"غاب الحريرى فانطلق الأسير" هكذا تحدث المعنيون بالشأن اللبنانى عندما غاب قسرا رئيس الوزراء الأسبق سعد الحريرى عن لبنان عقب إسقاط حزب الله لحكومته وهو فى رحلة رسمية إلى الولاياتالمتحدةالأمريكية منذ ثلاث سنوات ، حيث قضاها بين باريس والرياض خوفا من الاغتيال إذا عاد إلى لبنان ليلحق بوالده رفيق الحريرى الذى اتهم حزب الله باغتياله بسيارة مفخخة العام 2005 ، كما أن انطلاق الأسير يعنى انتشار الحركات السلفية المتشددة من أهل السنة فى لبنان عقب غياب ممثل السنة خارج البلاد. وبغياب الحريرى بعد سقوط وزارته ، ليشكلها حزب الله وفريق 8آذار الحليف لحزب الله الشيعى وحركة أمل الشيعية، برئاسة نجيب ميقاتى الذى بدا فى قيادته للوزارة وسطيا فتقلص نفوذ السنة سياسيا بغياب الحريرى، نشطت السلفية الجهادية التى أسسها الشيخ داعى الإسلام الشهال فى طرابلس كبرى مدن الشمال ومعقل السنة فى شمال لبنان ، وكذلك ظهر إلى الوجود الشيخ السلفى المتشدد أحمد الأسير إمام وخطيب مسجد بلال بن رباح فى عبرا شرق صيدا، وأصبح التيار السنى ، ويمثله تيار المستقبل بزعامة الحريرى ، فى موقف ضعف سياسيا بغياب الزعيم ، ولكنه أصبح قويا على الأرض بما يمتلك من خطاب هجومى على حزب الله وفريق 8آذار المتحالف معه ، بل إن الأمر أصبح خارج السيطرة فى طرابلس حيث السلفية الجهادية التى سيطرت على المدينة ومنعت الجيش اللبنانى وقوى الأمن اللبنانى من دخول المدينة إلا بعد رفع الظلم عن أهل السنة والإفراج عن المعتقلين السنة بالسجون اللبنانية. ومع تطور الحرب السورية بين الجيش السورى والمعارضة المسلحة ، أعلن الحريرى ومعه فريق 14آذار – تيار المستقبل ،حزب الكتائب ، القوات اللبنانية – تأييده للمعارضة السورية المسلحة فى مواجهة بشار الأسد المتهم الرئيسى مع حزب الله باغتيال رفيق الحريرى ، ومن هنا ازدادت قوة السلفية الجهادية فى الشمال لمساعدة المعارضة السورية بالمال والسلاح والمقاتلين ، مما جعل رئيس الحكومة نجيب ميقاتى فى 2012 يعلن صراحة أن لبنان ينأى بنفسه عما يحدث فى سوريا وأنه ليس مع طرف ضد الآخر حتى لاتتدحرج كرة النار باتجاه لبنان فتحرقها . وبالرغم من الموقف الرسمى للبنان فإن المتشددين السنة فى طرابلس وصيدا لم ينأوا بأنفسهم ولبنان بعيدا عما يحدث فى سوريا، وفتحوا الحدود وبيوتهم ومدارسهم لحوالى مليونى نازح سورى دخلوا إلى لبنان غير المؤهل أساسا لاستقبال نازحين جدد. ففى الشمال سيطر السلفيون على مدينة طرابلس تحت غطاء سياسى من نواب السنة بمجلس النواب والوزراء السنة فى الحكومة، وتمركزوا فى باب التبانة بالمدينة حيث الأغلبية السنية فى مواجهة جبل على حيث الأغلبية العلوية المؤيدة لبشار الأسد والمدعومة من حزب الله ، وتبادل أبناء المدينة الواحدة إطلاق النار بكل الأسلحة وعجز الجيش اللبنانى لمدة عام كامل فى السيطرة على الوضع، ولم يتمكن من ضبط الأمن إلا بعد رفع الغطاء السياسى والأمنى عن قادة السلفية الجهادية فى طرابلس . وفى صيدا حيث ظاهرة أحمد الأسير التى كبرت فى الشارع هاجم الأسير فى خطبه ومظاهرته الجماهيرية حزب الله وزعيمه السيد حسن نصر الله، وحركة أمل وزعيمها نبيه برى رئيس مجلس النواب مهددا بالنيل منهما، وظل الأمر بين شد وجذب حتى أعلن الأسير عن تشكيل ميليشيا مسلحة لحماية أهل السنة فى صيدا من حزب إيران – حزب الله - كما كان يسميه الأسير فى خطبه ومظاهراته ، فتدخل الجيش اللبنانى وأصر على القبض عليه وإنهاء اعتصامه المسلح بمسجده فى 2013، وبعد أيام من المعارك بين الجيش مدعوما من حزب الله وبين الأسير مدعوما من السنة ، تم القضاء على ظاهرة أحمد الأسير بصيدا. ومع السيطرة على الوضع الأمنى فى طرابلس والقضاء على ظاهرة الأسير فى صيدا إتجه المتشددون السنة إلى العمل المسلح فانضم كثير منهم إلى جبهة النصرة التى تحارب فى سوريا ضد بشار الأسد ، بل إن الأمر تطور إلى القيام بعمليات إرهابية فى التجمعات الشيعية بالضاحية الجنوبية حيث معقل حزب الله والشيعة فى بيروت. وبموازاة غياب الحريرى وضعف الموقف السنى سياسيا ، وفى ظل الفراغ الرئاسى بلبنان ، ظهرت قوة دولة الإسلام فى العراق والشام – داعش – فى الحرب السورية ، ثم تطور الأمر لسيطرة داعش على شمال العراق وتهديدها بالقدوم إلى إمارة لبنان حسب قولها لتطهير لبنان من النصارى والروافض -الشيعة - وبعد نجاح قوى الأمن اللبنانية فى ضبط أكثر من عملية انتحارية قبل حدوثها فى مناطق شيعية ومحاولة الاغتيال الفاشلة لمدير الأمن العام اللبنانى اللواء عباس إبراهيم فى ظل نشاط وعمليات السلفية الجهادية والانتحاريين من جنسيات غير لبنانية ، بات الخطر داهما على لبنان لاسيما أن الساسة منقسمون بين بشار الأسد والمعارضة السورية، وقامت داعش والنصرة بمهاجمة الجيش اللبنانى فى مدينة عرسال ذات الغلبية السنية على الحدود مع سوريا، وإختطفت أكثر من 20 عسكريا من الجيش اللبنانى منذ أسبوعين. وبعد أيام من المواجهة بين الجيش اللبنانى وداعش والنصرة فى عرسال وقبل انتهائها فاجأ الحريرى - المبتعد قسرا عن لبنان - جماهير تيار المستقبل والسنة فى لبنان وخصومه ومؤيديه السياسيين بالحضور يوم الجمعة الماضى ، ودخل إلى السراى الحكومى وسط ترحيب غير متوقع من الجميع، أملا فى وضع نهاية للتطرف السنى فى المناطق ذات الأغلبية السنية فى لبنان، خاصة بعدما رفع كل القادة السياسيين من كل الطوائف والمذاهب غطاءهم وحمايتهم للعناصر التكفيرية والجهادية التى بدأت تعمل ضد الدولة اللبنانية والجيش اللبنانى. ومع قدوم سعد الحريرى إلى لبنان عادت الروح إلى بيت الوسط، وهو مقر تيار المستقبل وفريق 14 آذار وتوافد الجميع إلى تهنئة الرجل الذى غاب عن الواقع السياسى 3سنوات خارج لبنان، حيث عاد ومعه مليار دولار منحة من خادم الحرمين الشريفين لتسليح الجيش اللبنانى لمواجهة داعش وغيرها من الجماعات التكفيرية التى تهدد لبنان، بل وتهدد النفوذ السعودى أيضا فى مواجهة حزب الله وإيران فى لبنان . وبالرغم من أن أحدا لم يصرح عن ضمانة أمنية لحياة الحريرى بعد عودته إلى لبنان ، فإن الأمور تسير فى اتجاهها الصحيح. ومع عودة الحريرى يأمل الجميع فى عودة الأمن إلى الشارع اللبنانى فى ظل يقظة قوى الأمن والجيش ، وتغيير الموقف السعودى من المقاتلين فى سوريا نظرا لخطر داعش الذى بات يهدد الجميع ، فإن لبنان سيشهد خلال الأسابيع المقبلة تطورا فى الوضع الأمنى على الأرض، وكذلك تحقيق انتخاب رئيس الجمهورية بالتوافق بين الجميع ، حتى لو تخلى الحريرى عن مرشحه للرئاسة وحليفه سمير جعجع ، وتخلى حزب الله عن مرشحه الرئاسى وحليفه العماد ميشال عون لتذهب الرئاسة حسب التوقعات إلى قائد الجيش العماد جان قهوجى الذى أبلى بلاء حسنا فى مواجهة داعش والنصرة فى عرسال ، ومن قبل مع السلفية الجهادية فى طرابلس والأسير فى صيدا ، ومن المرجح بعدها أن تذهب رئاسة الوزراء إلى سعد الحريرى فى توافق مرحلى بين السنة والشيعة والمسيحيين والدروز، وبذلك تكون عودة الحريرى من منفاه الاختيارى بعد 3سنوات هى طوق النجاة للوضع السياسى والأمنى فى لبنان بعد سنوات من الإرهاب العلنى والمستتر من المتشددين.