منذ ظهوره على الساحة قبل ثلاث سنوات، تدرج حزب النور من الزهو الزائد عن الحد بمواطن ومصادر قوته فى الشارع، واستمتاعه بلعب دور صانع الملوك، الذى يلهث الجميع للفوز بوده ورضاه، ثم سعيه لفك الارتباط بينه وبين جماعة الإخوان، عندما تأكد أن حكمها إلى زوال، حتى ينقذ قاربه من الغرق، واضطراره مجبرا على الانحناء أمام اعصار الجماهير الهادر فى 30 يونيو، وصولا لمرحلة اظهار أنيابه فى التوقيت الراهن. فالنور يعلم أن انتخابات مجلس النواب ستكون اختبارا قاسيا له ولكوادره ويطمح لاجتيازه بنجاح، للمحافظة على حضوره ونفوذه وسط مريديه، ولكيلا تنفرد أحزاب التيار المدنى بالبرلمان القادم، ويرتكن إلى أنه البديل المعتدل المقبول لدى المصريين من بين ممثلى الإسلام السياسي، ويراهن على جزئية أنه من غير الجائز عدم وجود ممثلين للإسلاميين، الذين يشكلون قطاعا عريضا لا يمكن تجاهله ولا تهميشه، لأن ذلك من شأنه اشعال نيران فتن وحرائق لا يحتملها الوطن الآن، وأن حرمانهم من هذا الحق سيجعل البرلمان غير معبر بواقعية عن أطياف المجتمع المصري، ولديهم حجتهم المنطقية التى تبرر موقفهم بهذا الخصوص. بناء عليه قرر النور الخروج من عباءة الاستضعاف والتزامه خانة الدفاع وتلقى الضربات واظهار انيابه، وتجلى هذا فى تصريح زعيمه يونس مخيون لصحيفة الشرق الأوسط السعودية قبل أيام قليلة قال فيه: “ نحن الأقوى ومن يمارس الاقصاء ضدنا سيكون مصيره كالإخوان”. كلام مخيون واضح ولا يلزمه الشرح والافاضة فى بيانه، فالرجل يتحدث من موقع القوة والتهديد بسوء المصير لمن يجرؤ على الاقتراب من حزبه أو ازاحته من المشهد السياسى، وكان الاجدر بالمهندس مخيون عمل شئ أكثر نفعا للنور ولمصر بدلا من استعراض العضلات المفتولة، مستغلا التواجد الهزيل غير المحسوس للأحزاب المدنية فى الشارع وعدم قدرتها على الاتفاق على اطار يجمعها لخوض الانتخابات المقبلة. نفتح هنا قوسين لمطالبة أرباب التيار المدنى بعدم الشطط وتفجير معارك لا لزوم لها، وتتضمن استفزازا لا داعى له للاسلاميين على الأقل مراعاة لظروف المحروسة الصعبة اما عن الشىء النافع المقصود فهو أخذ زمام المبادرة بالدعوة لاجراء مراجعات فكرية فى صفوف الجماعات الإسلامية قاطبة، لتنقيتها من أفكار ومفاهيم هدامة تضر بالبلاد وبمستقبل الأجيال القادمة، وتحفظ دماء المصريين التى يستبيحها متطرفون يروجون لتكفير كل من لا يشاركهم معتقداتهم وأوهامهم الشاذة غير المتوافقة مع صحيح الدين الحنيف، وطبائع المصريين، فنحن أمام فئة لا تعرف سوى لغة القتل واعداد القنابل والسيارات الملغومة لاستهداف المدنيين العزل، ومعهم جنود الجيش والشرطة، استنادا لفتاوى باطلة مضلة، فضلا عن تحالفهم مع جماعات إرهابية خارج الحدود تحاول بشتى السبل الحاق الضرر بالأمن القومي. سيقول البعض إن النور دعا الإخوان مرارا وتكرارا لمراجعة النفس، والتوقف عن التحريض على العنف والكراهية، والانخراط بايجابية فى العملية السياسية، ولحد ما قد يكون ذلك صحيحا لكنها فى المحصلة النهائية لا تعدو كونها جملة عابرة فى بيانات يصدرها ردا على حملات الإخوان الشرسة عليه ولا يمكن اعتبارها مؤسسة وعاكسة لايمان النور بفكر المراجعة وجدواها، وما يزيد الحاجة لمثل هذه المراجعة أن هناك من بين فصائل واجنحة التيار السلفى من يؤمن وبمغالاة بمعتقدات الإخوان، ويمثلون جناحا وظهيرا سلفيا قويا لهذه الجماعة الإرهابية. كما أن الحزب لم يحسم موقفه من قضايا جوهرية، فهو يؤكد أنه ليس حزبا دينيا لكن تصرفاته تشى بالعكس، ومثلا تابع من الذى يتصدر الواجهة ستجدهم كبار مشايخ الدعوة السلفية، فهو يتحرك من قاعدة دينية وليس سياسية. أيضا فإن النور تصدر منه اشارات متناقضة غير مفهومة، ففى حين يعلن انفتاحه على الجميع، وأنه لا يتصرف بمنطق استبعاد واقصاء الشركاء فى الوطن، إذا به يتردد فى اختيار اقباط كمرشحين على قائمته، لأن الجناح المتشدد داخله يتحفظ على مشاركة المرأة والأقباط لأسباب دينية. وحينما تتمعن فى تبريراته ستجدها واهية، وتعتمد على المناورة والمراوغة وعدم الوضوح. عليه كذلك أن يحدد بكلمة فصل لا لبس فيها ما إذا كان يريد بناء دولة على قاعدة مدنية أم دينية، فما يقال فى برامج الفضائيات المسائية شئ وما يتردد فى الغرف المغلقة شئ مختلف تماما، ناهيك عما تقوله قياداته خلال دروسها فى المساجد التابعة للدعوة السلفية. وبعد أن يحسم قراره فعليه عدم التهرب من واقع أن تمسكه بخوض الانتخابات سيوجب عليه دفع فاتورة أخطاء التيار الاسلامي، منذ ثورة 25 يناير، فالحزب كان مشاركا فى استدراج الاسلاميين للبلد للوقوع فى حفرة الإخوان، والغصة لا تزال فى حلق المصريين، وبالتالى فإنه سيكون فى مرمى النيران، ولا يظن أن مؤيديه سيكونون بالكثرة التى تتيح له الحصول على عدد كبير من الأصوات تمكنه من الدخول فى ائتلاف يشكل الحكومة القادمة، وبالتبعية يصبح له كلمته المؤثرة المسموعة فى دوائر صنع القرار، وضمان عدم استبعاده من الترتيبات المستقبلية. تلك استحقاقات لابد لحزب النور العمل على استيفائها قبل أن يتباهى بقوته، واطلاق قذائف الوعيد والتحذير، وأن يضع خطا فاصلا بين السياسى والديني، فإن كان راغبا فى العمل السياسى فاهلا به ومرحبا ولكن بشروط السياسة، اما أن كان غير ذلك فعليه اعادة حساباته. لمزيد من مقالات محمد إبراهيم الدسوقي