عيد الفطر عيد إسلامى كريم، ونفحة مباركة من نفحات رب العالمين، جاءت لتحتفل بتمام الصيام، وانتهاء أيامه المعدودات التى جعلت المسلم الصائم فى عداد الملائكة الأطهار، بعد أن جاهد جهادا كاملا طيلة شهر رمضان النفس وهواها، وانتصر على نفسه، وتهذبت طباعه، وسمت روحه، فكتب له الجزاء الأوفي، ونال الأجر العظيم، ولذلك سمى يوم عيد الفطر فى السماء «يوم الجائزة، يتفضل الله بها على الصائمين المتقين، وهى جائزة» التوفيق لما قدموا من صالح الأعمال التى نالوا بها رضوان المولى سبحانه وغفرانه. والحق أن فرحة المسلم فى عيد الفطر هى فرحة القيام بالواجب، وفرحة الطاعة فقد أرضى ربه بصيامه وقيامه وإحسانه وحسن عبادته وإخراج زكاة الفطر، وتلك الفرحة هى أولى الفرحتين اللتين وعد بهما الصائم، حيث يقول الرسول صلى الله عليه وسلم: «للصائم فرحتان يفرحهما: إذا أفطر فرح بفطره وإذا لقى ربه فرح بصومه». وحين تشرق شمس يوم عيد الفطر تتعانق البهجة والمسرة مع العبادة والطاعة، وتتقابل الوجوه، وتسعد النفوس والقلوب جميعا، وتتضاءل وتذهب الشحناء والبغضاء فليس فى الفرحة إلا تصافح الأيدي الذى يحمل كل التعبير عن الصفاء، ونقاء القلوب. ومن حق المسلمين أن يفرحوا والبشر يعلو وجوههم، ولكن العيد السعيد يرجو منهم أن يحرصوا على ما حباهم الله به، ولا يذهبوا إلى أن شهر العبادة والصوم قد انتهي، وأصبحوا فى حل من قيود العبادة ومحاسن الأخلاق والعادات، فإن الذى فرض عليهم صيام رمضان باق إلى ما لا نهاية، رقيب محاسب فى كل لحظة، ولذلك يجب على المسلم أن يجعل رضا الله هدفه، وطاعته مقصده، ونور الحق الهادى يمثله كتاب الله منهجه وسلاحه، لقد كانوا فى شهر رمضان يعيشون فى نعمة وارفة الظلال، طيبة المصير، ويجب أن يحافظوا على هذه النعمة، ويتمسكوا بالطاعة فى كل وقت. إن العيد السعيد يطالبهم بأن يحرصوا على التحلى دائما بالمعانى السامية النبيلة، والفضائل الخلقية الكريمة، التى اكتسبوها فى رمضان، كما يود توثيق صلتهم بآثار الصوم وحكمته، والاستفادة فى حياتهم من دروسه الجليلة، فما كان هذا الشهر بصيامه إلا ليترك أثره الدائم فى النفوس فلا تجنح بعده إلى ما أعرضت عنه. أن المسلمين مطالبون بالتمسك بكل ما كسبوه بصيامهم وقيامهم، من خلق عظيم وتقوى وإصلاح واستقامة وبر ورحمة، ويجب أن يدرك المؤمنون أن يوم العيد يوم طاعة وبر، لا يوم فسوق ومعصية، هو يوم الخير والحلال، ونبذ الشر والحرام واجتناب السيئات، وتسمو فرحة المؤمن، ويحظى بالثواب الجزيل. والالتزام بأخلاق الإسلام وفضائله طريق السعادة، وسر الفرحة التى يتحلى بها دائما أصحاب القلوب الكبيرة، والهمم العالية، والعزائم الفتية فى عيد الفطر، لأن العيد فى الإسلام عبادة وتربية. وهنيئا لمن يعمل صالحا، يقول عز وجل : « إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات كانت لهم جنات الفردوس نزلا خالدين فيها لا يبغون عنها حولا».