مازلت أذكر المسحراتى فى الشوارع والحوارى القديمة سائرا على قدميه لتسحير المصريين، والذى أصبح أحد مظاهر وعلامات هذا الشهر الكريم، كالفانوس الرمضاني، والكنافة، والقطايف، الفول المدمس والطرشي، ومدفع الإفطار وسهرات حى الحسين، وصوت الفنان الراحل سيد مكاوى الذى نقل المسحراتى من الشارع إلى شاشة التليفزيون والإذاعة وغيرها من الذكريات العطرة، والليالى الممتعة بكل المقاييس، ففى فترة الطفولة كنا حريصين أن يكون لدينا فوانيس رمضانية لنلهو بها ونلعب مع أطفال الجيران بكل محبة ودون تمييز، كما كبرنا ونحن نستمع لصوت المسحراتي، وهو محتفظ بشكله التقليدى الذى يعتمد على الجلباب المصري، وبصحبته الطبلة الصغيرة التى تسمى (بازة)، وقطعة من الجلد يقرع بها طبلته، والعصا التى يطرق بها أبواب بيوت الحى الذين عادة ما يعرفهم بأسمائهم. فكان المسحراتى قديما يجوب شوارع القاهرة والأحياء الشعبية وأزقتها، ويصاحبه طفل صغير أو طفلة ممسكة بمصباح لتضيء له الطريق، وحوله الأطفال يحملون الفوانيس ويسعدون بصوته وطريقة أدائه على الطبلة، وهو يردد أعذب وأجمل الأدعية والأغنيات، ونداءاته المميزة (اصحى يا نايم وحد الدايم، أو أسعد الله لياليك يا أبو...الخ)، وأحيانا يذكر اسم صاحب المنزل الذى يقف أمامه، وغالبا ما كان يعرف أسماء الموجودين فى المنزل من الرجال ويردد الدعاء لهم، وكان من عادة الأمهات المصريات فى ذلك الوقت، انهن يضعن قطعة معدنية من النقود ملفوفة داخل ورقة، ثم يشعلن أحد اطرافها، ويلقيان بها إلى المسحراتى الذى يستدل على مكان وجودها، ثم يرتفع صوته بالدعاء لأهل المنزل جميعا. وفى هذا السياق أشير إلى أن هناك من النساء من شاركن فى عملية التسحير، ففى العصر الطولوني، كانت المرأة تقوم بإنشاد الأناشيد من وراء النافذة، شريطة أن تكون من صاحبات الصوت الجميل، وتكون معروفة لدى جميع سكان الحى الذى تقطن فيه، كما أن كل امرأة مستيقظة كانت تنادى على جارتها. ولقد شاهدت منذ ثلاثة أعوام بأحد البرامج الفضائية حلقة عن قيام إحدى البلديات فى تركيا بتدريب الفتيات على عمل المسحراتي، لكى يقمن بالتجول فى الشوارع فى ليالى رمضان لتنبيه الصائمين للسحور. والغرض من ذلك إثبات أن المرأة قادرة على منافسة الرجل فى كل مجالات العمل، إضافة إلى مساعدة الفتيات على التغلب على الخوف من السير فى الشوارع ليلا.. وكل عام والمصريين جميعا بخير. محاسب ألبير ثابت فهيم مصر الجديدة