يبدو أنه مقدر دائما للقارة الأفريقية أن تواجه المصاعب والأزمات تلو الأخرى دون هدنة.. فوسط الحروب الأهلية والجماعات المسلحة المتطرفة ومعدلات الفقر والأمية التى تزداد سوءا، يعود وباء الإيبولا الشرس للظهور لينشر الموت والإحباط مجددا. ومع استقبال الرئيس الأمريكى باراك أوباما للقمة الأفريقية فى واشنطن فى قمة غير مسبوقة وتطلع أكثر من 50 زعيما للخروج من سجن الأزمات الاقتصادية والسياسية، تعود لتحاصر القارة الحزينة حقيقتان يطرحهما هذا الوباء؛ وهو أن الإهمال والفساد مازالا يسيطران على الحكومات الأفريقية، وأن الدول الغربية لن تقدم حلولا ملموسة إلا لإبعاد المرض عن أراضيها. ورغم نداءات منظمة الصحة العالمية وصراخ موظفى الإغاثة الدوليين لكن العالم يكتفى بالاستنفار فى المطارات لمنع انتقال المرض خارجها، دون أن يقدم علاجا للمصابين، طالما أنهم ليسوا أمريكيين أو أوروبيين. ومع تلقى الولاياتالمتحدة على أراضيها الطبيب الأمريكى المصاب بالمرض فى أقصى ظروف الرعاية، تكتفى الجهات المسئولة بحظر السفر إلى بعض الدول المنتشر بها المرض مثل سيراليون وليبيريا وإجراء فحوصات مكثفة على القادمين من هذه الدول. ورغم كلمات أوباما الرنانة فى القمة الأفريقية المقامة فى واشنطن عن ضرورة التعاون الاقتصادى مع القارة الأفريقية وانتشالها من أزماتها فى أسرع وقت لكنه يكتفى بالكلام دون حتى قطع وعود ملزمة للتدخل السريع فى أى من مشاكلها. وفى حين أن الرئيس السابق جورج بوش قد خصص 15 مليار دولار لمكافحة الإيدز فى أفريقيا، لم يقم أوباما بأى رحلة للقارة المنكوبة، التى ينحدر هو منها، سوى 3 مرات منذ بدء فترة رئاسته الثانية قبل عامين. وأثبتت التجربة أن العالم لن يتحرك لإنقاذ المصابين بالوباء مادام لم ينتشر خارج إفريقيا بعد، فالأفريقيون الفقراء ليسوا مستهلكين مربحين لشركات الأدوية، والتى تفضل بيع اللقاحات التى تطورها للحكومات الغربية لاستخدامها فى حال تفشى الوباء خارج إفريقيا. وكشفت بعض وسائل الإعلام الغربية إن إحدى شركات الأدوية طورت لقاحا بتمويل من الجيش الأمريكي، إلا أن هدف هذه الأبحاث لم يكن تقديم العلاج لضحايا إفريقيا، بل لاستخدام اللقاح من قبل الجيش الأمريكى كواق من هجمات الأسلحة البيولوجية، إذ إن خطورة فيروس إيبولا تجعله سلاحا بيولوجيا فتاكا. وفى الدول الأفريقية فإن الفساد والتمويل الأجنبى الذى يتعرض للاختلاس فى الكثير من المشروعات الصحية وحماية البيئة والتعليم ليس بسبب هين بل فاعلا أساسيا فى نشر الوباء. ناهيك عن انتشار الجماعات المسلحة مثل بوكو حرام فى نيجيريا التى تهدر دائما جهود السيطرة على الأمراض وغيرها من مشاكل البنية الأساسية. ونتيجة للحروب الأهلية التى كان إحداها وأسوأها فى سيراليون، يفر الكثير من المدنيين إلى الدول المجاورة مما يساهم فى نشر الفيروس إضافة إلى أمراض أخرى مازالت كامنة. وأمام تعنت الدول الغربية فى وضع إجراءات حاسمة لمواجهة التغير المناخى تواصل الظواهر الطبيعية من تصحر وجفاف ورياح عاتية وانهيارات أرضية وفيضانات فى نقل المرض بنجاح منقطع النظير. وفى الحقيقة وأمام هذه المشاكل التى لا حصر لها لم تواجه دول غرب أفريقيا التى يتمركز بها المرض حاليا حالة انتشار وباء من قبل وبالتالى فإن وسائل مواجهة مثل هذه الأزمة غير معروفة بالنسبة لهم كما أن انتشاره فى عدة دول هو أمر يزيد من صعوبة السيطرة عليه. أضف إلى ذلك، وهو الأمر المخيف حقا، أن بنية الرعاية الصحية فى هذه الدول تعانى منذ سنوات طويلة نتيجة الحروب الأهلية خاصة فى غينيا وسيراليون وليبريا التى يوجد بها ما نسبته طبيب واحد فقط لكل 100 ألف مريض! ومع ضعف ثقة المواطن فى حكومته وأجهزته الطبية يزداد الإهمال ويزداد فى المقابل اللجوء إلى الطب الشعبي. ومن هنا نطرح سؤالا: ما الذى يجب أن تكافحه القارة للقضاء على المرض وكل الأمراض؟