أعرفها ، و أعرفه تلك التى مضت ، و لم تقل له الوداع ، لم تشأ و ذلك الذى على إبائه اتّكأ يجاهد الحنين يوقفه كان الحنين يجرفه فهو أنا و أنت ، و الذين يحفرون تحت حائط سميك لتصبح الحياه عشّ حبّ به رغيف واحد ، و طفلة ضحوك ! *** أعرفها ، و أعرفه أميرة شرقيّة تهوى الغناء تهواه لا تحترفه و تعشق اللّياليَ الماسيّة الضياء صاحبة السمو أقبلت ! ... و يصبح البهو المليء ضفتين و تهمس الشفاه كلمتين .. كلمتين - عشيقها هذا المساء شاعر أنيق - نعم ... فإنّها تضيق بالعشيق إذا أتى الصباح و هو فى ذراعها و تهمس امرأة - دولابها يضمّ ألف ثوب و تهمس امرأه - و قلبها يضمّ ألف حبّ - نعم نعم ... فإنها أميرة لا تكتفى بحب و يخفت الحديث ثمّ يهتف المضيف - يا أصدقاء صاحبة السمو تبدأ الغناء ! ... و يخفت الضياء غير كوّة تنير وجهها وتبدأ الغناء ... « أوف ! » « قلبى على طفل بجانب الجدار لا يملك الرغيف ! » .. و تلهث الأكفّ .. فلتحيا نصيرة الجياع ثمّ تدور عينها لتلمح الذى أصابه الكلام و عندما يرفّ نور الشمس تهمس « الوداع » و فى ذراعها عشيقها الجديد ! *** أعرفها ، و أعرفه لأنّنى كنت كثيرا ما أصادفه على شجيرة المساء ، قابعا بنصف ثوب يقول للمساء: يا أيّها الحزن الأثيرى الرحيب ! يا صاحب الغريب أنا كلام الأرض .. هل أنصت لى ؟ ! أنا ملايين العيون ... هل نظرت لى ؟ ! لى مطلب صغير أن تصبح الحياة عش حب به رغيف واحد و طفلة ضحوك ! ... و فى ليالى الخوف طالما رأيته يجول فى الطريق يستقبل الفارّين من وجه الظلام ويوقد الشموع من كلامه الوديع ففى كلامه ضياء شمعة لا تنطفيء و يترك اليدين تمشيان بالدعاء ، على الرؤوس و الوجوه وتمسحان ما يسيل من دموع « الصبح فى الطريق يا أصدقائى ! انّنى أراه فلا تخافوا ... بعد عام يقبل الضياء ! » و عندما يمشون تمشى فوق خدّيه الدموع و يفلت الكلام منه ، يفلت الكلام هل يقبل الضياء حقّا بعد عام ؟ » *** ذات مساء كان صاحبى يكلّم المساء فانساب مقطع مع الرياح ثمّ وشوش الأميرة فقرّبت مرآتها و صفّقت « يا أيّها الغلام ! بجانب القصر فتى يخاطب الظلام اذهب اليه ، قل له سيّدتى تريد أن تكلّمك و لا تقل « أميرتى » ... ثمّ تهادت نحو شرفة جدرانها زهور ورددت فى الصمت » أوف ! » قلبى على طفل بجانب الجدار لا يملك الرغيف ! » و أقبل الغلام يسبق الفتي - أميرتى .. سيّدتى ... أتيت به ! - « أهلا و سهلا .... ليلتنا سعيدة ادخل ... تفضّل ».. و انقضى المساء ! .. و فى الصباح ساءلته ... « ما الذى رأيت ؟ » _ « سيّدتى .. إنّى رأيت كلّ خير » » سيّدتى ... أنا سعيد قالت له ، و عينها فى عينه المسهدة - » أراك قد عشقتنا ! » فلم يردّ صاحبي قالت له : » فما الذى تعطيه لى لو أنّنا عشنا معا ! ؟ فدمّعا ثمّ أجابها و صوته منغّم حزين سيّدتى ... أنا فتى فقير لا أملك الماس و لا الحرير و أنت فى غنى عمّا تضمّ أشهر البحار من لآل فقلبك الكبير جوهرة جوهرة نادرة فى تاج عصرنا و لو قضيت عمريَ الطويل أقطع البحار ، و أنشر القلاع ، و أبسط الشباك ، أقبض الشباك لما وجدت مثلها لكنّنى و جدتها هنا وجدتها لمّا سمعت لحنك المنساب كالخرير يبكى لطفل نام جائعا ! » .. فابتسمت قائلة : » لا أنت شاعر كبير ! يا سيّدى أنا بحاجة إلى أمير إلى أمير ! » و انسدّ فى السكون باب !! *** أعرفها ، أعرفه تلك التى مضت و لم تقل له الوداع .. لم تشأ و ذلك الذى على إبائه اتّكأ يجاهد الحنين يوقفه كان الحنين يجرفه !!