الطريق إلى توطيد العلاقات بين مصر والولاياتالمتحدة كان عادة يمر بتوطيد العلاقة مع المؤسسة العسكرية المصرية، حيث تنظر الولاياتالمتحدة للجيش المصرى باعتباره أكثر المؤسسات المصرية التى يمكن الوثوق بها نسبيا نظرا لتمتعه باستاتيكية لا تشهدها بقية المؤسسات خاصة السياسية منها فى ظل أوضاع داخلية واقليمية تتصف بالسيولة. بالإضافة إلى امريكا على الحفاظ على صفقات السلاح الموجهة للجيش المصري، وما يتبع ذلك من تدريب ومناورات عسكرية مشتركة وبرامج للتسليح بهدف ضمان استقرار المنطقة، وعليه ضمان أمن اسرائيل، ولا سيما محاربة الإرهاب عن طريق التعاون الاستخباراتى بين جهازى الدولتين. وعلى الصعيد الاقتصادى الأمنى بعدٌ أخر، فنجد أن استتباب الأمن فى المنطقة يدعم الاستقرار الأمنى فى منطقة قناة السويس ويضمن تدفق البترل من الخليج لأمريكا. وهذا الرباط الوثيق الذى ربط بين المؤسسة العسكرية المصرية ونظيرتها الامريكية كاد يوصف بأنه زواج كاثوليكى بين كلا المؤسستين لشدة ما يحرص عليه الطرفان من الاستفادة جيدا مما يقدمه الطرف الآخر له من تأمين للمصالح. لذا كان قرار تعليق المساعدات العسكرية قرارا يرسم منحنى جديدا ومنعطفا غير معهود فى العلاقات الثنائية، وتولدت عنه ردود أفعال مختلفة على الجانبين المسألة تحمل بعدا آخر وكانت هذه الأبعاد تنذر بأن العلاقة بين النظام المصرى والإدارة الأمريكية حيث اتخذ الرئيس الأمريكى قرارا بإيقاف المناورات العسكرية المشتركة "النجم الساطع" مع مصر "، ومن ناحية اخرى ناقشت إدارة أوباما ما إذا كانت ستوقف تزويد الجيش المصرى بطائرات أباتشى جديدة من طراز آى إتش 64 دي، والذى كان مقرراً أيضاً أن يتم فى سبتمبر ، وشكلت المساعدات الأمريكية قضية إشكالية فى العلاقة بين الطرفين، فقد لعبت الإدارة الأمريكية بورقة المساعدات للضغط على النظام المصري، والتلويح المستمر بإيقاف تلك المساعدات، اعتراضاً على سياسات يتبناها النظام المصري. وعلى الجانب الأخر تزايدت نبرة الاعتراض من الجانب المصرى على التوجهات الأمريكية ، وبدورها قامت الحكومة بتصريحات تدين الموقف . فوفقاً لجهاز الأبحاث بالكونجرس الأمريكي، فإن مصر ثانى أكبر دولة بعد إسرائيل تحصل على مساعدات من واشنطن، منذ توقيع اتفاقية السلام مع إسرائيل عام 1979، ووصلت المساعدات الأمريكية للقاهرة إلى 71.6 مليار دولار منذ عام 1984 وحتى عام 2011 وفى الآونة الأخيرة بلغت المساعدات الأمريكية نحو 1.55 مليار دولار سنوياً، منها نحو 1.3 مليار دولار مساعدات عسكرية، وعلى الرغم من أن المساعدات العسكرية لمصر تبدو كأنها مبلغ زهيد بالمقارنة بالاقتصاد المصرى، فإن هذه المساعدات تعد مدخلا رئيسا لحصول مصر على الأسلحة المتطورة، ومن ذلك، أثار البعض مخاوف من مدى قدرة الحكومة المصرية على الاستغناء عن المساعدات الغربية، خصوصاً الأمريكية، فى حال اُتخذ قرار بإيقاف تلك المساعدات، فى حين استبعد البعض الآخر أن تمضى القوى الغربية فى مواقفها تجاه فرض عقوبات على مصر، وذلك استناداً إلى الآتي: على الرغم من إلغاء تدريبات عسكرية مشتركة بين واشنطن والقاهرة، فقد صرّح وزير الدفاع الأمريكى تشاك هيجل، بأنه أبلغ نظيره المصرى وقتها المشير عبد الفتاح السيسى قبل أن يكون رئيسا للمصر، بأن البنتاجون سيواصل علاقاته العسكرية مع مصر. فمن المهم للجيش الأمريكى الحفاظ على مصالحه الاستراتيجية مع مصر وبالنظر إلى أن هناك سفنا حربية أمريكية تمر من قناة السويس، وإذا تم منع ذلك، فسوف تتكبد الولاياتالمتحدة خسائر مالية تتعدى أضعاف دعمها لمصر، حيث تتحكم القناة فيما لا يقل عن 4% من حركة النفط العالمية، و8% من حركة التجارة البحرية. ثم فؤجئنا بإقرار الكونجرس وهو استئناف المساعدات الامريكية العسكرية لمصر، ولذا كان علينا استيعاب الدوافع التى جعلت الولاياتالمتحدة تتولى عن قرار أخذته، ويمضى مجلس تشريعها بالتصويت بأغلبية ساحقة على عودة العلاقات لسابق عهدها. فكانت الخيارات العملية أمام الإدارة الامريكية قد أصبحت محصورة نسبيا بحكم الوضع القائم فى مصر وبحكم الاضطراب الذى تعانيه المنطقة بكاملها، وبحكم أيضا تراكم التجارب والخبرات التى تحملها الذاكرة الامريكية فى الشرق الأوسط وديناميكية التعامل مع الحدث. وأبرز ما قد شكل دوافع الولاياتالمتحدة لاستئناف المساعدات هو الحذر والترقب اللذان تابعت بهما الولاياتالمتحدة حول احتمالية عودة العلاقات المصرية الروسية لسابق عهدها و إن كانت الآراء قد تداولت كثيرا أن فكرة قطع شريان المساعدات العسكرية عن مصر لا يمكن أن تنفذ إلا بعد أن يترك بصمته على الاقتصاد الامريكي، لان التداعيات المتوقعة ستكون خسارة المقاولين الامريكيين العسكرين، خصوصا صانعى طائرات بوينج و اف 16 ، وتلك خسارة اقتصادية لاقتصاد يتلقى ضربات موجعة من فترة ليست بالبسيطة. وفى واقع الأمر فإن معظم المساعدات العسكرية المقدمة إلى مصر تستحوذ عليها صناعة الدفاع الأمريكية التى توفر العتاد والصيانة وقطع الغيار فمن الناحية الاقتصادية البحتة، فإن تراجع الأموال المخصصة للمشتريات الأمريكية الاستراتيجية، وإن كان سيؤثر فى الجيش المصري، فإن شركات المقاولات الدفاعية الأمريكية ستفقد أيضاً مزايا كبيرة تتمتع بها، وقد أكد متخصصو المشتريات العسكرية فى الكونجرس أن قطع المساعدات عن مصر سيورط الإدارة الأمريكية فى معركة تعاقدية مع شركات الأسلحة الأمريكية. فبينما ترتبط مصر بعقود مع هذه الشركات حتى عام 2018، بموجب ائتمان نقدى تعهدت به واشنطن، فإن إلغاء الصفقة سيجبر الحكومة الأمريكية على تحمل عقوبات تبلغ مليارى دولار.