توسعة ورفع كفاءة الطريق الدائري بكفر الشيخ    حزب الوفد يرحب باعتراف أسبانيا وأيرلندا والنرويج رسميًا بدولة فلسطين    الدورة الرباعية| فوز الحدود على الترسانة وسبورتنج على منتخب السويس    مصرع شاب خلال مشاجرة بسبب مبلغ مالي بالقليوبية    مهرجان إيزيس الدولي يعرض صورا نادرة للفنانة عايدة عبد العزيز على خشبة المسرح    رامي رضوان يبدي تخوفه بسبب «روكي الغلابة» لدنيا سمير غانم    كيليان مبابى يتوج بجائزة هداف الدورى الفرنسى للمرة السادسة توالياً    تعليم قنا ينفرد بالمركز الأول في مسابقة الأخصائي المثالي للصحافة    فليك يقترب من تدريب برشلونة    تريزيجيه على رأس قائمة طرابزون أمام بشكتاش في نهائي كأس تركيا    منظمة الأغذية والزراعة: مصر الثانية عربيًا في إنتاج الليمون    مراقبة بدرجة أم.. معلمة بكفر الشيخ "تهوي" للطالبات في لجنة الامتحان "فيديو"    هلال ذو الحجة 1445.. وأول أيام عيد الأضحى 2024    رئيس البريد: لدينا 30 مليون عميل وحسابات التوفير حصيلتها 300 مليار جنيه    المركز الإسلامي بمدريد يشيد بجهود شيخ الأزهر في توضيح سماحة الإسلام    نقل شاروخان إلى المستشفى بعد تعرضه لوعكة صحية (تفاصيل)    «ثقافية الصحفيين» تناقش كتاب «اقتصاديات الطائرة الورقية» الأحد 2 يونيو    وزارة الصحة تقدم نصائح للحماية من سرطان البروستاتا    وكيل خارجية النواب عن أكاذيب CNN: تضليل ومحاولة لتحميل مصر مسؤولية تعقد المفاوضات    إقبال متوسط على انتخابات الغرف السياحية.. والقوائم تشعل الخلافات بين أعضاء الجمعية العمومية    رئيس لجنة الحكام يحضر مباراة الترسانة وحرس الحدود فى دورة الترقى    ضبط المتهمين باختطاف شخص بسبب خلاف مع والده فى منطقة المقطم    6 يونيو المقبل الحكم بإعدام المتهمة بقتل طفلتيها التوأم بالغردقة    رئيس هيئة تنمية صناعة التكنولوجيا: التصميمات النهائية لأول راوتر مصري نهاية العام    تضامن الفيوم تنظم قوافل طبية تستهدف الأسر الفقيرة بالقرى والنجوع    مصر والصين تتعاونان في تكنولوجيا الأقمار الصناعية    صحيفة عبرية توضح عقوبة إسرائيل المنتظرة للدول الثلاث بعد اعترافهم ب«دولة فلسطينية مستقلة»    مجلس الوزراء يبدأ اجتماعه الأسبوعي بالعاصمة الإدارية لبحث ملفات مهمة    لمواليد برج الجوزاء.. توقعات الأسبوع الأخير من شهر مايو 2024 (تفاصيل)    السكة الحديد: تخفيض سرعة القطارات على معظم الخطوط بسبب ارتفاع الحرارة    وزير الصحة يفتتح الجلسة الأولى من تدريب "الكبسولات الإدارية في الإدارة المعاصرة"    البنك المركزي يكشف عن وصول قيمة أرصدة الذهب لديه ل448.4 مليار جنيه بنهاية أبريل    مسابقة 18 ألف معلم 2025.. اعرف شروط وخطوات التقديم    فرقة طهطا تقدم "دراما الشحاذين" على مسرح قصر ثقافة أسيوط    أدعية الحر.. رددها حتى نهاية الموجة الحارة    عاجل..توني كروس أسطورة ريال مدريد يعلن اعتزاله بعد يورو 2024    العمل تنظم فعاليات "سلامتك تهمنا" بالمنشآت الحكومية في المنيا    افتتاح ورشة "تأثير تغير المناخ على الأمراض المعدية" في شرم الشيخ    بإشارته إلى "الرايخ الموحد".. بايدن يتهم ترامب باستخدام لغة هتلر    جوارديولا: أود مشاركة جائزة أفضل مدرب بالدوري الإنجليزي مع أرتيتا وكلوب    الأكبر سنا والمربع السكني.. قرارات هامة من «التعليم» قبل التقديم للصف الأول الابتدائي 2024    فدوى مواهب تخرج عن صمتها وترد على حملات المهاجمين    بإجمالي 37.3 مليار جنيه.. هيئة قناة السويس تكشف ل«خطة النواب» تفاصيل موازنتها الجديدة    سفير الاتحاد الِأوروبى بالأردن: "حل الدولتين" السبيل الوحيد لحل القضية الفلسطينية    « وتر حساس » يعيد صبا مبارك للتليفزيون    الصحة: برنامج تدريبي لأعضاء إدارات الحوكمة في مديريات الشئون الصحية ب6 محافظات    حفظ التحقيقات حول وفاة طفلة إثر سقوطها من علو بأوسيم    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم الأربعاء 22-5-2024 في المنيا    تعديلات جديدة على قانون الفصل بسبب تعاطي المخدرات    رئيس جهاز مدينة 6 أكتوبر يتابع أعمال التطوير بالقطاعين الشرقي والشمالي    طلاب جامعة القاهرة يحصدون المركزين المتميز والأول فى مسابقة جسر اللغة الصينية    5 نصائح غذائية للطلاب خلال فترة الامتحانات من استشارية التغذية    البيت الأبيض: إسرائيل وافقت على طلبات أمريكية لتسهيل إيصال المساعدات إلى غزة    هل تقبل الأضحية من شخص عليه ديون؟ أمين الفتوى يجيب    إنبي: من الصعب الكشف عن أي بنود تخص صفقة انتقال زياد كمال إلى الزمالك    جوميز: أحتاج 8 صفقات.. وأتمنى مواجهة الأهلي في السوبر الإفريقي    خبير في الشأن الإيراني يوضح أبرز المرشحين لخلافه إبراهيم رئيسي (فيديو)    هل ملامسة الكلب تنقض الوضوء؟ أمين الفتوى يحسم الجدل (فيديو)    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



بريد الجمعة يكتبه: أحمد البرى
الحلم البديل!
نشر في الأهرام اليومي يوم 07 - 08 - 2014

لم أكن اتوقع أن أكتب اليك بمشكلتى التى تلازمنى منذ صغري،
ولكن دفعنى الى ان أعرضها عليك، ما لمسته عبر بريدك الاسبوعى من حلول سديدة، ورؤى صائبة تضيء الطريق أمام اصحابها. وتساعدهم على تخطى الصعاب، وأعود بحكايتى الى الوراء عندما كنت طفلة، فلقد نشأت فى اسرة متوسطة اجتماعيا تضم خمسة افراد، وتنتسب الى عائلتين من كبار العائلات فى احدى القري، وتزوج ابى وأمى بعد قصة حب ربطت بينهما طوال سنوات الجامعة، وكانت قد تخرجت قبله، بعدة سنوات، حيث انه رسب اكثر من مرة، وتحملت الكثير من أجله الى ان تخرج ثم تزوجا، لكنه ظل عاطلا، ولم يقبل باعمال كثيرة كانت كفيلة بمساعدته على القيام بمسئولياته تجاه اسرته، ولم تجرؤ والدتى يوما على ان تفاتحه فى ضرورة ان يعمل لكى يصرف على اولاده وبيته بدلا من ان ينتظروا الطعام من اهلها أو أهله، ولم تشعره بتقصيره، وصرفت كل ميراثها على المعيشة اليومية، وتوفير القوت الضرورى لنا.
وكبرت ووجدتهما قد تبادلا الادوار، فعندما كنت اطلب من أبى مصروفا، يرد بكل بساطة: «خذى من ماما»، ولم يجد حرجا فى ذلك، وكأنه شيء طبيعي، وكم تمنيت أن أكون ابنة ل «رجل عادي» يعمل مثل كل الناس، ولو فى مهنة «النظافة» المهم ان يأتينا برزق حلال، ويرحمنا من الذل، ويتنازل عن انانيته المفرطة، فهو لايفكر إلا فى نفسه.

ولك ان تندهش من منطقه الغريب، فهو لايريد ان يعمل لدى الغير إذ يرى أنه يجب أن يكون «صاحب عمل» وما أكثر المشروعات التى اقامها لكنها فشلت جميعا، لاسباب عديدة منها انه لم يكن جادا فى إقامتها، ولم يعد دراسة جيدة لها، وكلما تراءى له فى مخيلته مشروع اقدم عليه، مختالا بفكره معلنا كبرياءه عازفا عن الاختلاط بالناس الذين يتعامل معهم بتعال، بينما كانت أمى هى التى تتصدر اى مشروع يقيمه، وتحاول قدر جهدها التوفيق بينه وبين مهامها المنزلية، ورعايتها لنا، الى ان ينتهى تماما وتحدث الخسارة، وهى نتيجة منطقية وفقا للمقدمات والمعطيات التى بنيت عليها.

ومازال أبى على حاله إلى الآن، يعمل احيانا ثم يتوقف عند أول مشكلة تواجهه، ولم يعرف يوما المعنى الحقيقى لمسئولية الاسرة والابناء برغم حبه الشديد لنا ولأمنا، فلم يترجم هذا الحب الى افعال، وتناسى قول رسولنا الكريم «كلكم راع، وكل راع مسئول عن رعيته»، وترك رعاية البيت والاسرة لآخرين تدخلوا فى اختياراتنا وتوجهاتنا بما يتناسب مع عطاياهم، فبدلوا حلمى الاصلى الى «حلم بديل»، فالتحقت بكلية ادبية بدلا من كلية علمية، واعترفت بالامر الواقع وسعدت بكليتى وتعايشت معها باعتبار انها الانسب لقدراتنا المادية، وكتمت احزانى فى داخلي، وفضلت الموت على ان اجرحه بكلمة، وحافظت على صورته كهرم مرفوع الهامة امام الجميع حتى اشقائي، ورفضت ان أعيش دور الضحية، كما فعل بعضهم، وفهمت المعادلة التى يجب ان اسير وفقها بكل دأب وجد وعزيمة، وسرعان ما فكرت فى العمل بعد الثانوية العامة حتى أتمكن من توفير احتياجاتى فى الكلية، والتحقت بعمل مناسب اكتسبت منه خبرات كثيرة، ودخل حياتى زميل لى فى العمل، سرعان ما تقدم لطلب يدي، ولكنى رفضت من الوهلة الأولى ليس لعيب فيه. وانما خوفا من فشل الزواج من جهة، ولأننى أعانى مرضا نادرا من جهة اخري، واكتفيت بالدراسة والعمل وسعدت بنجاحاتى فيهما، وأصر على معرفة سبب رفضي، فصارحته بما فى نفسي، فجاء رد فعله جميلا، ومازالت كلماته ترن فى اذنى: «كأننى لم اسمع شيئا منك، وارجوك الموافقة، فأنا اريدك زوجة لى»، فأعجبنى موقفه منى وتمسكه بى ورجاحة عقله، واعتبرت فارق السن بيننا وهو اربعة عشر عاما فى مصلحتي، حيث كان يمثل بالنسبة لى الاب اكثر منه الحبيب والزوج، وأبديت له موافقتى على الارتباط به، وعرضت الامر على اسرتى فباركت زواجنا، ثم جاءت الاعتراضات من العائلة الكبيرة التى تحفظت عليه من حيث السن والشكل والعمل، فلم اتوقف عند هذه الملاحظات، وتمت خطبتى له، ولاحظت عدم حماسه فى عمله، ولا مبالاته فى كل شيء، وراودتنى اسئلة كثيرة عن سبب تأخره فى الزواج وما أوصله الى الحالة التى اراه عليها، ولما طرحتها عليه أجاب بانه اقام مشروعا صغيرا خسر فيه كل ما ادخره من مال، وانه يساند والدته بتحمل اعباء علاجها، وبعد اسابيع طلب «عقد القرآن» فلم اوافق عليه قبل ان يحصل على شقة الزوجية ويبدأ فى توفير اثاث المنزل، وفقا للاتفاق المبرم بيننا، وكنت أناقشه فى هذه الامور وليس أهلى على عكس المتعارف عليه، فنفذ ما طلبت، وهزت فرحتى بالشقة قلبى الصغير، ثم حدث ما عكر صفو سعادتنا، إذ تم الاستغناء عنا فى العمل معا، فلم ايأس وسعيت بكل ما أوتيت من عزيمة وإصرار للحصول على عمل جديد، وكانت الفرص المتاحة لى فى مجالى اكثر منه، لكننى فضلت ان يحصل هو على عمل أولا، وبعد عدة اشهر عرض قريب لى عليه عقد عمل فى احدى الدول العربية فوافق عليه، وبعدها بأيام جاءتنى فرصة عمل، وابتسمت لنا الحياة من جديد، وشجعنى خطيبى على الكفاح والصبر، وخففت كثيرا من هول المفاجأة التى كانت فى انتظاره بالبلد العربي، حيث وجد أنه سيتقاضى نصف المرتب، وبدل السكن المتفق عليه، ومر عام طويل على الحال الجديدة، ثم تزوجنا بما أتيح لنا من أثاث، وتعرفت عن قرب على كل طباعه، فوجدته بطئ الحركة، وان ردود أفعاله تأتى دائما متأخرة، وطموحاته لا تعدو أن تكون «أحلام يقظة» مثل أبى تماما، وهى لا تتناسب مع إمكاناته بأى حال.

ولم يمكث معى سوى شهر ونصف الشهر ثم سافر إلى عمله بالبلد العربي، وتركنى وحيدة، وكنت أنا التى أبادر بالاتصال به والاطمئنان عليه، وحاولت أن ألفت نظره إلى ما أحتاجه من الوقوف إلى جانبى واحتوائى بعد كل ما لاقيته من متاعب على مر السنين.. وطلبت منه أن يتواصل معى تليفونيا أو عن طريق الانترنت، فجاءنى رده بأنه لا يستطيع أن يعمل ويهتم بى فى آن واحد! فتعجبت لهذا الرد، وكظمت غيظي!، وطالت فترة سفره لمدة تقترب من عامين، وعندما زارنا وجدته متبلد المشاعر بدرجة غريبة فأنا الملهوفة عليه دائما، وأنا التى ابدأ بالصلح إذا حدث خصام بيننا، فإذا سألته : لماذا يعاملنى ببرود وجفاء؟ ينفى بشدة عدم اهتمامه بي، ويقول إنه لا يستطيع الاستغناء عني!.

وشعرت كأننى زهرة فى بستان أخذها صاحبها من وسط أقرانها، ووضعها وحيدة فى بيئة جديدة عليها، وعندما بدأت فى التأقلم مع حياتها المستحدثة، واشتد عودها تناساها، وراح يقطر عليها الماء من حين إلى آخر، فلم يتركها تحيا فى بيئتها الأصلية، ولم يرحمها بأن يدعها تموت سريعا (موتة الرحمة) وفضل أن تموت ببطء... وهكذا ايقنت أن هذه هى مشاعره الحقيقية، فالرجولة من وجهة نظره تعنى التحكم فى المشاعر، وعدم البوح بحبه لزوجته حتى وإن كان يحبها بالفعل.. وإزاء موقفه الغامض فكرت فى طلب الطلاق، لكنى فى اجازته التالية وجدتنى حاملا فى طفلتي، التى جاءت إلى الدنيا فى ظروف نفسية صعبة بسبب ابيها، ولا ذنب لها بالطبع فى تصرفاته، وهكذا صرت وحيدة.. وابنتى هى كل عالمي، وقد مر عام جديد، وجاء زوجى فى إجازته المعتادة، وكنت أتصور أنه سيكون ملهوفا على رؤية ابنته، ومع الأسف الشديد قابلها بمشاعر عادية، ولم تتحرك عاطفة الأبوة لديه، تلك العاطفة التلقائية بين أب وابنته، ثم مر عامان، وكبرت ابنتنا ووجدتها تتعامل مع أبيها بحذر، ولم تثمر جهودى معها لتعريفها بأبيها وحثها على حبه والاقبال عليه إلا بقدر ضئيل، فالعلاقة تبادلية، ومن الضرورى أن تشعر الطفلة بوجود أبيها فى حياتها حتى تقبل عليه، وتتطلع إلى أن تكون معه فى كل خطوة من خطوات حياتها، فلقد كنت اشترى لها اللعب، وأقول لها إن اباها هو الذى ارسلها إليها حتى تنشأ على حبه.

إننى كلما نفد صبرى فى التعامل معه أجدنى أستعيد نفسى من جديد، ولم تقهرنى الصعاب، فهل يقهرنى رجل متبلد المشاعر، فأنا ذات الشخصية القوية المثابرة الناجحة فى عملها التى قهرت كل العقبات، ولم يقف امام طموحها شيء، وأنا نفسها صاحبة الشخصية الضعيفة التى سئمت حياتها فى انتظار زوجها الذى لا يشعر بها على الاطلاق، ولا يفهم متطلباتها كأنثى كل ما تتمناه أن تعيش فى ظل رجل يحتويها، ويشعرها بالقوامة والأمان ويعوضها عما فقدته فى بيت ابيها الذى لعبت فيه أمها دور الرجل، ثم ها هى تلعب الدور نفسه فى بيت زوجها... نعم يا سيدي، فلقد أوصلنى برود زوجى إلى حالة من اليأس لم أعد أستطيع معها الصبر، فأنا إنسانة لى قوة تحمل، ولست (ملائكية) وكل ما أريده من زوجى أن يهتم بى ويحتوينى ويشعرنى بوجودى كزوجة، ووجوده كأب.. إننى أتعجب من حاله وحال أمثاله : واسألهم : أين أنتم من وصية رسول الله صلى الله عليه وسلم بالنساء؟.. فمن حكمته سبحانه وتعالى أن يموت فى حجر زوجته.. لقد سقط أبى الهرم الأول فى حياتى منذ سنوات بعيدة، وها هو زوجى الهرم الثانى يسقط هو الآخر، فالرجال كالأهرامات إذا سقط رجل أصبح كالرمال!!.. وإنى أشكو إلى الله قلة حيلتي، وهواننا أنا وابنتى على زوجي، بعد أن نفد كل ما لدى من صبر.. فهل أجد لديك ما نستطيع أن نتغلب به على الأنواء والأعاصير التى تهز حياتنا بشدة، وقد تلقى بى إلى المجهول؟.

ولكاتبة هذه الرسالة أقول:
لقد تركت نفسك يا سيدتى أسيرة أفكار فى داخلك، وحكمت على الأشياء بمنظورك الشخصي، ولو أنك غيرت هذه الأفكار منذ البداية، وناقشت مع زوجك احتياجك النفسى له، واقتربت منه أكثر من ذلك، وكنت صريحة وواضحة فى البوح بما يعتريك من هواجس وقلق وحيرة من بعض تصرفاته، وأهمها عزوفه عنك وتباعد لقاءاتكما معا.. أقول: لو أنك فعلت ذلك للفت نظره الى ما يؤلمك، ولغير أسلوبه معك على الفور، بدليل تأكيده لك بأنه يحبك، ولم يقف عند مرضك النادر الذى لم تفصحى عنه.. وأقبل على حياته معك بكل ارتياح، وهو أيضا لم يرتبط بأخري، ولا يوجد فى حياته سواك، بدليل أنك لم تنكرى إخلاصه معك ورعايته لك.. ومن هنا فإنك مطالبة بأن تغيرى نظرتك إليه وفكرك تجاهه، وأذكر ما جاء على لسان »جايمس إلين« فى كتابه »مثلما يفكر الإنسان» حيث قال: «سيكتشف الإنسان أنه كلما غير أفكاره إزاء الأشياء والأشخاص الآخرين، فإنهم سيتغيرون بدورهم.. دع شخصا ما يغير أفكاره، وستندهش للسرعة التى ستتغير بها ظروف حياته المادية، فالشيء المقدس الذى يشكل أهدافنا هو نفسنا».

نعم يا سيدتى فنحن بأيدينا أن نغير ما حولنا، وبإمكانك أن تحتوى زوجك بالحوار الإلحاحي، وبأن ترددى على مسامعه أنه كل حياتك، وأنك لا تملكين فى الدنيا طموحا أكثر من أن تسعدا معا بحياتكما وطفلتكما.. إننى أرى من ثنايا رسالتك أن ما يعذبك ليس استبداده، كما جرت عادة الزوجات فى شكاواهن من الأزواج، وانما يعذبك استهتاره، وعدم مبالاته بك على الأقل فى ظاهر الأمر، لكن المحب لا يتوقف عند هنات الحبيب، ويعطيه كل شيء.. يعطيه أفكاره وحياته وجسده وجميع ما يملك، كما أن كل رجل خالص القلب والعزيمة يحترم زوجته ويرعاها ويترفق بها، ويحنو عليها، ويصنعان زواجا ناجحا تسوى فيه كل الخلافات، وأحسب أنكما تزوجتما زواجا سعيدا، لم يكن وليد الظروف، وانما هو بناء شيدتماه على أساس متين، فلا يعقل بعد ذلك أن تهجراه، وتلجآن الى حلم بديل، فالحلم البديل بالتحاقك بكلية نظرية بدلا من الكلية العلمية التى كنت ترغبينها نتيجة الظروف المادية التى مرت بها أسرتك، لا ينسحب على حياتك الزوجية، فتطلبين الطلاق لسفر زوجك المتكرر، أو بعده عنك بعض الوقت، وانشغاله الدائم بعمله.

أما عن تبادل الأدوار، فإن للمرأة دورا أساسيا يتمثل فى رعاية أسرتها، الى جانب دور إضافي، كالعمل مثلا من باب تحقيق ذاتها، والحصول على عائد تساهم به فى تكاليف المعيشة، وتنظيم الإنفاق، أما الرجل فمسئول مسئولية كاملة عن الإنفاق على الأسرة وتوفير الحماية لها ورعايتها، وتهيئة الأبناء منذ الصغر لأن يكونوا أفرادا فاعلين فى الأسرة والمجتمع، ولنا فى السنة النبوية أسوة حسنة فى التكامل بين الزوجين، حيث كان النبى صلى الله عليه وسلم مع زوجته السيدة خديجة بنت خويلد، زوجا وأبا ومساعدا ومكملا، وكانت هى مصدقة له وداعمة ومساندة وحامية، ومكملة لدورها داخل الأسرة دون منّ أو تذمر أو شكوي.

وما يحدث الآن من تبادل الأدوار بين الرجل والمرأة فى أحيان كثيرة، يرجع الى عوامل عديدة أبرزها ضعف الوازع الديني، وقلة الثقافة الدينية، والتنصل من المسئوليات المناطة بكل منهما، والدافع الاقتصادى الذى يعد من أهم الأسباب، فأصبحت المرأة تتحمل فى بعض الأحيان مسئولية إعالة الأسرة.. وأعتقد أن ظروف عمل زوجك وطريقة تفكيره، قد جعلتا الحياة لديه مجرد روتين يومى ممل خال من المشاعر والعواطف المتقدة، مما أفقد حياتكما الزوجية طعمها ونكهتها، والحقيقة أنه أخطأ بعدم حرصه على إبداء عواطفه ومشاعره تجاهك برغم احتياج كل منكما لهذه الأحاسيس، وكانت النتيجة أنك لم تفهميه، ولم تستطعى التكيف معه على حياتك على هذا النحو، فى الوقت الذى ربما يتصور فيه أنك تدركين من تلقاء نفسك قدر حبه لك، وهو فى اعتقاده هذا لا يتخيل الحال التى وصلت إليها، والتى تسببت، أو سوف تتسبب فى اخفاء مشاعرك أنت الأخرى تجاهه، كرد فعل طبيعي، إما اعتقادا منك بأنه لا يستحق عواطفك، أو تيقنا من أنه متبلد المشاعر، وعند هذا الحد أخشى عليكما من الفتور العاطفي.

ومن هنا فإن الثقافة الزوجية مطلوبة من الطرفين، وهناك قاعدة متعارف عليها، وهى «ان المرأة تعطى كل شيء من أجل الحب، والرجل يعطى الحب من أجل كل شيء»، وحين يتوقف أحدهما عن أداء دوره الإيجابي، خاصة الدعم العاطفى والمعنوى لأى سبب تصبح العلاقة فاترة ومملة، فعلى زوجك أن يتنبه لذلك حتى لا يقتل مشاعر الحب المتبادلة، ولا يقف موقف المتفرج، وعليك أيضا ألا تستسلمى لأى ظروف قد تساعد على وجود فجوات بينكما، فصححا الاعتقادات الخاطئة لدى كل منكما تجاه الآخر بالكلمة الحلوة، واللمسة الرقيقة، فيذوب الفتور، وتتجدد حرارة حبكما بإذن الله.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.