أنار الله بصيرته وقلبه بالقرآن بعد ان فقد نعمة البصر فبدأ حفظ كتاب الله وهو ابن 3 سنوات، وأتم حفظه وهو فى السابعة من عمره. إنه فاروق محمد، طفل السويس الكفيف الذى يتناقل حكايته جميع أهالى المحافظة ومدن القناة. يؤم المصلين ويتلو القرآن فى المناسبات، وحصل على العديد من الجوائز، ومثل مصر دوليا فى المسابقات كان آخرها فوزه بالمركز الثالث فى المسابقة الدولية التى نظمتها الوزارة فى رمضان الماضي. يبلغ من العمر الآن 12 عاما، ويدرس بالصف الأول الإعدادي، يعيش حياته كأى طفل يرى بنور الله، ويستمع إلى القرآن لمدة عشر ساعات يوميا، ولكن المفاجأة انه يمارس رياضة العدو بصفة يومية فى احد النوادى بمدينة السويس، بصحبة والده مدرب الكاراتيه بالنادى الأهلى بالقاهرة، التى يحضر إليها برفقه والده فى كثير من الأحيان. يؤكد أن حفظ القرآن أعطاه ثقة بالنفس وأنساه أنه كفيف البصر، ويطالب بتكريم حفظة القرآن وجعل دراستهم مجانية تكريما لحملة القرآن وتشجيعا لهم ولأولياء أمورهم. وجدناه مبتسما بشوش الوجه، بدت عليه علامات الخجل، ولكنه تثبت بعد أن تلا قول الله تعالى « ألا بذكر الله تطمئن القلوب»، وإلى نص الحوار: متى حفظت القرآن الكريم وكيف بدأت ممارسة القراءة؟ ختمت حفظ القرآن وعندى 7 سنوات فى منطقتى بسيدى الغريب بالسويس، وبدأت الحفظ فى أثناء بداية معرفتى بنطق الحروف والكلام، ومارست القراءة داخل المحافظة، وأحيانا يطلبونى للقراءة فى المناسبات والاحتفالات بمدينة السويس، وظهرت على الشاشة كثيرا، كما أننى من طلاب مدرسة النور للمكفوفين، وفى هذه المدرسة يقومون بتدريس المناهج الدينية، ولكن الدراسة تكون بطريقة (برايل)، وفى المدرسة كثير من الأطفال المكفوفين يتجهون لحفظ القرآن الكريم بتشجيع من الأهل وأولياء الأمور، ولكن يندر من هؤلاء من يوفقه الله للاتجاه للحفظ، لأن هذه نعمة لا يمنحها الله إلا لمن أحبه. ما سر تفوقك فى الدراسة وحفظ القرآن الكريم؟ وبمن تأثرت من المشايخ؟ فى البداية أحببت القرآن الكريم حينما تعلمت النطق بالكلام، فكنت أستمع إلى الشيخ محمود الحصري، والشيخ المنشاوي، والشيخ مشاري، وأعجبنى الشيخ مشارى راشد، وهذا دفعنى إلى الاستماع إليه لمدة 10 ساعات يوميا، كما أننى تأثرت بصوت الشيخ مشاري، ولكن تتدخل هنا الإرادة التى لا تأتى إلا بتوفيق من الله عز وجل، وساعدنى ذلك على التفوق فى الدراسة أيضا، لأن النبى صلى الله عليه وسلم يقول: (من أراد الدنيا فعليه بالقرآن ومن أراد الآخرة فعليه بالقرآن، ومن أرادهما معاً فعليه بالقرآن) والقرآن الكريم أراه أنه خير صاحب يدفع الإنسان إلى الاجتهاد فى العمل والدراسة ودواء وشفاء لما فى الصدور. من أصحاب الفضل عليك فى حفظ القرآن الكريم؟ - أولا والدى كان يأتى لى بمحفظة للقرآن الكريم وتدعى الشيخة (ياسمين) فكانت تحفظنى ساعتين يومياً بالإضافة إلى والدتى التى كانت تواظب على مراجعة القرآن لى يومياً، من أجل أن يثبت القرآن فى عقلي، ووالدى هو السبب الحقيقى وراء حفظي، لأنه رجل رياضى ويعرف كيف يوجهني، فالرياضى دائما يجيد التفكير والمتابعة ويكون صبورا، ولديه جرأة ولا يعرف الإحباط، فكان دائما يقف بجوارى ويهون عليَّ المشاكل ويساعدنى ويمنحنى جرعة أمل دائمة بتشجيعه المستمر لي. تحدثت الآن عن والدك الذى يقف بجوارك فى مشاكلك كى يشد من أزرك، فما المشاكل التى كانت تواجهك؟ - حينما أتممت حفظ القرآن وبدأت فى حضور أول مسابقة للقرآن الكريم وحصلت على المركز الأول، مع وعد بالسفر للخارج، وكان المشرف على المسابقة يوجه سؤالا لكل متسابق، فأثبت تفوقى بجدارة، وبعدها جاءت متسابقة طفلة وقرأت آية قرآنية وهى (بل سولت لكم أنفسكم أمراً فصبر جميل) وفى أثناء ذكرها لهذه الآية بكت الطفلة، وبسبب بكائها سحبوا منى المركز الأول ومنحوه لهذه المتسابقة، ثم أصابنى الإحباط وشعرت بالظلم بعد أن سحبوا منى المركز الأول فى بطولة المدارس وكان ذلك عام 2011، وبعدها رفضت أن أدخل فى بطولة المدارس مرة أخرى، ولكن جاء دور والدى بتشجيعه المستمر لي، وإعطائى شحنة أمل قوية وكان له الفضل فى ذلك، وهذه المشكلة لا يمحوها الزمن من ذاكرتي، وهى الإحساس بمرارة الظلم. وللأسف دائما فى التقديرات يضعون فى الاعتبار العامل المهم للفوز وهو اسم المدرسة القادم منها المتسابق. ما الشهادات والجوائز التى حصلت عليها فى رحلتك النورانية؟ حصلت على شهادة عيد العلم والتفوق، وشهادة تقدير من اللواء أركان حرب العربى السروى محافظ السويس، وميدالية من قائد الجيش الثالث الميداني وجائزة مالية من وزارة الأوقاف شيك بقيمة 5000 جنيه، وكان ذلك بعد عيد الفطر مباشرة، وكان ذلك بسبب أننى حاصل على المركز الثالث على مستوى الجمهورية فى هذه المسابقة، وكان هناك مسابقة للجيش الثالث الميدانى تحت إشراف وزارة الأوقاف بالسويس نظمها الدكتور كمال البربرى وكيل الوزارة بالسويس وتم تكريمى من المدنيين فى نفس حفلة التخرج فى شهر رمضان فى ليلة وترية. هل حصلت على شيك من وزارة الأوقاف دون شهادة توثق وتؤكد هذا المركز؟ لقد حصلت على شيك من وزارة الأوقاف وقدره 5000 جنيه، بعد عيد الفطر المبارك، وذهبنا إلى وزارة الأوقاف للسؤال عن الشهادة، ولكن الموظفة المسئولة قالت لى : (أنت حصلت على شيك، ولا داعى للشهادة، وأتصور مع الشيك) قلت لها الشيك لا يحمل مركزا، ولكنه يحمل مبلغا من المال، ولم نجد كرسى واحد نجلس عليه للانتظار فى وزارة الأوقاف، وجلست والمتسابقون جميعا على الأرض، وأتساءل : هل يجوز أن تخلو الوزارة من بضعة كراس لوضعها فى خدمة المتسابقون؟ أم هؤلاء المتسابقين لا يستحقون الجلوس على كراس ومكانهم الجلوس على الأرض؟! ما أدواتك فى حفظ القرآن الكريم؟ وهل المصحف بطريقة «برايل» واضح فى التشكيل؟ أدواتى فى حفظ القرآن الكريم المصحف المعلم والسى دى بصوت الشيخ مشاري، والشيخ المنشاوى والحصري، أما القرآن الكريم فهناك المصاحف المكتوبة بطريقة «برايل» والمصحف من سورة يونس إلى آخر الكهف، لأن طريقة «برايل» تأخذ مساحة فى الكتابة وبالتالى لا يوجد مصحف كامل بطريقة برايل، ولذلك تم التقسيم، أما عن التشكيل على الكلام فى المصحف بطريقة برايل فهناك طريقتان، أحداهما نجد التشكيل فوق الكلمات، والأخرى نجد التشكيل جانبي، وهذا الأمر لايعيقنى فى القراءة بالتشكيل، بل تعودت أن أعرف التشكيل بأصابعى فى أثناء التلاوة من المصحف بطريقة «برايل». ما هى أمنياتك؟ وكيف ترى مستقبل مصر ببصيرتك التى أنارها الله ؟ - أهم أمنية تراودنى بصفة مستمرة أن أذهب على بيت الله الحرام، وهى أمنية كل من يحفظ القرآن الكريم، وكما يقول الله تعالى: (ولله على الناس حج البيت لمن استطاع إليه سبيلا)، والأمنية الثانية بعد ذلك أن أكون عالماً من علماء الدين بالأزهر الشريف، ولكن حينما تقدمت والدتى بالأوراق لدخول الأزهر أكدوا لها أنهم لايقبلون ضعفاء البصر، فهذه مشكلة أفكر فيها، وكيف أذهب إلى الأزهر لأكون مستمعاً وليس دارساً؟ وهل بالفعل الأزهر ليس لديه كتب برايل؟! أما عن مستقبل مصر، فأقول إن مصر هى بلد الأنبياء، ويوسف عليه السلام قال اجعلنى على خزائن مصر، وهذا يدل على أهمية مصر وهى بلد الأمن وقت الحروب ومصر أطعمت الدول فى وقت القحط والفقر، والنبى صلى الله عليه وسلم، قال «استوصوا بأهل مصر خيرا»، وهى بشرى لكل المصريين، وبالطبع فترة وستمر، وسبحان الذى يغير ولا يتغير. ما الرسالة التى تحب أن ترسلها للمسئولين؟ رسالتى هى المطالبة بتكريم حفظة القرآن الكريم بحيث يكون تكريما حقيقياً يليق بهم، وهذا التكريم سيدخل عليهم السرور ولن يكلف الدولة إلا القليل، وهو جعل الدراسة مجانية لحفظة القرآن الكريم أو إعطاؤهم مزايا عينية أخرى سيكون ذلك بمثابة حافز كبير لحفظة القرآن وتشجيعا للأطفال على حفظ القرآن الكريم، وأيضا دافعا لأولياء الأمور لتوجيه أطفالهم للحفظ حينما يتم إعفاء أولياء الأمور من المصاريف الخاصة، كل هذه الأمور ستدفع الناس وتشجعهم على حفظ القرآن والاهتمام به.