بعد يوم11 فبراير من العام الماضي والمعروف بيوم التنحي, علت الطموحات الاقتصادية المتولدة من التغيرات السياسية التي صاحبت الثورة, وارتفعت آمال واحلام الطبقات العريضة من الكادحين والفقراء للعيش حياة كريمة غير التي كانوا عليها قبل يوم التنحي. ولأن تحقيق هذه الطموحات لا يأتي بالتمني بطبيعة الحال, فقد كان لابد من اعمال قيم العلم والعمل علي وضع خارطة للطريق الاقتصادي لتكون نقطة بداية الانطلاق وتحقيق الآمال. وقد سارع اتحاد الغرف التجارية من جانبه باتخاذ مبادرة وضع خارطة الطريق من خلال تنظيم عدة ورش عمل مكثفة بالاسكندرية تلتها إجتماعات مكثفة مع اصحاب الاعمال, وندوات شارك فيها لفيف من رجال الاقتصاد والفكر وخبراء الجامعات والمراكز البحثية المختلفة وممثلو الاعمال بمختلف توجهاتهم الفكرية والايديولوجية, وتمت هذه الاجتماعات تحت رعاية المجلس الاعلي للقوات المسلحة, والذي شارك بعض من اعضائه في بعض هذه الجلسات, وقد تم الإنتهاء من إعداد تقرير مفصل يمثل دستور عمل واقعيا يعرض خلاصة تلك الأفكار والمناقشات والخبرات العلمية والعملية, كما تضمن التقرير الخطوات والاجراءات اللازمة لتطوير وتنمية وانعاش الاقتصاد المصري والذي يمكن إعتباره كما يصفه أحمد الوكيل رئيس اتحاد الغرف التجارية دستور مصر الاقتصادي الجديد الذي سيعيش جنبا الي جنب مع الدستور السياسي مواكبا للرؤي الاقتصادية والاجتماعية التي قامت من اجلها ثورة25 يناير. والهدف الرئيسي من الدستور الاقتصادي المقترح يتوافق مع الهدف المجتمعي وهو زيادة فرص العمل وزيادة الدخول وتحسين مستويات المعيشة, ويشترك في الهدف اصحاب الاعمال من صناع ومنتجين وتجار وجمهور المواطنين من عاملين ومهنيين وطالبي فرص عمل والحكومة, وقد تختلف دوافع كل طرف, ولكن إذا وضحت الرؤية من البداية من خلال عمل مصالحة بين اصحاب الاعمال والمواطنين والحكومة والتي غابت لفترة طويلة, فان الهدف قد يتحقق لجميع الاطراف وذلك من خلال دستور اقتصادي معلن ومتوافق عليه. وقد اتفقت مختلف القوي الاقتصادية واصحاب الخبرات العلمية علي مجموعة من المباديء تمثل التوجه الاقتصادي للبلاد تعتمد علي التبني الواضح والصريح لمباديء الاقتصاد الحر واقتصاد السوق المهذب والمراقب من قبل ادارة قوية حازمة قادرة علي ضبط الايقاع والعمل علي تهيئة مناخ اقتصادي سليم واضح الرؤية لرفع توقعات المستثمرين المحليين والاجانب تجاه الاقتصاد المصري, وهو ما يؤدي الي تدفق الاستثمارات المولدة لفرص العمل والقاضية علي البطالة خالقة لمستويات اعلي من الدخول مع رفع مستويات المعيشة. وترتكز هذه المبادئ الاساسية التي يتبناها الدستور الاقتصادي المقترح علي ضرورة خلخلة الكثافة السكانية وزيادة الرقعة المأهولة والتي لاتتجاوز10% من المساحة الكلية لمصر لتصل الي25% مما يؤهل لبناء اقتصاد قوي وقادر علي مواجهة تحديات العصروحتي تظهر نتائج النمو علي جميع المناطق وليس قصرها علي مناطق بعينها, واقترح التقرير اختيار20 منطقة يراعي فيها التوازن المكاني بحيث تكون موزعة علي أقاليم مصر ويجب ايضا تحديد الانشطة الاقتصادية الاساسية وغير الاساسية داخل كل منطقة في بداية الخطة علي ان يتم وضع خطة زمنية لتنفيذ ذلك بواقع منطقتين في العام ومن الضروري ايضا ان يتم عمل خطة قومية ترويجية للترويج محليا وعالميا لتلك المناطق وجدواها الاقتصادية. وأشار إلي أن الدستور الاقتصادي يستهدف تقليل نسبة الفقر بحد أقل من15% وتخفيض معدل البطالة بنسبة6%, واصلاح منظومة الدعم لتحقيق اكبر قدر من العدالة عند توزيع الدخل. والعمل علي رفع معدل النمو الاقتصادي الي7% لمدة10 سنوات لمضاعفة, متوسط نصيب الفرد من الناتج المحلي الاجمالي الحقيقي خلال10 سنوات اي زيادة رفاهية المواطن ورفع مستوي معيشته مع اعادة هيكلة مصادر الناتج المحلي الاجمالي وزيادة الاستثمارات والصادرات, والعمل علي خفض البطالة الي6% سنويا والذي يستدعي توفير900 الف فرصة عمل سنويا لاستيعاب الزيادة في القوي العاملة من ناحية وتشغيل قدر من القوي العاملة الحالية غير الموظفة وهو ما يتطلب استثمارات سنوية تقدر بحوالي65 مليار جنيه, اضافة الي ذلك يجب خفض معدل الفقر الي15% وهو ما يتطلب اعادة توزيع الدخل والثروات والذي بدوره يؤدي الي قدر اكبر من العدالة الاجتماعية مع توظيف افضل لطاقات المجتمع ولضمان استقرار الاسعار وخفض تكلفة المعيشة فانه يجب خفض معدلات التضخم الي6% مما يستلزم ضبطا لتكاليف الانتاج وزيادة كفاءة التشغيل ولتعزيز الثقة في اداء الاقتصاد يجب العمل علي خفض عجز الموازنة الي4% والذي بدوره يقلل من نمو الدين العام ومن احتمالات التضخم, وارتفاع الاسعار مما يؤدي الي اهداف اخري مثل ضبط الانفاق العام وترشيده وانتهاج سياسات رشيدة. وفي رصده للاوضاع الاقتصادية الراهنة اشار التقرير الي تدني ترتيب مصر بين الدول بالنسبة للتنمية البشرية خلال السنوات العشر الاخيرة, كما تلاحظ ايضا عدم تغير التوزيع القطاعي لمصادر الناتج المحلي الاجمالي بشكل ملحوظ خلال العقدين الماضيين منذ بداية الاصلاح الاقتصادي في التسعينيات, حيث ان القطاعات المولدة للدخل مثل الزراعة والصناعة والخدمات والقطاعات المرتبطة بهم لم تتغير مساهمتها النسبية, وبالنظر الي القطاع الخارجي يتضح ان الميزان التجاري في ميزان المدفوعات المصري كان ولايزال يعاني من عجز مزمن عبر اكثر من خمسة واربعين عاما وهو ما يعكس عدم قدرة قطاع الصادرات علي الوفاء بمتطلبات احتياجات الواردات السلعية,. اما بالنسبة للموازنة والدين فان المحصلة النهائية لتلك المجموعة من السياسات كانت ولازالت عبارة عن ردود افعال اسفرت عن عجز كبير في الموازنة وصل الي4 ر10% من اجمالي الناتج المحلي عام2011 ودين داخلي وصل الي4 ر82% من اجمالي الناتج المحلي دون ان تكون اداة فعالة لتحقيق مجموعة من الاهداف الاقتصادية والاجتماعية المنشودة, حيث انه حتي آخر موازنة للدولة نجد ان عجز الموازنة يمثل2 ر10% والدعم2 ر10% والاجور3 ر7% وهناك توقعات بزيادة الدين الداخلي بشكل مطلق وكنسبة من الناتج المحلي الاجمالي قد تصل الي12% بدلا مما كان مستهدفا للسنوات المقبلة وهو5 ر3% سنويا وهو امر في غاية الخطورة حيث انه يشكك في قدرة الدولة مستقبلا علي الوفاء بالتزاماتها, إضافة ألي أن أكثر من16 مليون مواطن, تحت خط الفقر في مصر أي يحصل علي دولارين يوميا بالقوة الشرائية في اليوم الواحد أي أقل من12 جنيها.