يعلم قيادات حركات الاسلام السياسى دون غيرهم أن فجوة عميقة تفصل بينهم وبين غالبية المصريين الآن، وأنهم فوتوا الفرصة تلو الأخري، خلال المرحلة التالية لثورة 30 يونيو، لمد جسور الثقة والتفاهم مع مكونات المجتمع المصري. غير أنهم تأرجحوا ما بين التعلق باحلام اقامة دولة تتوافق مع تصوراتهم وتفسيراتهم للدين ارتكانا لوعود الإخوان، وإحساسهم بالخطر من التعرض لمصير الجماعة الإرهابية، التى لفظها المصريون، بعد معرفتهم بحقيقتها وعدائها لهذا الوطن، واستعدادها للتضحية به من أجل البقاء فى السلطة، والمحافظة على مكاسبها ومغانمها العديدة. النتيجة كانت فقدانهم مزيدا من مساحات حضورهم ومكانتهم فى الشارع. هذا التذبذب، والركض خلف الأوهام أضاع منهم بوصلة الطريق، لأنهم كانوا يراهنون على أن تراجعهم سيكون مؤقتا وسيعودون لسابق عهدهم، وسينفضون عن أنفسهم سريعا ما لحق بثوبهم من بقع سوداء بسبب تحالفهم الوثيق مع الإخوان . لكنهم اكتشفوا متأخرا أن الهوة بينهم وبين محيطهم تتسع بصورة كبيرة، ولم يعد أمامهم سوى التعاطى مع الحقائق على أرض الواقع، ولعل هذا ما دفعهم مجبرين إلى طرح مبادرات لتصحيح مسار الجماعات الاسلامية، أو لنقل لانقاذها من مآل الانزواء والتلاشى التدريجي، فرأينا بمناسبة الذكرى الأولى لفض اعتصامى رابعة والنهضة سيلا من المبادرات والوصايا من أقطاب الحركات الإسلامية، مثل ياسر برهامي، وناجح إبراهيم، وعبود الزمر. وسنتوقف عند ما طرحه الزمر الذى يعد من الشخصيات المؤثرة بقوة فى أوساط الإسلاميين، لأن مبادرته حملت عنصرا تفادت الحركة دائما الاقتراب منه، متمثلا فى دعوته التيار الإسلامى لهدنة لاجراء مراجعات فكرية حول مفهوم المواطنة والتعاون مع فئات وطوائف المجتمع لبناء مصر المستقبل. ومن القراءة الأولية لبنود هدنة الزمر ستلمس قدر ما يسيطر على الإسلاميين من مخاوف وهواجس ظهرت جلية فى قوله «هناك شعور لدى التيار الإسلامى بأنه غير مستقر فى وطنه وقلق على مستقبله، فى ظل الصراع على حكم البلاد، وتمسك كل طرف بثوابت لا يتزحزح عنها، كما لا يوجد الوسيط الذى يمتلك حلا ترتضيه الأطراف». إذن نية التيار الإسلامى تتجه لمصالحة المجتمع، وذاك أمر حسن ومرحب به، لكن على أى أساس؟ إذا كان الأساس اعترافه بأخطائه وبما له وما عليه، ونبذ العنف، فلا غضاضة وستصبح طفرة شجاعة لابد من أن تقابل بالترحيب والتقدير. والاعتراف هنا ليس بغرض جلد الذات والشماتة بقدر ما يستهدف تجنب الوقوع فيها مستقبلا، ولا يغيب عنا أن جزءا كبيرا من الظهير الداعم للإخوان حتى هذه اللحظة من اتباع وحواريى الجماعات الإسلامية، وهؤلاء كانوا وقود اعتصامى رابعة والنهضة، فهم مسئولون لا ريب عما وقع، ويتحملون نصيبا من سفك دماء أبرياء تم التغرير بهم وإيهامهم بأنهم يدافعون عن الإسلام. وباستعراض الأسماء التى كانت تظهر على منصة رابعة ستجد غالبيتها من الجماعة الإسلامية، وأشهرهم طارق الزمر قريب عبود الزمر، وعاصم عبد الماجد، ومحمد عبد المقصود. ويبدو أن التيار الإسلامى غير مستعد بعد للوقوف وقفة جادة وصادقة مع النفس، إذ أن معظم انتقادات قادته منصبة على بيان اخطاء الإخوان وخداعهم، واستغلالهم الدين لأغراض سياسية، وحجم ما ألحقوه من ضرر بالتيار الإسلامي، وتوجس الناس وارتيابهم فى عناصره، وشرح ما على الدولة القيام به لمداواة ما يصفونه بجرح رابعة، دون مواجهة جادة لاخطاء التيار. أيضا هل ستقبل العناصر المكونة لهذا التيار الهدنة وتتجاوب معها وتلتزم بما سيتمخض عنها، أم أنهم سيختارون المراوغة والتنصل من استحقاق المراجعة؟ ولاحظ أن عبود استبق طرح مبادرته بأحاديث ومقالات فند فيها خطايا الإخوان، وكان الرد السريع يأتى من حزب البناء والتنمية الذى ينتمى إليه بتأكيد أن عبود يتكلم بلسانه وليس بلسان الحزب. ثم ألا يستحق المجتمع اعتذارا من الجماعة الإسلامية التى شارك عبود فى تكوينها على النكوص بالعهد بالتراجع عن مراجعات التسعينيات، فمن شاركوا فيها كانوا هم من اعتلوا منصة رابعة وتوعدوا من سيخرج فى الثلاثين من يونيو بالهلاك، والدحر، وقطع الرقاب، وبعضهم حاليا يشجع الإخوان على رفع السلاح فى وجه الدولة، ويحرضون على اقتتال أبناء الوطن الواحد. كذلك إذا كان التيار الإسلامى راغبا حقا وصدقا فى مصالحة المجتمع فعليه التوقف عن سعيه لفرض منطقه وشروطه على الدولة المصرية، فإن كان سيتعامل من منطلق أنه الطرف الأقوى المنوط به ارشاد المصريين لصحيح الدين فعليه مراجعة ذلك، وراجع معى الوصايا العشر لياسر برهامى لخروج مصر من أزمتها الراهنة لتجد العجب، فمن بينها نشر الاخلاق والفضيلة، والتدين واتباع السنة، وأتساءل: لماذا الاصرار على نغمة أن المجتمع يعادى الدين أو ينتقص من قدره وقيمته، حتى لو كان البعض يشطط فى آرائه، مثلما يشطط بعض المشايخ فى فتاواهم الغريبة والشاذة - وما أكثرها -، إن أمام التيار الإسلامى الذى لا ننكر وضعه كمكون رئيسى فى تركيبة المجتمع المصرى فرصة ذهبية فعليه عدم اهدارها لمصلحته ومن قبله مصلحة الوطن. لمزيد من مقالات محمد إبراهيم الدسوقي