لماذا القرب من الله تعالى في رمضان بالذات، والمؤمن مُطالب بأن يكون قريبًا منه سبحانه في كل وقت؟! نظرة بسيطة في آيات الصيام (من الآية 183 حتى 187 من سورة البقرة) تقدم لنا الإجابة..فقد تخللها في الآية قبل الأخيرة، قوله تعالى :"وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ ۖ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ ۖ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ ". كثيرًا ما كنت أتوقف متأملاً عند هذه الآية العظيمة، وأقول لنفسي: لماذا جاءت هنا؟ وآسى عندما أفتح كتب التفاسير فأجد كبار العلماء والمفسرين يمرون عليها سريعًا، ميتوقفين فقط عند الدعاء، وأفضليته، وإجابة الله له، دون أن يتوقفوا عند هذا الوصف الرائع: "فَإِنِّي قَرِيب"! إنه الله تعالى.. ربنا الكريم.. تجلت قدرته.. يتلطف بنا، ويتودد إلينا، ويطمئنا إلى أنه "قريب منا"، وهذا يكفي -لاشك- لكي يستحي المرء من نفسه، ويجتهد في أن يكون قريبًا منه تعالى. أما ساحة القُرب والوصال بين المرء وربه فهي شهر رمضان.. ولِمَ لا، وفي رمضان ما لا يُوجد في غيره من الوسائل المعينة على هذا القرب، بدءًا من الصيام، والصدقة، والزكاة، وإطعام الطعام، ومرورًا بالصلاة، والتهجد، والقيام، وليس انتهاء بالذكر، وفعل الخيرات، والدعاء، وقراءة القرآن. هكذا كانت البداية مع "فَإِنِّي قَرِيب" -بين آيات الصيام-: إشراقة ربانية، وسبحة علوية، واستجاشة نفسية؛ تبعث على النفس الشعور بالسكينة، والامتلاء بالإيناس، والود، والطمأنينة. لكن لماذا لابد أن تكون َ -أساسًا- قريبًا من الله؟! ثم أليس هناك بديل -لهذا القرب- يجعلك تحيا سعيدًا، وتفوز بخيري الدنيا، والآخرة، دون هذا القرب؟! الواقع أنه لا بديل لك عن إقامة علاقة قوية مع الله تعالى.. ذلك أن هذه العلاقة أشرف علاقة تشهدها حياتك، وأروع علاقة تعيشها، وأيسر علاقة تقيمها، وأكثر علاقة تستحق الاستثمار الدائم فيها، والتقويم المتواصل لها، والإضافة المتوالية إليها.. ولمَ لا، وهي القائمة على انتفاء الأغراض، والابتعاد عن الأهواء، وخلاصة ثمرتها: الخلود الدائم.. في النعيم المقيم؟ قال تعالى: "وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ * أُولَئِكَ الْمُقَرَّبُونَ* فِي جَنَّات النَّعِيم".( الواقعة: 10-12).. أي –بحسب المفسرين-: "والسابقون إلى كل خير هم السابقون إلى أفضل الثوب في الآخرة، وهم (مع ذلك) ثلة من الأولين، أي: جماعة". وقال تعالى: "وَمِزَاجُهُ مِنْ تَسْنِيمٍ * عَيْنًا يَشْرَبُ بِهَا الْمُقَرَّبُونَ".( المُطففين: 28).. وقال: "فَأَمَّا إِنْ كَانَ مِنَ الْمُقَرَّبِينَ * فَرَوْحٌ وَرَيْحَانٌ وَجَنَّةُ نَعِيمٍ".(الواقعة: 88).. أي: "فراحة، وأمان، ورائحة طيبة له". كما قال سبحانه -على لسان الملائكة الكرام في وصف السجايا العطرة لرسوله الكريم عيسى عليه السلام-: "وَجِيهاً فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَمِنَ الْمُقَرَّبِينَ". (آل عمران: 45). فيا لها من نعمة وكرامة.. أن تكون من المُقرَّبين من رب العالمين. أخيرا: سل نفسك، لا سيما، ونحن نودع رمضان: أين أنتَ من الله؟.. فهو سبحانه يطمئنك: "أنا قريب منك .. فأين أنت من قربي؟ هيا نتقرَّب من الله، ولتكن البداية من رمضان، حيث الإعانة القوية على تحقيق هذا القُرب الرباني، ودوام الوِصال الإلهي. [email protected] لمزيد من مقالات عبدالرحمن سعد