«لا يكفى أن تكون لدينا عملة أو رئيس أو مصدر تمويل مشترك.. إما أن نقبل مصيرا وقيما مشتركة، وإما نفقد دور أوروبا فى مواجهة نفسها».. بهذه الكلمات عبر ماتيو رنزى، رئيس وزراء إيطاليا، عن خطة عمل بلاده خلال رئاستها للاتحاد الأوروبى، التى تستمر ستة أشهر، بعد أن تسلمتها من اليونان فى الأول من يوليو الحالى. وتأتى الرئاسة الإيطالية للاتحاد الأوروبى فى مرحلة دقيقة من تاريخه، حيث يواجه صعوبات وتحديات متعددة، بعضها قد يهدد استمراره، خصوصا أن الاتحاد يشهد تغييرا شاملاً في كل مؤسساته، فباستثناء اختيار رئيس رئيس وزراء لوكسمبورج السابق جان كلود يونكر لرئاسة المفوضية، فإن الأوروبيين لم ينجحوا فى الاتفاق على أسماء شخصيات تتولى رئاسة المجلس الأوروبى ومجموعة اليورو والسياسة الخارجية للاتحاد، بالإضافة إلى البرلمان الأوروبى المنتخب حديثا وتغلبت عليه القوى المناهضة لأوروبا، بعد صعود أحزاب مشككة فى جدوى الاتحاد تنتمى لليمين المتطرف أو اليسار الراديكالى، بعدد من الدول خلال الانتخابات الأخيرة، وهو ما يعتبره المحللون مؤشرا لا يمكن تجاهله ويمثل ناقوس خطر. فيما يرى محللون آخرون أن رئيس الوزراء الإيطالى يعتزم استخدام هذا التقدم لمناهضى أوروبا كرافعة لدفع الاتحاد نحو تعديلات كبيرة، وهو ما أكده خلال تصريحه بأنه "أمام إيطاليا الآن فرصة لتحقيق مزيد من الاندماج في الاتحاد الأوروبي، وعلينا أن نعمل لنحافظ على أوروبا كمنطقة يكون الأمل فيها ممكنا"، لكن ما يمكن أن يعرقل إيطاليا فى هذا الاتجاه أنها تحقق نموا ضعيفا، ولديها بطالة وصلت نسبتها إلى 12.6%، وأنها تحتاج إلى مهلة أطول لتقليص ديونها العامة، التى بلغت نحو ألفي مليار يورو، وهو ما يمثل أكثر من 130% من إجمالي ناتجها الداخلى. وبما أن رئاسة مجلس الاتحاد الأوروبي هي المسئولة عن سير العمل في مجلس الاتحاد، وقيادة اجتماعاته، وتحديد جداول أعماله، ووضع برنامج العمل، وتسهيل الحوار، سواء في جلسات المجلس، أو مع مؤسسات الاتحاد الأوروبي الأخرى، فإنه سيكون من التحديات الكبيرة التى تواجه إيطاليا خلال رئاستها الحالية للاتحاد الأوروبى الاختلاف حول سياسة التقشف، بين من يريد الاستمرار فيها، ومن يرى ضرورة إظهار بعض المرونة في معالجة آثار الأزمة الاقتصادية، فإيطاليا ستسعى إلى الدفع نحو أوروبا أكثر التزاما بالنمو وأكثر تضامنا لتصحيح صورة المؤسسات التى أصبحت عنوانا للتقشف وابتعدت عن مشاغل الناس، حيث قال رئيس وزرائها: "أوروبا اليوم هي القلق. إنها غارقة في أرقام ومحرومة من روح"، ولذلك شدد على ضرورة مراجعة القواعد المنصوص عليها في ميثاق الاستقرار والتنمية الأوروبي لتكون أكثر مرونة. وبعيدا عن الأولويات الخاصة لإيطاليا خلال رئاستها للاتحاد الأوروبى، والمتمثلة فى العمل على وضع سياسات لتنظيم مسالة الهجرة غير الشرعية، خصوصا أنها من أكثر الدول تأثرا بموجات المهاجرين غير الشرعيين، حيث إنها تعد إحدى البوابات الأوروبية الرئيسية للمهاجرين الهاربين من الأزمات السياسية والاقتصادية والحروب ببلادهم، فإن على الرئاسة الإيطالية أن تجد طريقة للتعامل مع الدول الأعضاء، التى تحاول الحفاظ على تفوقها فى عملية اتخاذ القرار داخل الاتحاد. ولا تتوقف تحديات رئاسة الاتحاد الأوروبى فى هذه الفترة المفصلية على الأجندة الداخلية والقضايا المتعلقة بدوله، حيث أصبحت السياسة الخارجية للاتحاد الأوروبى مثار خلاف كبير بين الحكومات والأحزاب الممثلة فى البرلمان الأوروبى، خصوصا أنه تحيط بالاتحاد الأوروبى مناطق نزاع ساخنة من أزمة أوكرانيا إلى ما يجرى فى بعض الدول العربية، مثل ليبيا وسوريا والعراق، ففى حين يحاول رؤساء الدول الحكومات الأوروبية اتخاذ مواقف معتدلة تحافظ على مصالح دولهم، يدفع البرلمان الأوروبى نحو تبنى مواقف متشددة فى ملفات حقوق الإنسان. ويتزامن مع هذا الخلاف مطالبات بتقوية دور الاتحاد الأوروبي بالخارج، وهو ما يمثل تحديا حقيقيا للرئاسة الإيطاليا للاتحاد، في وقت لا توجد به رؤية سياسية أوروبية موحدة.