع علي أساس إسلامي- إسلامي.. وإلي نص الحوار .. أجري الحوار في فيينا - مصطفى عبدالله : كم يبلغ تعداد المسلمين في النمسا؟ وما دور الهيئة الإسلامية ومدي مشاركاتها في المجتمع؟ يبلغ عدد المسلمين في النمسا، ما يزيد علي500 ألف نسمة، يشكلون 6% من إجمالي تعداد السكان، البالغ نحو 8 ملايين نسمة، والإسلام هو ثاني أكبر مجموعة دينية، بعد المجموعة المسيحية البروتستانتية، وفقا لدراسة، أجرتها الجمعية النمساوية للتفاهم الدولي، كما يوجد بالنمسا، حوالي87 مسجدا، منها 27 في العاصمة فيينا. وتلعب الهيئة دوراً مهما ومحورياً في النمسا، فالهيئة أنشئت منذ 32 عاماً، وهي تهتم بأمور المدارس والمساجد، فنحن نشطون في هذه المجالات. علي سبيل المثال لدينا 70.000 طالب و طالبة ويدرسون تعاليم الإسلام، ولدينا أيضاً 600 معلم ومعلمة للدين الإسلامي، كما أننا شريك لمواقع إدارية ووزارية رسمية. فإذا حسبنا عدد المدارس والمساجد والمعلمين والمعلمات وكذلك الآباء والأمهات إلي آخره، أي أننا لنا أكثر من 300.000 عضو وعضوة، بينما الأعضاء النشطاء بيننا قرابة 400,000 عضو وعضوة، وهو ما يمثل عدداً كبيراً في هذا البلد، ونعمل بالتعاون مع الدولة لإنشاء المدارس، كما نتعاون أيضاً لعمل المرأة وتعليم وتدريب متطور للأئمة. كيف تري صورة المسلمين في الإعلام النمساوي؟ وما فرص وتحديات الجالية العربية والإسلامية في القارة الأوروبية عامة والنمسا خاصة؟ صورتنا في النمسا تحسنت بشكل كبير، وهناك دراسات تشير إلي أن 73% من المسلمين في النمسا ليس لديهم مشاكل مع الاندماج في المجتمع النمساوي. وقد جاءت هذه النتيجة عبر معايشة فريق من الخبراء للمسلمين عشرة أشهر كاملة، توصلوا بعدها إلي تلك النتيجة. كما تتوافر لغير المسلمين من خلال الدعوات الخاصة إلي المناسبات الإسلامية مثل الإفطار الرمضاني، صورة مغايرة عن الصورة النمطية التي شكلها الإعلام الغربي لنا،.وما يقع خارج حدود البلاد يؤثر بضرورة الأمر علينا أيضاً وعلي الآخرين بالطبع. وعلي الرغم من هذا لا يتعين علي الإطلاق إقحام النمسا في تلك المشكلات، وما يجب التوجه إليه في المقام الأول كوننا مسلمين من جميع الجنسيات أن نري أنفسنا كأمة، وأن نعضد بعضنا البعض، وأن نقود حواراً داخلياً لنحل مشكلاتنا الداخلية والعمل معاً، ولايجوز أن نكون رد فعل دائماً بل أن نعمل أولاً. وهو ما نقوم به من خلال بعض الندوات والأحداث العامة الأخري مثل حفل الإفطار وبرامج العيد ومكافحة الفقر ودعم اللاجئين، وغيرها من الأحداث والنشاطات الأخري. كيف يمكن بناء هوية إسلامية معتدلة ورشيدة تعكس روح الإسلام الحنيف؟ نحن لدينا مصدران هما القرآن و السنة، إذا تعلمنا القرآن والسنة بطريقة صحيحة، يوجد من بيننا من يسىء استخدام الآيات وكذلك من السنة كأخذ آية ما وعدم الاكتراث بالبقية. ليس لدينا الكثير للبحث، عما هو يجب فعله. إن الله سبحانه وتعالي يقول في كتابه الحكيم: (لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ)، أي أن أحترم ما تعتقد أنت به وأنا أتوقع المثل بأن تحترم أنت ما أنا عليه، كما يتعين أن نعتبر الرسول الكريم صلوات الله عليه أسوة. ليس عليك أن تجبر شخصاً علي الدخول في الإسلام. كيف ترون ما يسمي الدولة الإسلامية «داعش» وممارستها للإرهاب تحت اسم الدين؟ إنهم مجرمون، وهو أمر واضح لنا، ويؤثرون سلباً علي المسلمين في الغرب، ونحن نري من هذا الجانب أننا علينا أن نحمي المسلمين منهم، وقناعتي أن من وراءها ليسوا مسلمين. وبالنسبة إلي أوروبا، لا أعتقد بأنهم يمثلون خطراً علي أوروبا حالياً يعملون بالسياسة البعض منهم بما يسمي بالدعائيات ضد الإسلام. يخيم في الآونة الأخيرة «الإسلاموفوبيا» كيف تراها من وجهة نظركم في الغرب؟ أنا ضد هذا المصطلح، ومن يطلقونه ويروجون له لديهم عداء وخوف تجاه الإسلام، وهو بكامل الأسف موجود بأوروبا. وبطبيعة الحال، تتأثر بالأحداث من أماكن وبلدان أخري لأوروبا وعلي سبيل المثال الحرب في العراق و سوريا وأخري من مجريات الأحداث و ما يشاهدونه من الأخبار والإعلام المرئي ولا يجوز أن نغفل أيضاً بأنه أيضاً يوجد دوافع دينية أخري أما أن تكون إيديولوجيات منكرة لوجود الله أو أن تكون من أصوليين. فكل مجتمع به أصوليون ومتشددون ومنهم من لا يتصل بالمسلمين. وما علينا عمله بالتأكيد كجالية إسلامية الترابط، وبشكل خاص يتعين علينا أن نظهر بأننا مسالمون وكذلك يتعين علينا أن نصبح مسلمين أخيارا، وهكذا تُحل المشكلة. وكيف نُظهر للغرب الثقافة الصحيحة للإسلام؟ نحن نعيش حالياً في عصر الجميع يريد إظهار نفسه بأنه مسلم من خلال المظهر كتقصير السروال وإطلاق اللحية، إذن فهو مسلم، إن الله ينظر إلي قلوبنا ولا ينظر إلي ملبسنا ولهذا أري انه من الواجب تربية أطفالنا علي هذا النحو، هي حالة مؤقتة سوف يعبرها المسلمون كما سبق وأن عبروا حالات عاصروها، ويجب أن يعلم المسلم بالإسلام ويعمل به، وهكذا أري الكثير من غير المسلمين الذين هم ضد الإسلام ولكن مع مرور الوقت يصبحون معتدلين لم يعودوا مثلما كانوا عليه من تلك الأفكار، ولهذا أقول في النهاية أن مستقبل المسلمين بأوروبا جيد. ويجب علينا أن نتعلم الإسلام ونعمل ونعيش به. الإسلام معناه حب الجار والمعرفة الحسنة والرفاق الصالحون وحُسن الجيرة وغيرها في أي مكان نعيش فيه والصراحة والمصداقية أما عندما يوعد المسلم ولا يفي بوعده ولا يتحدث المسلم مع جيرانه، كيف يمكننا إذن أن نؤكد بأننا مسلمون أخيار. إذا كنتم ترغب في السؤال التالي في الإجابة التالية لأنه سياسي بحت، بما إنكم تركي الأصل كيف تقيم السياسة التركية تجاه مصر؟ لا أرغب في التحدث في السياسة ولا أتدخل في سياسات الدول الأخري. كيف ترون مستقبل مصر بعد ثورة 30 يونيو؟ أثق في المصريين لما لهم من تاريخ عريق لديهم ثقافة كبيرة ومصر ذاخرة بالكتاب والمثقفين والسياسيين والعلماء وبالشباب لكنها تحتاج إلي بعض الوقت وهذا ما أستنتجه نظراً لأني من دارسي علوم الشرقيات و أتابع جيداً تاريخ الأممالشرقية لأنه من اختصاصاتي ومجالي. مصر لعبت دوراً مهما في التاريخ الإسلامي وستظل تلعب دوراً مهما، كم لدينا من الدول الإسلامية الكبري في المنطقة مصر وتركيا وباكستان وإيران. أما عن إيران فلها منهجها وتاريخها وعاداتها وتقاليدها ذات الطابع الشيعي وماليزيا فهي تقع في أقصي الشرق لنا وتبعد عنا جغرافياً. مصر هي مركز وقلب العالم العربي إن لم تفلح مصر لن يفلح العرب بأسره. وأخيراً أقول أني أثق في المصريين وأن المسار سوف يأتي طبيعياً خطوة خطوة. أتمني كل الخير لمصر وأن تستقر الأمور بها من جديد لأن مصر تلعب دوراً مهما في المنطقة، وفي النهاية أدعو لها بمستقبل خير وسلمي. ما رأيك في دور جماعة الإخوان المسلمين و ممارستها للإرهاب تحت اسم الدين الإسلامي؟ الإرهاب في الإسلام حرام، فنحن نتحدث عن الجماعات مثل الشباب وداعش وغيرها من الجماعات، تلك الجماعات التي تسيء للمسلمين هم من يخطفون 300 بنت وسيدة ثم يقومون باغتصابهن، مهما حدث فهو جريمة، يوجد في الإسلام الطريق الوسط لاتفريط ولا إفراط. أما عن مصطلح إرهاب فهو مصطلح غربي أوروبي.