حقيقة تحويل الدعم السلعي إلى نقدي وتحريك سعر رغيف الخبز.. متحدث مجلس الوزراء يوضح    دمر كل شيء، لحظة انفجار ضخم في بنك بأوهايو الأمريكية (فيديو)    شاب فلسطيني يوجه التحية ل مصر بعد رفضها التهجير (فيديو)    «كان زمانه أسطورة».. نجم الزمالك السابق: لو كنت مكان رمضان صبحي ما رحلت عن الأهلي    نصف شهر.. تعرف على الأجازات الرسمية خلال يونيو المقبل    حالة الطقس المتوقعة اليوم الأربعاء 29 مايو 2024 في جمهورية مصر العربية    فيديو ترويجي لشخصية إياد نصار في مسلسل مفترق طرق    جوزيف بلاتر: أشكر القائمين على منظومة كرة القدم الإفريقية.. وسعيد لما وصلت إليه إفريقيا    شوفلك حاجة تانية، هل حرض شيكابالا مصطفى شوبير للرحيل عن الأهلي؟    موازنة النواب: الأوقاف تحتاج لإدارة اقتصادية.. ثروتها 5 تريليونات وإيراداتها 2 مليار    إسرائيل تسير على خط العزلة.. والاعتراف بدولة فلسطين يلقى قبول العالم    يرسمان التاتوه على جسديهما، فيديو مثير لسفاح التجمع مع طليقته (فيديو)    مقرر الصناعة بالحوار الوطني: صفقة رأس الحكمة انعشت القطاع المصرفي.. والأسعار ستنخفض    خمس دول في الناتو: سنرسل لأوكرانيا الدفعة الأولى من القذائف خلال أيام    اليوم.. الحكم علي المتهم بقتل طليقته في الشارع بالفيوم    حزب الله يبث لقطات من استهدافه تجهيزات تجسسية في موقع العباد الإسرائيلي    ارتفاع أسعار اللحوم في مصر بسبب السودان.. ما العلاقة؟ (فيديو)    ادخل اعرف نتيجتك..نتائج الشهادة الإعدادية في محافظة البحيرة (الترم الثاني) 2024    واشنطن: هجوم رفح لن يؤثر في دعمنا العسكري لإسرائيل    وزير الصحة التونسي يؤكد حرص بلاده على التوصل لإنشاء معاهدة دولية للتأهب للجوائح الصحية    هل يمكن أن تدخل مصر في صراع مسلح مع إسرائيل بسبب حادث الحدود؟ مصطفى الفقي يجيب    شيكابالا يزف بشرى سارة لجماهير الزمالك بشأن زيزو    «مستعد للتدخل».. شيكابالا يتعهد بحل أزمة الشحات والشيبي    «خبطني بشنطته».. «طالب» يعتدي على زميله بسلاح أبيض والشرطة تضبط المتهم    إصابة 6 أشخاص في حادثي سير بالمنيا    كريم العمدة ل«الشاهد»: لولا كورونا لحققت مصر معدل نمو مرتفع وفائض دولاري    إلهام شاهين: "أتمنى نوثق حياتنا الفنية لأن لما نموت محدش هيلم ورانا"    حسين عيسى: التصور المبدئي لإصلاح الهيئات الاقتصادية سيتم الانتهاء منه في هذا التوقيت    إرشادات للتعامل مع مرضى الصرع خلال تأدية مناسك الحج    نشرة التوك شو| تحريك سعر الخبز المدعم.. وشراكة مصرية عالمية لعلاج الأورام    باختصار.. أهم أخبار العرب والعالم حتى منتصف الليل.. البيت الأبيض: لم نر أى خطة إسرائيلية لتوفير الحماية للمدنيين فى رفح.. النمسا: مبادرة سكاى شيلد تهدف لإنشاء مظلة دفاع جوى أقوى فى أوروبا    سعر الفراخ البيضاء والبيض بالأسواق اليوم الأربعاء 29 مايو 2024    إبراهيم عيسى يكشف موقف تغيير الحكومة والمحافظين    أسماء جلال تكشف عن شخصيتها في «اللعب مع العيال» بطولة محمد إمام (تفاصيل)    3 أبراج تجد حلولًا إبداعية لمشاكل العلاقات    هل طلب إمام عاشور العودة إلى الزمالك؟.. شيكابالا يكشف تفاصيل الحديث المثير    رئيس رابطة الأنديةل قصواء: استكمال دوري كورونا تسبب في عدم انتظام مواعيد الدوري المصري حتى الآن    كريم فؤاد: موسيمانى عاملنى بطريقة سيئة ولم يقتنع بى كلاعب.. وموقف السولية لا ينسى    رسائل تهنئة بمناسبة عيد الأضحى 2024    «الأعلى للآثار» يفتتح مسجد الطنبغا الماريداني بعد ترميمه.. صور    حظك اليوم| الاربعاء 29 مايو لمواليد برج الثور    افتتاح المؤتمر العام لاتحاد الأدباء والكتاب العرب، الخميس    رئيس اتحاد شباب المصريين: أبناؤنا بالخارج خط الدفاع الأول عن الوطن    اليوم.. محاكمة المضيفة المتهمة بقتل ابنتها في التجمع الخامس    طريقة احتساب الدعم الإضافي لحساب المواطن    الوقاية من البعوضة الناقلة لمرض حمى الدنج.. محاضرة صحية بشرم الشيخ بحضور 170 مدير فندق    «زي المحلات».. 5 نصائح لعمل برجر جوسي    هل يجوز الجمع بين صيام العشر الأوائل من ذي الحجة وقضاء رمضان؟    ما حكم الصلاة الفائتة بعد الإفاقة من البنج؟.. أمين الفتوى يجيب    متى يلزم الكفارة على الكذب؟.. أمين الفتوى بدار الإفتاء يوضح    ننشر أسماء المتقدمين للجنة القيد تحت التمرين في نقابة الصحفيين    بدء الاختبارات الشفوية الإلكترونية لطلاب شهادات القراءات بشمال سيناء    جمال رائف: الحوار الوطني يؤكد حرص الدولة على تكوين دوائر عمل سياسية واقتصادية    من أفضل 10 فرق.. جامعة الجلالة تصل لتصفيات «الابتكار وريادة الأعمال» إفريقيا (تفاصيل)    اشترِ بنفسك.. رئيس "الأمراض البيطرية" يوضح طرق فحص الأضحية ويحذر من هذا الحيوان    شروط ومواعيد التحويلات بين المدارس 2025 - الموعد والضوابط    محافظ مطروح يشهد ختام الدورة التدريبية للعاملين بإدارات الشئون القانونية    مركز الأزهر للفتوى الإلكترونية يوضح فضل حج بيت الله الحرام    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



علمونى كيف أتأهرم.. فتأهرمت!
نشر في الأهرام اليومي يوم 04 - 08 - 2014

أنت تعشق الصحافة وهى حلم حياتك.. تريد إذن أن تصبح صحفياً وساقك الحظ السعيد إلى الأهرام. استعد إذن يا صديقى الشاب للأهرمة!
ستدخل الأهرام فتلتقى ما أسعدك بجيل من الأساتذة نادراً ما يجتمع مثله فى مكان واحد وعلى كل المستويات.. فى التحرير والإدارة والمطابع والإعلانات والتوزيع إلى آخر هذه المنظومة التى تشكل ما يسمى بالمؤسسة الصحفية.كان دخول كاتب هذه السطور إلى الأهرام للعمل فى رمضان من عام 1970 بعد أن تقلص وتراجع العمل فى مجلات وزارة الثقافة عقب النكسة ، . اتصالات عديدة ومحاولات كثيرة انتهت جميعها إلى يد الأستاذ عبد الحميد سرايا يرحمه الله وكان الأهرام قد تعرضت لنقص مفاجئ فى أسرة سكرتارية التحرير الفنية بالوفاة المفاجئة لرئيس القسم الأستاذ هشام توفيق بحرى ثم شكوى الأستاذين أحمد النجار وصبرى سويلم من المرض الذى يتعذر معه استمرارهما فى العمل فى السكرتارية الفنية ورغبتهما فى الانتقال إلى أى من الأقسام الأخرى.
فى هذه الظروف فقط وليس فى غيرها كان يمكن دخول الأهرام. سألنى الأستاذ عبد الحميد سرايا وكان لابد أن يسألنى – إذ كيف يمكن أن يدخل الأهرام من ليس مؤهلاً لدخولها؟ ثم وعلى يد من؟ سألنى عن راتبى قبل دخول الأهرام فذكرته له..
كان راتبى من مصلحة الاستعلامات وكان هذا هو اسمها فى ذلك الوقت يتجاوز الخمسين جنيها فإذا أضفنا إليها ما أكتبه من قصة أو مقال فسيقترب الإيراد من المائة جنيه وقد يزيد..
هز الأستاذ عبد الحميد سرايا ر|أسه وقال فى ثبات:
- لا.. لا.. لا أنت هنا حتبدأ من جديد.. من أول السلم ولا شأن للأهرام بما يدور خارجها.. لكن!
بين لكن هذه وما بعدها مرت لحظة طالت عندى لتصبح ساعات.. لكن – قال الأستاذ سرايا - بإخلاصك واجتهادك قد يتجاوز راتبك من سبقوك بسنوات ولا تندهش فهى كما ستعطيك ستخصم منك عند الخطأ.. هنا مبدأ الثواب والعقاب. مفهوم؟
هززت رأسى وقد تأكدت بعد ذلك من كل كلمة قالها فى حكاية قد أجدنى مضطراً أن أحكيها فى موقع آخر..
كان هذا هو الدرس الثانى فى الأهرمة!!
أنت إذن ملك للأهرام منذ لحظة قبولك العمل فيها، وليست الأهرام هى التى ملكك! أما الدرس الأول فكان أن تنسى ذاتك منذ لحظة دخولك الأهرام للعمل حتى خروجك منها لتعود إليه.. تنسى كما قلنا بيتك وأصحابك بل وحياتك خارجها..
فى الأهرام لابد وأنت تلتقى بكل هذه القامات العالية أن تتعلم شيئاً فشيئاً الدرس الثالث من دروس الاهرمة وستتعلمه هذه المرة من الأستاذ ممدوح طه رئيس قسم الأخبار وكانت تتبعه كل وزارات الحكومة.. أى حكومة..
كانت مدرسة ممدوح طه الصحفية فى قسم الأخبار تقول بكل بساطة إن الخبر لن ينتظرك مهما كنت فاذهب واخطفه قبل أن يخطفه غيرك.. وسأضرب مثلاً..
كنت فى مكتبه أثناء اجتماعه مع أفراد قسمه قبل الاجتماع الأول لأقسام التحرير برئاسة رئيس التحرير ومدير التحرير. فى مكتبه جلس هادئاً يستمع لكل مندوبى الوزارات بكل صبر حتى جاء دور الزميل المرحوم أحمد حسين مندوبنا فى وزارة العدل فسأله الأستاذ ممدوح طه:
- وإنت يا أحمد؟
ابتسم أحمد وهز يديه: - أنا إجازة يا ريس!
- ليه إن شاء الله؟
قال أحمد حسين مرتبكاً: - لأن الوزير فى اجازة والوزارة ليس فيها مسئول واحد!
رد الأستاذ ممدوح طه ساخراً:
- يا سلام!! وقضية كذا المعروضة أمام مجلس الدولة ماذا تم فيها؟ وموضوع الطعن المعروض على قلم قضايا الحكومة؟ وحكم المحكمة الدستورية فى كذا! والقضية المعروضة على محكمة الاستئناف؟!
هب أحمد حسين مذعوراً من هول المفاجأة يقول:
- الله. هو انا المندوب يا ريس والا حضرتك؟!
ثم خرج مسرعاً ليعود ومعه ثمانية أخبار جديدة كلها انفرادات!
لابد أيضاً أن تتعلم الدرس الرابع من دروس الأهرمة على يد امبراطور التحقيقات الصحفية الأستاذ صلاح هلال.. وهو بحق أستاذ أساتذة سأذكر منهم على سبيل المثال محمد زايد وعزت السعدنى وعبد الوهاب مطاوع وبهيرة مختار ورياض توفيق وكل منهم يستحق حكاية لوحده.
تدخل مكتب صلاح هلال فلا تجده مكتباً بالمعنى العلمى للكلمة وإنما هو إن شئت فقل إنه «مقلب تحقيقات» وتحتار.. إذ كيف يختار الأستاذ صلاح هلال موضوعاته من بين هذه الأكوام من التحقيقات وهو الذى شهدت له الصحافة الانجليزية أن صفحات تحقيقاته من أرقى وأقوى صفحات التحقيقات العالمية. هو الطباخ والكوتش الذى لا تفوته صغيرة ولا كبيرة فى صفحتى تحقيقاته.. يضرب يده عند اللزوم داخل واحدة من هذه الكومات فيخرج الموضوع «الاكتواليتيه» ابن اللحظة الذى يخفيه ولا يعرف مكانه أحد سواه!!
الدرس الخامس لن تتعلمه إلا من كمال نجيب وحده.. ذلك الرجل الذى يبدأ غيار (تغيير) صفحات الجريدة فى الطبعة الثانية بقراءة صفحة الوفيات وتصحيحها.
ولماذا يا استاذ كمال؟
يجيب: لأن صفحات الوفيات هى ملتقى كل عائلات مصر.. هى صفحات التواصل الاجتماعي.. منها تعرف علاقات كل الناس بكل الناس.. ثم يبدأ فى تصحيح الأسماء.
الدقة المتناهية إذن والخبر الصحيح والسعى الدءوب نحو الأكمل والأفضل هى الدرس الخامس للأهرمة فلا تبتئس ولا تتضجر وتعلم الصبر..
وفى دروس الأهرمة تعلمت درسى السادس من أستاذنا الكبير نجيب المستكاوى وهو: لا تخشى فى الحق لومة لائم..
كانت كلمة «حاجة تقرف» على لسانه دائماً كلما واجه عيباً أو خطأ ينبغى تصحيحه فى الأهرام أو فى أى عمل تولاه، كنا نعد للعدد الجديد من مجلة الأهلى وكان هو رئيس تحرير المجلة عندما جاءه الأستاذ كمال حافظ مدير النادى معاتباً لمغالاة الأستاذ المستكاوى فى معاقبة لاعبى الأهلى على أدائهم السيئ فى إحدى مباريات النادى المهمة فاعطى اللاعبين أصفاره عقاباً على ما اعتبره تقصيراً منهم، وسأله الأستاذ نجيب:
- يعنى كنت عاوزنى أعمل إيه؟ أدلعهم على اللعب الوحش والا أقول لهم إنه وحش؟
ورد الأستاذ كمال حافظ: - يا أستاذ نجيب دى مجلتهم ومن حقهم تديهم أمل.. تشجعهم تخفف عنهم إنما موش كده:
ورد الأستاذ نجيب بكل حسم: - أنا ما أدلعش حد والوحش لازم يتقال له إنه وحش.. عاوزين تدلعوهم اتفضلوا خدوا مجلتكم ودلعوهم زى ما أنتوا عايزين حاجة تقرف!
ولم يتراجع الأستاذ نجيب.. ولم يخش فى الحق لومة لائم!
أما فن المجاملة وتشجيع شباب الصحفيين وكبارهم أيضاً فهو ضلع من أضلاع الأهرمة ولكن فى جانبها الناعم الرقيق.. والأستاذ والفنان هنا هو صلاح جلال ولقبه الدكتور لرئاسته القسم العلمي. تأتى صباحاً إلى الأهرام فتجد تحت زجاج مكتبك بطاقة منه تحييك وتثنى على مقالك أو صفحتك فتبتسم لك الدنيا ويشرق صباحك. منهج سار عليه الأستاذ صلاح جلال نقيب الصحفيين بكل الحب والإخلاص حتى يوم وفاته.
وكان هذا هو الدرس السابع الذى تعلمناه من الأستاذ صلاح جلال ولآخر لحظة فى عمره وهو أن تشجع زميلك الذى يحتاج إلى تشجيعك.. فلا حسد.. ولا أنانية.. ولا غيرة بغيضة وإنما الكل فى واحد ومن أجل هدف واحد هو الأهرام..
لابد الآن من العودة إلى الأستاذ عبد الحميد سرايا لأحكى ما وعدت بحكايته عن حديثه عن الجد والاجتهاد والاخلاص للأهرام وفيه الدرس الثامن من دروس «الأهرمة»..
دارت المطبعة تحمل الطبعة الأولى من الاهرام. على الدسك المركزى الأستاذ عبد الحميد سرايا وفى دسك المحليات الأستاذ صلاح منتصر وفى السكرتارية الأستاذ فريد مجدى وكاتب هذه السطور ثم بعض شباب المحررين من الأقسام السهرانة.
دقائق ثم جاء الرقيب وكان يزاملنا ويقرأ كل حرف وخبر ويراجع كل صورة قبل النشر.. جاء الرقيب على استحياء يخبر الأستاذ عبد الحميد سرايا – وكان مريضاً يسافر للخارج للعلاج – بأن الدكتور عبد القادر حاتم وزير الإعلام يطلب رفع كاريكاتير الأستاذ صلاح جاهين فوراً وإعادة طباعة الأهرام بدونه!!
نهض الأستاذ عبد الحميد سرايا محبطاً ومهموماً وهو يقول:
- أنا خلاص تعبت.. مش كل يوم حنفضل «نهاتى» مع الرقابة.
ثم نادى على الأستاذ فريد مجدى طالباً منه أن يرفع كاريكاتير صلاح جاهين وأن «يتصرف» فى أى شيء مكانه. من مكتبه جاء الدكتور عبد الملك عودة وكان مساعداً لرئيس التحرير فى ذلك الوقت يقترح أن توضع بدلا من كاريكاتير صلاح جاهين خريطة لإفريقيا تناسب مقاله المنشور فى الصفحة فطلب منى الأستاذ فريد مجدى أن أكلم الأرشيف لأطلب ملفاً لصور افريقيا واختار منها صورة مناسبة. لم يعجبنى الحل لأنى لم أجد – كقارئ – فى كاريكاتير صلاح جاهين ما يستوجب طلب رفعه وأسرعت إلى الأستاذ عبد الحميد سرايا أسأله، أليس من اللائق هنا ونحن نرفع كاريكاتير فنان كبير يسمى القراء الصفحة باسمه فيقولون صفحة صلاح جاهين.. أليس من اللائق أن نقدم كلمة اعتذار للقارئ عن رفع الكاريكاتير لا تمس الرقابة ولا تغضب أحداً؟!
قال الأستاذ عبد الحميد سرايا:
- اعملوا زى ما انتوا عايزين.. أنا خلاص زهقت!
وكان معروفاً داخل الأهرام أن للأستاذ عبد الحميد سرايا واقعة شديدة مع السيد محمد فائق وزير الإعلام قبل الدكتور حاتم..
لكن ما الذى أغضب الدكتور عبد القادر حاتم إلى هذا الحد فدفعه إلى طلب رفع الكاريكاتير؟ هذا ما عرفناه من صديقنا الرقيب فيما بعد!!
عرفنا فيما بعد من الرقيب السهران معنا أن الدكتور عبد القادر حاتم وهم يعرضون عليه ملاحظاتهم على جريدة الأهرام توقف أمام كاريكاتير صلاح جاهين وقال:
- من فضلكم مش عاوزين مشاكل مع الأستاذ عبد الوهاب! شيلوا الكاريكاتير..
كان كاريكاتير صلاح جاهين يصور غرفتين من غرف استوديوهات الإذاعة وفى كل غرفة مخرج ومذيعة، وقد كتب صلاح جاهين على الأولى استوديو (1) وعلى الثانية استوديو (2) أما الكلام فكان بين المخرج والمذيعة داخل أحد الاستوديوهات وكان يقول لها مشيراً إلى الاستوديو الثاني:
- لو كانوا همه جابوا عبد الوهاب.. احنا كمان نجيب أحمد عدوية!
وكان ذلك بمناسبة بطولة عبد الوهاب لمسلسل شيء من العذاب أمام نيللى فى الإذاعة..
المهم.. كلمنا الريس محمد ربيع رئيس الوردية الليلية فى صالة التوضيب بالدور الثالث وشرحنا له كل شيء وطلبنا أن تقف المطبعة انتظاراً للصفحة الجديدة بالخريطة وبدون الكاريكاتير.
- وبسرعة وحياتك يا ريس ربيع..
جلست أتأمل الكاريكاتير باحثاً عن حل أسرع من خروج الخريطة من الزنكوغراف لتوضع على الصفحة وتدور المطبعة من جديد، فهدانى الله إلى الحل وأسرعت لألحق بالأستاذ سرايا قبل انصرافه أعرضه عليه..
قلت إننا يمكن أن نسمى استوديو (1) واستوديو (2) شقة (1) وشقة (2).. فنظر إلى صامتاً يسمع. أضفت ثم نقوم بتغيير كلام المخرج للمذيعة ليصبح مثلا.
- إذا كانوا همه جابوا ياميش السنة دى (وكنا نقترب من شهر رمضان) طلعى إنتى قشر ياميش السنة اللى فاتت وحطيه على الباب عشان يعرفوا ان احنا كمان عندنا ياميش!!
ويبدو أن الفكرة قد أعجبت الأستاذ سرايا فنادى على الأستاذ صلاح منتصر وقال:
- شوف سامى حيوريك إيه يا صلاح يمكن يكون ده الحل..
أسرعت إلى الأستاذ صلاح منتصر الذى وافق على الفور وقال:
- انزل بسرعة شيل الخريطة ونفذ فكرتك..
حدث كل شيء فى دقائق وسط دهشة الجميع وسعادة الريس ربيع بالحل الجديد فأسرع معى يساعدنى فى تنفيذه , دخلت الأهرام فى اليوم التالى فى موعدى بعد سهرة الأمس وكان موعدى فى الساعة الرابعة ليسألنى كل من صادفنى منذ باب الدخول فى شارع الجلاء
- إنت عملت إيه امبارح؟
فاسأل مندهشاً وخائفا: - ليه؟ هو حصل حاجة؟
فيرد من يرد: - أصل بيقولوا الأستاذ هيكل كتب اسمك فى المفكرة اللى معاه فى اجتماع الدسك
دق قلبى بعنف وأنا أصعد لاستلم عملى فى الدور الرابع لألتقى مع الأستاذ ماهر الدهبى رئيس السكرتارية الفنية الذى كان يقف فى انتظارى ليقول:
- ياللابسرعة روح لأكرم (الصراف) ده مستنى من ساعتين!
سألته مندهشا: - هو فى إيه يا أستاذ ماهر؟
قال وابتسامة كبيرة تضئ وجهه: - الأستاذ هيكل عمل لك مكافأة كبيرة.. ياللا.. بسرعة..
عرفت الحكاية فيما بعد، ومازالت المكافأة فى يدي، من بعض من حضروا اجتماع الدسك الذين قالوا إن الأستاذ هيكل فى بداية الاجتماع وقبل حتى مناقشة خريطة أهرام اليوم وخطته فى النشر بادر بشكر الأستاذ عبد الحميد سرايا على ما حدث بالأمس فقال:
- شكرا يا عبد الحميد.. إنت أنقذت شرف الأهرام النهاردة
ورد الأستاذ سرايا وهو ينهض يبحث عنى فى مكاتب السكرتارية الفنية:
- لأ يا افندم ده مش أنا.. ده شاب صغير فى السكرتارية الفنية اسمه سامى فريد..
أخرج الأستاذ هيكل من جيبه مفكرته وقلمه وسأل عن الاسم مرة أخرى ليكتبه ثم مد يده يطلب ورقة خالية ليكتب فيها:
تصرف مكافأة شهر للأستاذ سامى فريد
ثم يوقع بعلامة (صح) المعروفة عنه..
ذهبت الورقة إلى الصرَّاف فجلس ينتظر وصولى ليتحقق درس الأستاذ عبد الحميد سرايا يوم أول دخولى إلى الأهرام وهو أن الأهرام لا تنسى أبناءها إن أحسنوا وتحاسبهم أيضاً إن أخطأوا..
وسيكون درس الأهرمة التاسع هذه المرة من الأستاذة بهيرة مختار رئيسة قسم التحقيقات فى مرحلة من عمر الأهرام المديد بإذن لله. من بهيرة مختار ستتعلم أن حجم الصحفى هو حجم ما يعرف ومن يعرف.. حجم ما يعرف من معلومات ومن يعرف من المصادر وكانت دائمة القول ان الصحفى ثقافة عرضاً وعمقاً ومصادر فى كل الاتجاهات ومن جميع الألوان، وقد اكتشفت هذا بنفسى فى مناسبات عديدة فقلت لها مندهشاً إنها تذهلنى بتنوع ثقافاتها وأنها فيما يبدو لى تعرف نصف المصريين فانطلقت ضحكتها تجلجل وهى تقول:
- مصر بس.. وبره مصر كمان وحياتك!..
الدرس العاشر والأخير فى الأهرمة سيأتى هذه المرة من زميل شاب شديد الحياء والأدب والاخلاص لعمله الصحفى اختطفه الموت شاباً فى غربته عندما لم يستطع أن يتكيف مع بعض الأوضاع داخل مصر فسافر إلى الامارات ليجد فى انتظاره هناك ما أفسد عليه حياته هنا..
كان محمد عبد التواب الذى أحكى عنه أستاذاً فيما يمكن أن نسميه «الأصول»! كان فى ذلك الوقت مندوب الأهرام فى محافظة القاهرة، وحدث وقت أن كان فوق ميدان التحرير كوبرى دائرى أن تراكمت بعض مخلفات البناء والاصلاحات لتسد حركة المرور فى الميدان، فأصدر المحافظ تصريحات قال فيه ان المحافظة قد رفعت كل الاشغالات وأن حركة المرور قد عادت إلى طبيعتها. ذهب محمد عبد التواب إلى الأستاذ صلاح هلال فى مكتبه بالصالة وهمس فى أذنه يقول إن تصريح المحافظ كله غير صحيح! وأن التشوينات والمخلفات باقية كما هى لم ترفع ومازالت تعوق حركة المرور!
سأله الأستاذ صلاح هلال إن كان متأكداً مما يقول فالكلام خطير، ورد محمد عبد التواب طالباً أى مصور صحفى لتصوير الحالة على الطبيعة. نزل المصور مع محمد عبد التواب وصور الواقع كما هو بالمخلفات والتشوينات وارتباكات المرور وعرض عبد التواب الصور على الأستاذ صلاح هلال الذى علق قائلاً إن مصيبتنا كبلد فى المسئولين من هذا النوع، وأفرد لصور عبد التواب مساحة كبيرة اضطرت رئيس التحقيقات إلى رفع موضوعات من الصفحة ونشرت الصور، وهاج المحافظ فأصدر أمره بمنع محمد عبد التواب من دخول المحافظة وفوجئ الزميل محمد عبد التواب بأمن المحافظة يمنعونه من الدخول معتذرين بأنها أوامر السيد الوزير المحافظ فطلب عبد التواب أن يستأذنوا سيادته فى طلب المقابلة التى سمح له المحافظ بها أخيراً..
فى المقابلة عاتب المحافظ مندوب الأهرام عتاباً شديداً مهدداً إياه بأنه سيطلب من الأستاذ هيكل أن يرسل إلى المحافظ مندوباً غيره! وكان رد محمد عبد التواب قاسياً فقال إنه يتحدى أن يرفع المحافظ سماعة التليفون ليطلب الأستاذ هيكل، وأنه ليس مندوباً للمحافظة فى الأهرام وإنما هو مندوب الأهرام فى محافظة القاهرة التى هى بالمناسبة ليست ملكاً للسيد المحافظ.. طرد المحافظ عبد التواب، فخرج من المحافظة ناوياً عدم العودة لكنه مرَّ على مكتب رئيس قسم الأخبار يطلعه على ما حدث فى المحافظة وما دار بينه وبين المحافظ.
سمع الأستاذ ممدوح طه الحكاية صامتاً ثم طلب منه أن ينتظره فى المكتب حتى يعود. فى مكتب الأستاذ هيكل حكى الأستاذ ممدوح طه الحكاية لرئيس التحرير الذى طلب عدم نشر أى كلمة عن محافظ القاهرة ونشاطه وأخبار المحافظة حتى يعتذر للأستاذ محمد عبد التواب، وقال بالحرف الواحد ما حكاه لنا الأستاذ ممدوح طه. قال الأستاذ هيكل:
- محافظات مصر يا أستاذ ممدوح؟.. شيل منهما محافظة القاهرة.. ومرت الأيام إلى أن جاء يوم اتصل فيه محافظ القاهرة بالاستاذ ممدوح طه يستفسر عن عدم نشر أى أخبار عن المحافظة ولماذا لم يرسل الأهرام مندوباً آخر إليه بدلا من الأستاذ محمد عبد التواب؟ وكان رد الأستاذ ممدوح طه حاسماً وقوياً. قال: يا فلان إنت عارف إنت قلت للأستاذ محمد إيه وبناء عليه قرر الأستاذ هيكل عدم نشر ولو سطرا من أخبار المحافظة. على الفور أدرك المحافظ حجم الخطأ الذى وقع فيه وحاول استدراكه فقال: الأستاذ محمد ده حبيبى وأخويا.. ده أنا كنت بأضحك معاه.. أرجوك يا أستاذ ممدوح تبعتهولى أصالحه.
من جديد رد الأستاذ ممدوح طه بحسم أكبر فقال: - سيادتك أهنته فى المحافظة عندك.. يبقى سيادتك اللى تجيله فى الأهرام وتصالحه...
على الفور كان رد المحافظ: آجيله بكره الظهر.. يا سلام..
وعلى الفور أيضاً أخرج الأستاذ ممدوح طه من جيبه ورقة مالية من فئة كبيرة ناولها للأستاذ محمد عبد التواب الذى نظر إليها مندهشاً لا يعرف ماذا يفعل بها. قال الأستاذ ممدوح طه: خدها واصرف على المحافظ وبالغ فى الصرف ما تخليهوش يدفع من جيبه مليما واحدا.. فاهم؟ لازم يعرف إن ولاد الأهرام كبار قوي.. وعزاز قوى وعندهم كرامة قوي.. قوى.. كان الدرس العاشر فى الأهرمة هو أن كرامة الصحفى فوق كل اعتبار وأنه بدون الكرامة قد يسقط كل شىء!! ولكن.. هل انتهت دروس الأهرمة فى الأهرام عند حدود الدور الرابع حيث صالة التحرير ومطبخ الصحافة؟!
انزل إلى الدور الثالث.. إلى غرفة المحركات كما فى السفن لتجد مراجل الأهرام تغلى فى انتظار ما تكتبه أقلام المحررين وما ترسله كاميرات المصورين. فى الدور الثالث ستجد ورشة الزنكوغراف وفيها المهندس صلاح الشيمى وكتيبته المقاتلة: جلال هاشم ومحمد عربين وجوزيف وهمبرسوم وسعيد عبد الرازق والحاج عبد الكريم. مجموعة تعمل فى صمت دءوب يزعجها الخطأ ويسعدها النجاح. ويفاجئك أحياناً كثيرة الخواجة همبر وهو يجرى حاملاً معه «زنكة» صورة الأولى أو غيرها من زنكات صور صفحات الأهرام ليرفعها ويضع الجديدة مكانها لعيب قد لا تراه العين فى الصورة الأولى لكن عينه الخبيرة تراها..
هذه السطور تكشف عن يعض دروس «الأهرام» فى نشدان الكمال والاكتمال الذى لا يرضى بغيره بديلاً.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.