يلاحق الفشل الذريع الإخوان كظلهم، منذ أن أكرم الله أرض الكنانة وشعبها الطيب بزوال حكمهم الفاسد غير الرشيد. فقد جربوا تكوين كيانات واهية مرة تحت اسم «تحالف دعم الشرعية» وتارة باسم «المجلس الثورى المصرى» ومع اختلاف المسميات والأشخاص والضجيج الناتج عنها كان مصيرها المحتوم الانهيار والتفكك، ومن قبل حاولوا تأليب العالم ومؤسساته على بلدهم، ولم يتركوا وسيلة إلا استخدموها للتحريض على مصر وأهلها، لكن مساعيهم الشريرة باءت بالخسران المبين. أيضا لم يتورعوا عن احتضان فلذات أكبادهم من التكفيريين والمتطرفين، الذين تربوا وترعرعوا فى كنفهم، ولم يدخر التنظيم الدولى للإخوان جهدًا لمؤازرتهم بالمال والعتاد والمشورة، لتنفيذ هجمات الغرض منها إنهاك القوات المسلحة والشرطة المدنية، ظنًا بأن اعمالهم الإرهابية ستقود معاذ الله لانكسارهما، وستمكنهم من فرض إرادتهم وسطوتهم على هذا الوطن. نضيف لما سبق أن صفة الخداع والمكر ملازمة لحركات وسكنات الإخوان، ولن تجد دليلا وبرهانًا حيا خيرًا من خدعة خبيثة يتم الترويج لها فى صحفنا السيارة بكثافة هذه الأيام عنوانها أن الجماعة الإرهابية بدأت فى اجراء مراجعات فكرية، على غرار ما فعلته الجماعة الإسلامية فى تسعينيات القرن الماضي. وإذا انطلت هذه اللعبة على احد فلا يلوم إلا نفسه، لأنها حيلة من حيل الجماعة الهادفة إلى إطالة عمرها، ومنع تحللها بعدما تكشفت حقيقتها وحقيقة القائمين عليها، وتآكلها من الداخل مع انفضاض الكثيرين من حولها. فالإخوان آخر من يمكن تصديق إقدامهم على مراجعة أنفسهم، حتى فى ظل ما اقترفته أيديهم من جرائم ومفاسد قبل توليهم السلطة وبعدها، فهم يشبون منذ نعومة أظفارهم على مبدأ السمع والطاعة وتعطيل العقل، والويل كل الويل لمَن يشذ عن هذه القاعدة فمآله الطرد، والتشريد، والتشكيك فى صحة عقيدته، فمن الذى سيتجاسر ويرشدهم لفساد ما قامت عليه جماعتهم من مبادئ وقيم تتنافى كلية مع صحيح الإسلام، وأنهم مدينون لمصرنا باعتذار شديد، وكيف لا وهم من سعوا ولا يزالون لهدم الدولة المصرية وركائزها، ويكنون كراهية لا توصف لوطنهم، والشاهد أنه بينما كانوا يذرفون دموع التماسيح على شهداء غزة إبان الحرب الأخيرة على القطاع، ويطالبون الجيش المصرى بالتدخل لنصرة سكان غزة، إذا بهم يوجهون التقريع لقادة حماس لشكرهم مصر على نجاح مبادرتها لوقف اطلاق النار، واتهموهم بأنهم ساعدوا إسرائيل على اغتيال ثلاثة من قيادات كتائب القسام. بناء عليه سيكون من العبث الاعتقاد بانقسام الجماعة لفريقين متصارعين، الأول يضم دعاة الاصلاح والمراجعة، والثانى يقف فيه الجناح المتشدد المالك لزمام القيادة، وإن أردت اثباتا فما عليك سوى استرجاع شريط ذكريات الإخوان من وقت اصطدامهم بالدولة فى ثلاثينيات وأربعينيات القرن العشرين، حينما كشفوا عن وجههم الإرهابى السافر باغتيالهم النقراشى باشا، والخازندار وغيرهما، إلى أن اختطفوا حكم مصر فى غفلة من الزمن. فخلال هذه المراحل التاريخية لم يفكروا للحظة فى المراجعة والارتكان لحائط الشجاعة والفضيلة والاعتراف بالخطأ والتكفير عنه، بل على العكس فقد باعوا لأعضائهم وهم أن المحنة تعد جزءًا اساسيًا من اختبار لا مهرب منه لقوة ايمانهم بأفكار وأحلام مرشدهم الأول حسن البنا، وأن الجميع يحاربهم ويسعى للقضاء عليهم لكونهم على حق ومسلكهم هو المسلك القويم، ولذلك تجدهم يفضلون التزام جانب الانكار، وادعاء المظلومية، وإن تنازلوا وتواضعوا قليلا يقولون نعم ارتكبنا بعض الأخطاء ومن منا لا يخطئ؟ وتنتهى القصة عند هذا الحد، فلا ندم ولا توبة ولا رغبة فى فتح صفحة جديدة، أو حرص حقيقى على مصلحة البلاد. فشغلهم وهمهم الأكبر طوال الوقت كان صولجان السلطة وما يحيط بها من أبهة، وفخامة، ومزايا، وعطايا، وهو ما يوضح التصاقهم الدائم بالدوائر القريبة من الحاكم وعملية صناعة القرار، فهم كالتاجر الساعى لحماية بضاعته وفى سبيل تحصيل منفعته لا يجد غضاضة فى اللجوء للكذب والمداهنة والنفاق وتغيير المواقف كما يغير المرء ثيابه عدة مرات فى اليوم الواحد، ويقدم المبرر الشرعى الذى يجيز له فعل هذه المنكرات. وراجع معى كيف ردوا الجميل للرئيس الراحل أنور السادات الذى أخرجهم من السجون والمعتقلات، وسمح لهم بممارسة أنشطتهم الدعوية والتجارية، واصدار صحفهم ومجلاتهم دون عراقيل، ردوه بأن تآمروا عليه، وطعنوه فى ظهره بمساهمتهم فى تشكيل الجماعة الإسلامية التى خططت للإطاحة بنظامه. فعوضا عن انتهاز الفرصة لترتيب أوراقهم وأفكارهم غلبت عليهم طبيعتهم الماكرة، وهو ما كرروه فى عهد الرئيس الأسبق حسنى مبارك الذى كان حكمه أزهى عهود الإخوان الذين كونوا ثروات وامبراطوريات اقتصادية وتجارية فاقت الخيال، فى الوقت الذى كانوا يكيدون له فى الخفاء، والشهود على ذلك احياء بيننا يرزقون وباستطاعتهم الافصاح عن معلومات وأسرار يشيب لها شعر الرأس. إن خدعة الإخوان الجديدة هدفها انتخابى بحت، فهم يودون تبييض صورتهم قبل انتخابات مجلس النواب، وكسب تعاطف شرائح من الناخبين الإسلاميين، الذين يشعرون بالتوتر والقلق مما يحمله لهم المستقبل، خاصة أنهم يعتبرون الانتخابات المقبلة أملهم الأخير فى تأكيد وجودهم على الأرض مع استمرار فشلهم على مختلف الأصعدة، وأن اعتقدوا أنهم قادرون على النجاة والعبور بسلام من أزمتهم الراهنة، مثلما حدث خلال العقود المنصرمة فهم واهمون. لمزيد من مقالات محمد إبراهيم الدسوقي