لا يخفى على أحد، الدور الهدام، الذى تقوم به كل من قطروتركيا فى الأزمة الليبية الراهنة، ولعل ما يدفع إلى الحديث حول ذلك الدور هو ما يشهده الوضع السياسى المتأزم فى ليبيا من احتقان متزايد نتيجة، لقيام القوى السياسية والميلشيات فى ليبيا بالتصعيد، ورفض كافة المحاولات الإقليمية والدولية، من أجل التهدئة والمصالحة وتحقيق الوفاق الوطنى، مدفوعة بضغوط ومحاولات حثيثة لإبقاء المشهد الراهن فى ليبيا على ما هو عليه، والانزلاق بالدولة الليبية نحو حالة من الفوضى التى سيكون لها تبعاتها السلبية بلا شك ليس على ليبيا فحسب وإنما على المنطقة بأسرها. وليس سراً الدور الهدام والسلبى الذى تقوم به كل من قطروتركيا منذ بداية الثورة فقد دعمتا المتشددين الإسلاميين وكذلك مدينة مصراتة الحليف القوى لتركيا والداعم الرئيسى للميليشيات المسلحة، فرغم اعتراض مجلس النواب الليبى المنتخب شرعيا على التدخل التركى القطرى فى الشأن الليبى إلا أنه لم يتوقف، إذ يستمر هذا الدور من خلال حلفائهم داخل ليبيا وعلى رأسهم جماعة الإخوان وحزبها وكذلك الجماعة المقاتلة الليبية وباقى الميليشيات المسلحة وما يعرف باسم جماعة أنصار الشريعة وتنظيم فجر ليبيا الإرهابي، وهو ما اتضح فى المواجهات الأخيرة الدائرة فى طرابلس وبنغازي، حيث واصلت هاتان الدولتان دعمهما للإرهاب والتطرف والمليشيات المهاجمة للعاصمة عبر شحن الأسلحة والمعدات الحربية عن طريق مطار «معيتيقه» العسكرى، الذى تسيطر عليه الجماعات المتطرفة، وأعلنت الحكومة أنه خارج عن سيطرتها، وكذلك عن طريق ميناء مصراته البحرى الذى يسيطر على المدينة ومليشياتها بعيدا عن سلطة الدولة، هذا فضلاً عن التقارير التى تؤكد وجود عناصر استخباراتية قطرية وتركية داخل ليبيا للتنسيق مع هذه القوى وغلق المجال أمام أى احتمال للتوصل إلى تسوية سياسية فى ليبيا، ناهيك عن الدعم المالى الهائل الذى تتلقاه هذه الميليشيات من هاتين الدولتين بما كان له بالغ الأثر فى شيوع حالة من الفوضى فى مختلف أنحاء ليبيا. وعلى الرغم من أن الفترة الماضية قد شهدت حديثا متصاعداً عن هذا الدور السلبى الذى تقوم به كلا الدولتين فى ليبيا، فقد استمرت تركيا على سبيل المثال فى اتباع سياسة يشوبها الغموض والالتباس، فعلى الرغم من اعتراف تركيا فى السابق بشرعية مجلس النواب الليبى الذى تم انتخابه مؤخراً، خرج الرئيس التركى بعدة تصريحات فور تنصيبه مفادها رفض بلاده، انعقاد جلسات البرلمان فى مدينة طبرق، وهو ما يمثل تدخلاً سافراً فى الشأن الليبى كاد أن يتسبب فى أزمة دبلوماسية بين البلدين، هذا فضلاً عن الدور القطرى والدور الذى تقوم به قناة الجزيرة فى تزكية روح العداء بين أبناء الشعب الليبى وهدم أى محاولات من شأنها أن تنجح فى احتواء الوضع المتأزم فى ليبيا. هذه المواقف التى تنتهجها كل من قطروتركيا، لها عدة أهداف يأتى فى مقدمتها التأثير على الأوضاع فى مصر، ففى ظل هذا الوضع السياسى والأمنى بالغ التعقيد فى ليبيا تأتى دول الجوار وفى مقدمتها مصر على رأس الدول المتضررة من جراء هذا الوضع فى ضوء شحنات السلاح والعناصر المتطرفة التى تدخل إلى مصر عبر الحدود الليبية الممتدة لنحو 1000 كم، وذلك لخلق حالة من الانفلات الأمنى فى مصر لخدمة أغراض نشر التطرف والارهاب ومحاولات تقسيم ليبيا التى تروج لها كل من قطروتركيا، فى إطار من التنسيق مع التنظيم الدولى للإخوان، لتحقيق أغراضهم وآمالهم الواهية فى إقامة ما يسمونه "دولة الخلافة"، وهو الأمر الذى سيتحقق من خلال إلغاء مفهوم الدولة القومية وتفتيت الدول العربية إلى دويلات صغيرة على أسس عرقية وطائفية، ولعل ما يحدث فى العراق وسوريا هذه الأيام لهو خير دليل على ذلك. ويكفى أن نقارن فى هذه الحالة بين تلك المواقف وبين الموقف المصري، فعلى الرغم من تضرر مصر البالغ من الأوضاع فى ليبيا كما سلف الذكر، فقد حرصت مصر على الاضطلاع بدور رئيسى فى معالجة الأزمة الليبية وذلك منذ اللحظة الأولى لتصاعد الأحداث الأخيرة فى ليبيا، عبر إجراء اتصالات مكثفة مع مختلف الأطراف الإقليمية والدولية لتسوية الأزمة الليبية بطريقة سلمية، تشجع الليبيين على الحوار والتفاهم حول كيفية العودة إلى المسار السياسى وبناء المؤسسات، كما حرصت مصر منذ البداية التأكيد على أهمية دور دول الجوار الجغرافى لليبيا فى تناول الوضع السياسى والأمنى هناك باعتبار أنها الأقرب جغرافياً لليبيا والأكثر تضرراً من الأوضاع بها، وفى ضوء الحدود المشتركة التى تجمع بينها وبين ليبيا وما تتضمنه من مخاطر تهدد الأمن القومى لهذه الدول. وفى هذا السياق شجعت مصر تأسيس آلية عقد اجتماعات وزارية لدول الجوار الجغرافي، حيث تم عقد أربعة اجتماعات فى الجزائر ومالابو وتونس وآخرها فى القاهرة منذ عدة أيام، حيث طرحت مصر مبادرة لحل الأزمة الليبية وجمع السلاح من كافة المليشيات الليبية تتضمن عدداً من العناصر من أهمها: احترام وحدة وسيادة ليبيا ورفض أى تدخل فى شئونها الداخلية، والالتزام بالحوار الشامل ونبذ الإرهاب، وبدء حوار بين الأطراف السياسية التى تنبذ العنف وصولاً لتحقيق الوفاق الوطنى والمصالحة ووضع دستور جديد للبلاد، وتنازل جميع المليشيات والعناصر المسلحة عن حمل السلاح واللجوء للعنف، وذلك وفق نهج متدرج المراحل ومتزامن من حيث التوقيت، والتأكيد على التزام الأطراف الخارجية بالامتناع عن توريد وتزويد الأطراف غير الشرعية للسلاح بجميع أنواعه، بالإضافة إلى دعم دور المؤسسات الشرعية للدولة وعلى رأسها مجلس النواب، وإعادة بنائها وتأهيلها بما فيها الجيش والشرطة. هذا هو الفارق بين دولة بحجم مصر تدرك مكانتها وتضطلع بالدور الذى يتناسب مع هذه المكانة، وبين دول أو بمعنى أصح دويلات تسعى بلا أى مؤهلات حقيقية لتكون قوة إقليمية ذات دور رئيسى فى محيطها الإقليمى لنشر ودعم الارهاب والتطرف والفوضي. لقد آن الأوان لدول الجوار الليبى أن تتخذ موقفا موحداً أمام هذه المؤامرات التركية والقطرية التى تستهدف النيل من مفهوم الدولة القومية، لأن ما يحدث فى ليبيا اليوم إذا لم يتم تداركه سيكون له تبعات مؤثرة على مستقبل المنطقة بأسرها.