ليس من السهل على الفنان المبدع الانتقال بادائه (راديكاليا- جذريا) من نمط شخصيات الى آخر مغاير لما تعوده، او لما ألفه الجمهور منه، وبخاصة اذا كان النجم من الذين تربعوا على القمة لفترة طويلة، وصارت حساباته كثيرة فى شأن اى تغيير يقرره، او مغامرة يُقدم عليها. وبمقدورى الحديث عن اداء يسرا لدور خوشيار هانم فى مسلسل «سراى عابدين» من اخراج الاستاذ عمرو عرفة، بوصفه واحدا من ذُرى التحول ونقاط القرار الصعب التى رأتها مبدعة كبيرة ونجحت فيها على نحو مبهر.. قدمت يسرا دور (أم) لمرة نادرة فى ادائها كما اظن وابدعت فى شخصية خوشيار هانم أم الخديو على نحو مدهش.. بعبارة اخرى «عفقت» روح تلك المرأة التركية المتسلطة المتعجرفة، وتجاوزت فى ادائها للدور سن معظم بطلات المسلسل، ولكنها صفت روحها الموهوب فى تقمص شخصية خوشيار لتقدم لنا اسهاما شديد الاتقان فى لوحة دراما ذلك المسلسل. الخطورة فى مثل ذلك الدور، ان الانزلاق فيه الى الكاريكاتير او المبالغة غير المحسوبة بدقة يكون الاختيار الاسهل الذى يغالى فيه الممثلون حين ينطقون العربية المكسورة بلكنة تركية، او يحرصون على تأكيد المظهر فى ادائهم بما يعكس صورة عصر مضى، دون الاهتمام بالفوارق الشعورية والعاطفية الدقيقة، التى ترسم احاسيس شخصية بالذات عاشت فى ذلك العصر، وبخاصة اذا كانت صعبة التركيب، معقدة الصياغة مثل خوشيار هانم. المسلسل يدور عن وقائع فى حياة العائلة المالكة زمن الخديو اسماعيل من خلال ما يجرى فى قصر الملكية الاول.. وقد تعود الناس فى المسلسلات والافلام التاريخية تركيز صانعو تلك الاعمال على الجوانب الوطنية والسياسية كأن ليس فى الدنيا غيرها.. ولكن سراى عابدين قدم حياة البشر فى القصر على نحو قريب من المسلسل الانجليزى «فوق وتحت» او «Up Stairs down Stairs» واظهر لنا دراما الخيانات والصراعات والدسائس والمؤامرات والحب والسقوط بشكل انسانى. كانت يسرا فى خضم دراما القصر رمانة الميزان فى اداء كل الممثلين، غارقة حتى شواشيها فى فكرة (التمثيل للتمثيل) متخليه عن تحسبات كبار النجوم حين يقومون بنقلة كبرى.. هناك عشرات الجوانب التى يمكننى فيها الحديث عن مسلسل (سراى عابدين) ولكن يسرا- قطعا- هى اهمها. لمزيد من مقالات د. عمرو عبد السميع