الخطاط محمود إبراهيم سلامة، هو المصرى الوحيد الذىكتب المصحف الشريف بالخط الثلث، وحصل على الإجازة فى كتابة الخط العربى من كبير الخطاطين الأتراك بعدما جاوز التسعين من عمره، ويعكف حاليا على كتابة المصحف السادس بخط الثلث الجلى، بعد أن بلغ عامه الخامس والتسعين، وصار شيخا لخطاطين على مستوى العالم أجمع. وبرغم السنين الطوال التى عاشها فقد حباه الله ذاكرة حافظة وقلبا واعيا وصمتا فى تفكر وقولا فى بلاغة, ولم لا وهو الصحفى الخطاط خط بريشته فى العديد من الصحف والمجلات المصرية والعربية، وكتب لوحات عدد من المساجد داخل مصر وخارجها.
من هم أشهر أساتذتك الذين تلقيت الخط العربى عنهم؟ سيد إبراهيم، وعلى بدوى، ورضوان، وغريب، ومصطفى غزلان بك، والمكاوى, ومحمد حسنى والد الفنانتين سعاد حسنى ونجاة الصغيرة, ولكن صلتى بأستاذى سيد إبراهيم كانت عميقة, حيث إننى كنت أدرس بمدرسة تحسين الخطوط المسائية, بعد انتهاء دراستى الصباحية فى المعلمين, وكان مكتب الأستاذ سيد إبراهيم قريبا من المدرسة, ولما علم بظروفى دعانى إلى مكتبه, حيث كنت أجلس فى مكتبه حتى يحين موعد الدراسة فى مدرسة تحسين الخطوط, وفى مكتب الأستاذ سيد إبراهيم بشارع فاروق (الجيش حاليا) تعرفت على الأستاذ كامل الكيلانى، وحصلت على المركز الأول فى مدرسة تحسين الخطوط سنة 1939, وأكملت فى التخصص بدراسة الخط الفارسى. ما أشهر أعمالك فى مجال الخط والصحافة؟ كتبت لوحات دينية ل «المصور» و«الجمهورية» عقب نكسة 1967م, وقمت بكتابة سلسلة عن تيسير الكتابة العربية فى مجلة الهدف, كما كتبت عناوين الأفلام التسجيلية بأستوديو نحاس بتكليف من الفنان حسن فؤاد, وكذلك كتبت غلاف «صباح الخير» وعناوينها فى سنتها الأولى، وكتبت لوحات بالعديد من المساجد، وعناوين برامج كمبيوتر «صخر», واشتركت مرتين فى معارض جماعية بقاعة الفن التشكيلى بدار الأوبرا المصرية, وألفت فى الخط العربى سلسلة فن الخط للجميع، وصدر منها كراسة النسخ، وكراسة الرقعة، وكتبت حروف النسخ والديوانى للشركة العالمية «صخر» مراعيًا التقيد بالأصالة إلى أبعد الحدود. وعندما قامت اللجنة الدولية للتاريخ والفنون والتراث باستانبول «إرسيكا» بإجراء مسابقات دولية فى الخط العربى الأصيل، بادرت بالاشتراك فيها, رغم تقدمى فى السن, ولم أوفق فى الأولى لتأثر قلمى بالخط الصحفى، ولكنى حصلت فى الثلاث التالية - باسم مصر – على أربع جوائز وسط منافسة عالمية. ما هى الصحف التى اهتمت بالخط والخطاطين؟ قبل الثورة كانت الأهرام والمصرى وأخبار اليوم والزمان المسائية وبعدها استمرت الأهرام والأخبار والجمهورية فى الاهتمام بهم, وكان لكل واحدة منها مدرسة فى خط الرقعة, فالأهرام كان بها 3 خطاطين (يهودى ومسيحى ومسلم), أما الأخبار فكان بها الخطاط الشهير السخيلى, فى حين كانت الجمهورية بها الخطاط محمود إبراهيم لمانشيت الصفحة الأولى ومعه 9 خطاطين لباقى صفحات الجريدة. وكيف وقع عليك الاختيار لكتابة لوحات فيلمى الرسالة وعمر المختار من قبل المخرج الراحل مصطفى العقاد؟ جاء عبد الرحمن الشرقاوى إلى القاهرة وسأل عنى بعد أن سمع أننى أحسن خطاط فى مصر فقيل له إننى فى طرابلس بليبيا ووزير الإعلام الليبى يعرف مكانى وكنت على بعد بضع خطوات من مكتبه فى مجلة «الأمل» وقال لى سكرتير الوزير إن العقاد يريدك أن تكتب لوحات فيلم الرسالة. وبالفعل سافرت إلى لندن وكتبت خطوط فيلم الرسالة فى شهرين, وبعدها بحوالى عامين طلبنى العقاد للعمل فى فيلم عمر المختار. لقد كان للفترة التى قضيتها فى ليبيا الشقيقة أثرها فى أعمالك؟ أمضيت فى الجماهيرية الليبية أحد عشر عاماً.. اشتركت خلالها فى وضع لائحة معهد ابن مقلة الذى أسسه الشيخ أبوبكر ساسى وهو من تلاميذ الأستاذ سيد إبراهيم المقربين، ودرست به عدة سنوات.. ومازال التواصل بينى وبين بعض التلاميذ هناك مستمرا، من بينهم الإخوة محفوظ البوعيشى، وإبراهيم المصراتى، وعادل المكشبر، ومحمد خليفة الشائبى. وشجعنى زميلى الأستاذ محمد حمام على المشاركة لأول مرة فى معرض للخط بطرابلس، وكتبت أول مصحف لأمانة العدل. لقد عادلت عدد المصاحف التى كتبها حداد, فها هو المصحف السادس بخط الثلث الجلى قد جاوز المنتصف. فمتى بدأت رحلتك مع المصحف الشريف؟ عندما كنت أعمل فى مجلة الأمل جاء خطاب من أمانة العدل بليبيا إلى رئيسة التحرير أن تسمح لى بكتابة المصحف للأمانة برواية قالون فى غير أوقات العمل وكان عندى خلفية من خلال عملى فى جريدة الجمهورية, وبالفعل انتهيت من كتابته فى البيت خلال سنة ونصف, ولكنى وقعت فى خطأ أننى ضبطت تشكيله بالطريقة المصرية, وبعد عودتى للقاهرة علمت أن الجهات الدينية هناك وجدت صعوبة فى قراءة الضبط المصرى, ولذلك كلفوا خطاطا ليبيا لتصحيحه على طريقتهم فى القراءة, وعندما علمت تمنيت لو أستطيع الحصول على أصول المصحف لتصحيحه فى أيام.. ولما رأى الراحل محمد المعلم صاحب دار الشروق نماذج من المصحف الأول طلب منى كتابة مصحف باسم الدار برواية حفص عن عاصم فقمت بكتابته فى حوالى عام ونصف بطريقة توفر فى عدد الصفحات وزخرفته وذلك فى عام 1985 , وما زالت هذه النسخة لم تر النور بعد وفاة محمد المعلم رغم أنها أجيزت من الأزهر الشريف ومجمع البحوث الإسلامية، ثم طلبت منى دار الهدى بالجزائر كتابة مصحف برواية ورش فأنجزته وسلمته لهم فى عام 2003 فقاموا بطباعته وأهدونى نسخة منه. وبعدها جاء وفد ليبى إلى معرض القاهرة للكتاب واتفقوا معى أن أكتب مصحفا برواية قالون وبطريقة التشكيل التى اعتادوا عليها وانتهيت منه فى عام 2006 . وفى يوم عيد ميلادى الثالث والتسعين انتهيت من المصحف الخامس الذى كتبته بخط الثلث تاج الخطوط وأصعبها وأجملها. وها أنا أكتب المصحف السادس بخط الثلث الجلى كذلك وقد جاوزت منتصفه, وأدعو الله أن يمد فى عمرى حتى أفرغ منه، وهذا مشروع عمرى فى محراب الخط وفنونه وأرجو أن يتقبله الله منى فأنا أعلم أن العمل الجيد عبادة خالصة لوجه الله ففن الخط للآيات القرآنية عبادة من طراز رفيع وفريد.