بعد أن اقتحموا البيوت وروعوا الآمنين و سفكوا دماء الأبرياء .. دارت أيادى تنظيم الدولة الإسلامية فى العراق و الشام «داعش» لتنال من تراث الإنسانية وتصب حقدها عليه، و كأنهم قوم «يأجوج ومأجوج». التقارير المتداولة عن عمليات التدمير المتعمد, الذى نفذته عناصر التنظيم فى المناطق الخاضعة لسيطرته فى سوريا و العراق، تثير الدهشة.. فقد استهدفت داعش جميع مواقع الآثار التى تخص الأقليات الدينية, فالمساجد والأضرحة الخاصة بالمسلمين الشيعة تعرضت إما للتفجير أو الهدم بالجرافات. بل إن بعض مساجد السنة تم محوها من على الأرض بزعم «الوثنية»، إذا اشتملت على آثر. وبالطبع كانت التماثيل الأثرية والتحف ومواقع الآثار بمثابة فاتح شهية لهذه الرغبة التدميرية.. وبينما تغيب حصيلة نهائية لحجم الخسائر- بسبب خطورة الدخول الى أراضى داعش - فإن الجهات المختصة بالحفاظ على الآثار ترصد كل ما تنشره مواقع التنظيم على شبكة الإنترنت من صور وتسجيلات مصورة لعمليات التدمير. ومن بين ما تم رصده : تدمير ضريح سعد بن عقيل فى تل عفر ومسجد العقبة فى الموصل, وعدد من المساجد السنية فى نينوى, وضريح المؤرخ الاسلامى الكبير أبى الحسن الجزرى المعروف بابن الأثير الذى يعود للقرن ال 13 ميلاديا. وبثت بعض المواقع المحسوبة على التنظيم شريطا مصورا يعرض تدمير قبر النبى يونس (صاحب الحوت) فى نينوى, وتدمير مسجد النبى شيث ، ابن سيدنا آدم عليه السلام فى الموصل. كما أكد مراقبون أوروبيون تعرض 11 كنيسة للحرق. وأشارت قناة العربية فى تقرير لها الى أنهم يفضلون هدم المساجد السنية والصوفية بالجرافات، بينما يلجأون للمتفجرات للقضاء على أماكن العبادة الشيعية. ويتخذ مسلحو التنظيم من الكاتدرائية الكلدانية والكاتدرائية الأرثوذوكسية فى الموصل، مقرين لهم، وقد قاموا برفع الصلبان من فوق أبراج الكنيسة واضعين محلها أعلامهم . وتسود مخاوف جمة بسبب أن المنطقة التى تخضع لسيطرتهم, وبخاصة الموصل ومحيطها، متخمة بالتراث الثقافى التاريخى. وتعود الآثار الموجودة لآلاف السنين إبان حقب الممالك الآشورية والبابلية وحتى حكم الدولة العباسية. وذلك فضلا عن المبانى التى ترجع للعصور الوسطى.. ويقول احسان فتحي، المتخصص بالحفاظ على التراث وأحد اهم المهندسين المعماريين فى العراق،أن الموصل تحديدا شهدت تدمير عشرات المساجد و الأضرحة والمراقد التاريخية التى يعود تاريخها للقرون ال11وال12 وال13 ميلادية. و أضاف أنه تأكد من هذه المعلومات من خلال اتصالاته المستمرة بأبناء المدينة، وحذر من أن المتطرفين يسيطرون الآن على متحف الاثار فى الموصل الذى يحوى الاف القطع المهمة. ونقلت تقارير أن داعش تقوم بنهب المواقع الأثرية و تهريب محتواها وبيعها لجمع المال. بينما أشارت صحيفة «صنداى تايمز» الى أن التنظيم يفرض ضريبة على مهربى الآثار المسروقة. ويؤكد فتحى أن اهم واقدم الكنائس فى العالم بالموصل مهددة بالزوال, ككنيسة شمعون الصفا وكنيسة مار أحودينى وكنيسة الطاهرة العليا. وأضاف- خلال ندوة فى عمان- أنه «لم يحدث فى التاريخ مثل هذا الاصرار على تدمير التاريخ بكل انواعه وتحويل آثار تعود الى مئات السنين الى ركام وحجر». ورغم نداءات منظمة «اليونيسكو» فإن العالم يقف عاجزا أمام هذه الكارثة الانسانية. ويرى إحسان فتحى أن الطريقة الوحيدة التى يمكن بها ايقاف هؤلاء هى قيام قوى مسلحة محلية من ابناء الموصل- الذين يبلغ تعدادهم مليونى نسمة- بحماية هذه الآثار.